الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

خُلُق التواضع

خُلُق التواضع
2 فبراير 2017 22:23
الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد.. أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عياض- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»، (أخرجه مسلم). هذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار. إن التواضع صفة محمودة وخُلُق اجتماعي كريم دعا إليه الإسلام وجعله قرين الإيمان، وحثَّ عليه رسولنا- صلى الله عليه وسلم- لأنه يزرع المحبة وينشر المودة، كما جاء في الحديث السابق. ومن المعلوم أن ديننا الإسلامي الحنيف يقوم على التواضع، ويمقت التكبر، فالتواضع خُلق المسلم المؤمن، ويجب أن يكون لله عز وجل، أي تذللاً وانقياداً وخضوعاً لله سبحانه وتعالى، حيث يرفع الله سبحانه وتعالى قدر المتواضعين كما جاء في قوله- صلى الله عليه وسلم: «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَهِ إِلا رَفَعَهُ»، (أخرجه مسلم). وإذا تدبرنا أحوال النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام- رضي الله عنهم أجمعين- وجدناهم يضربون أروع الأمثلة في التواضع لله سبحانه وتعالى. تواضعه وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة فإننا نلمس التواضع في أمور حياته كافة- صلى الله عليه وسلم- فقد كان- عليه الصلاة والسلام- أبلغ المتواضعين تواضعاً، وبتواضعه هذا استطاع أن يملك قلوب الناس، فقد كان- عليه الصلاة والسلام- متواضعاً في كل شيء، يلبس من اللباس ما خشن، ويأكل من الطعام ما حضر، ويجالس الفقراء، ويُحب المساكين، ولا يُقابل أحداً بما يكره، وكان يخدم بيته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله. * يروي لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- موقفاً من تواضعه ورقة شمائله- صلى الله عليه وسلم- ترك أثراً في نفسه حتى أبكاه، يقول- رضي الله عنه- وهو يصف حاله عند دخوله على رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم: «... وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظاً مَصْبوراً، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَهِ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ»، (أخرجه البخاري). * كما يتجلى تواضعه- صلى الله عليه وسلم- في تعامله مع أهل بيته، فهو يعيش في بيته ومع أهله معيشة المتواضعين، كما جاء في الحديث عن هشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا سُئِلَتْ؛ مَا كَانَ رَسُولُ اللَهِ- صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَان يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ»، (أخرجه أحمد). تواضع أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وها نحن نرى أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- «حيث كانت له غنم تروح عليه، وربما خرج فيها بنفسه فرعاها، وربما كُفيها فَرُعِيَت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بُويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا منايح (أغنام) دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو ألاَّ يغيرني ما دخلت فيه عن خُلُقٍ كنت عليه، فكان يحلب لهنَّ»، (تهذيب تاريخ ابن عساكر (بتصرف)). عمر بن الخطاب ... وخولة بنت ثعلبة ذكرت كتب السيرة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خرج ذات ليلة من المسجد ومعه الجارود بن المعلَّى فرأى خولة في الطريق، فقال: السلام عليك يا أم عامر، فردَّت عليه السلام، ثم قالت: هيهات يا عمر! عهدتك وأنت تُسمَّى: «عُمَيْراً» في سوق عكاظ، ترعى الضأن بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سُميِّت: «عمر»، ثم أصبحت أمير المؤمنين، فاتَّقِ الله في الرعية. فقال لها الجارود: قد أكثرتِ أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال له عمر: دعها، أما تعرفها؟ هذه خولة، التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، وعمر أحقُّ، والله، أن يسمع لها، ولم يدعْها عمر- رضي الله عنه- حتى قضى حاجتها، ثم كانت هي التي انصرفت عنه. وقال عمر لمن معه: والله، لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها، إلا أن تحضر صلاة الفجر، فأصليها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها، رحم الله عمر الذي يتقبَّل النُّصح، ورحم الله خولة الناصحة، «المائة الأوائل من صحابيات الرسول- صلى الله عليه وسلم- ص 144». هكذا كان صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قمة في التواضع وهضم حظوظ النفس، مقتدين في ذلك بالنبي- صلى الله عليه وسلم- لذلك علينا أن نسير على هذا النهج القويم، ونتحلى بخلق التواضع والتآلف. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©