الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بولندا والهيمنة الروسية على الطاقة

17 يوليو 2012
بدأت أحلام البولنديين في التحرر من الهيمنة السوفييتية والانفكاك من القهر الذي مارسه النظام الشيوعي السابق من مدينة "جدانسك" المعروفة بصناعة السفن، حيث انطلقت منها حركة "تضامن" التي ساهمت في تقويض الستار الحديدي، لكن اليوم تراود البولنديين أحلام من نوع آخر تتعلق بالتخلص من الهيمنة الروسية في مجال الطاقة. مع العلم أن الطريق إلى التحرر هذه المرة يقبع تحت الأرض على عمق يفوق الميل أحياناً. فإذا صحت تقديرات علماء الجيولوجيا تزخر بولندا بحوالي 768 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المحبوس داخل مستودعات صخرية تقع في جوف الأرض، وهي كميات تكفي لتلبية احتياجات البلاد من الطاقة لخمسين عاماً مقبلة وأكثر، وبالطبع كانت لهذه التقديرات العلمية أثر كبير في دغدغة مشاعر البولنديين وطموحاتهم في التخلص من اعتمادهم المفرط على الغاز الروسي الذي يدفئهم خلال برد الخريف القارس وإن كان أيضاً يضعهم تحت رحمة أسيادهم القدامى الذين طالما سعوا للتحرر منهم والانعتاق من سيطرتهم. بيد أن استغلال الثروات الغازية التي تزخر بها أعماق الأرض يعني استخداماً مكثفاً للماء والاعتماد على تقنيات مثل حقن الصخور الغازية بمحلولات كيماوية فيما يعرف بالحفر المائي ما قد يكون له تبعات بيئية خطيرة، وهي مخاوف سبق لدول أخرى التعبير عنها ما دفعها في الكثير من الأحيان إلى وقف عمليات الحفر والتنقيب الأفقي عن الغاز مثلما حصل في فرنسا وبلغاريا وحتى ولاية "فيرمونت" الأميركية، وإنْ كان الأمر في بولندا يبدو مختلفاً بالنظر إلى التحمس الكبير لدى العلماء كما المسؤولين للانخراط في عملية التنقيب ورغبة المواطنين في تحقيق الاكتفاء الذاتي من استهلاك الطاقة الذي يرهنهم للروس. والأمر أيضاً يروق للشركات الدولية العاملة في مجال الطاقة التي سارعت إلى استثمار خبرتها في المواقع البولندية دون اهتمام كبير بالمحاذير البيئية، وهو ما يعبر عنه "جون بوجونهاجين"، من الشركة الأميركية "سان ليون" قائلاً "نحن نحتاج فقط إلى نجاح نحققه في بولندا حتى نتحول إلى شركة كبرى"، وقد بدأت بالفعل السلطات البولندية في منح امتيازات الاستغلال لشركات عالمية، حيث منحت حتى اليوم 14 رخصة تُغطي ما يقارب 400 ميل مربع، لكن حتى لو ثبت وجود غاز طبيعي في الصخور البولندية، وهو أمر لم يتأكد بعد، سيستغرق الوقت من بولندا سنوات طويلة قبل أن تنتقل إلى مرحلة الإنتاج التي تتيح لها تحقيق الاكتفاء الذاتي، فالاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي في بولندا يصل إلى 14.5 مليون متر مكعب في السنة يغطي الإنتاج المحلي منه 30 في المئة من إجمالي الاستهلاك فيما الباقي يتم استيراده من شركة "جازبروم" الروسية التي انخرطت مؤخراً في نزاعات مستمرة مع عملائها. ففي مطلع 2009، وفي عز الخريف أوقفت "جازبروم" إمداداتها من الغاز الطبيعي لأوكرانيا بسبب نزاع حول الأسعار ما أثر على دول أخرى تستفيد من الغاز الروسي الذي يمر عبر أنابيب النقل الأوكرانية، كما أن بولندا رصدت أكثر من مرة خفضاً في مستوى الإمدادات المتفق عليه مع الشركة الروسية وصل أحياناً إلى 7 في المئة بسبب ما يعتقد البعض حاجة روسيا نفسها للغاز لتدفئة شعبها خلال الخريف، هذا الواقع المتذبذب في إمدادات الغاز الروسي دفع البولنديين إلى التفكير جدياً في تطوير إنتاجهم من الغاز الصخري والاستفادة منه إلى أقصى الحدود علَّه يحررهم من التبعية للغاز الروسي. وفي هذا السياق يقول "ميشال جلوبوسكي" المسؤول بوزارة الخزينة البولندية "كل متر مكعب من الغاز الطبيعي لا نستورده من روسيا هو أمر جيد"؛ وعموماً تعتمد بولندا بشكل كبير على الفحم الحجري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وللاستفادة من تجارب الغير في مجال التنقيب عن الغاز الصخري أجرى المسؤولون البولنديون زيارات متعددة للولايات المتحدة للتعلم من النجاحات والإخفاقات، ولعلَّ ما يعقد الوضع أكثر بالنسبة للحالة البولندية العمق الكبير للغاز الصخري الذي تصل التقديرات بشأنه إلى ميلين ونصف الميل تحت سطح الأرض، وهو ما سيضاعف كلفة التنقيب عن الغاز الطبيعي ويجعله أكثر صعوبة من الناحية الهندسية. لكن ورغم تأييد فئات واسعة من الرأي العام لعملية التنقيب الخطيرة لرغبتهم التخلص من إمدادات الطاقة الروسية، تتعالى بعض الأصوات المحذرة من التنقيب، فقد عبر "ماريك كيردا" الناشط في المجال البيئي عن مخاوفه إزاء الوهم الذي ربما يدفع البلاد إلى الانزلاق نحو كارثة بيئية، فالتنقيب عن الغاز الطبيعي باستخدام طاقة المياه يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من السوائل السامة، ويترك وراءه كميات ضخمة من الركام الذي يتعين التخلص منه بطريقة ما. ففي الولايات المتحدة ربطت جهات فيدرالية بين عملية التنقيب وتلوث المياه، كما أن لجنة متخصصة في ولاية "نيوجيرسي" أقرت توصية بعدم السماح للركام الناتج عن التنقيب بدخول أرض الولاية، هذا بالإضافة إلى تحميل التنقيب عن الغاز مسؤولية التسبب في زلزالين صغيرين ضربا شمال غرب إنجلترا، علماً أن البلد لا يقع في منطقة زلازل، وهو ما دفع البريطانيين إلى المطالبة بتجميد عمليات الحفر. أما في بولندا، فرغم تأكيد دراسة أجراها معهد الجيولوجيا البولندي سلامة عملية التنقيب عن الغاز، يشكك الناشط "كيردا" في النتائج، مشيراً إلى التجاذبات السياسية التي تحيط بالمعهد وصعوبة التحقق من صدقية الدراسات التي يصدرها بهذا الخصوص، لا سيما وأن المعهد يتعرض لضغوط كبيرة لدعم توجه وارسو نحو الاستقلال من شركة "جازبروم" الروسية مهما كان الثمن. هنري تشو بولندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©