القمر هو أقرب جرم سماوي إلى الأرض، حيث يعتبر جسماً كروياً معتماً يضيء بعد سقوط أشعة الشمس عليه، ويصبح غير مضيء في نهاية كل شهر عربي، أما إذا خرج من ظل الأرض فإنه يضيء ويصبح بدراً، سماه الله آية الليل، فيه نفع لمن ضل عنه شيء في الظلام، وفيه معجزات، منظره جميل يكسر ظلمة الليل ويؤنس الإنسان ويطمئنه، ويفيده في معرفة الأوقات والأزمنة والشهور والسنين وصالح المعاش، ومعرفة أوقات نضج الزروع، وقد اثبت علماء الفلك أن ضوء القمر يساعد على نضج الثمار والنباتات.
دورته المنتظمة
ويعد القمر الجرم السماوي الوحيد الذي هبط عليه البشر بأقدامهم، وهو القمر الوحيد للكرة الأرضية وأكثر جسم لامع في السماء ليلاً، والأكثر لمعاناً بعد الشمس، وهذا على الرغم من أن سطحه معتم جداً، كان بروز القمر الشاهق في السماء المظلمة ليلاً، ودورته المنتظمة المراحل قد جعل له على مر العصور القديمة تأثيراً ثقافياً مهماً.
وجاء ذكر القمر في القرآن الكريم سبعاً وعشرين مرة في ست وعشرين آية لتكرار ذكره مرتين في الآية 37 من سورة فصلت، ولم يخلق الله سبحانه وتعالى أي خلق إلا وله مهام وواجبات يقوم بها فالمخلوقات الكونية مسخرة أي تستمر في العطاء بدون مقابل وإلى قيام الساعة ومن هذا جاء تسخير القمر كما قال تعالى: «وسخر الشمس والقمر»، «الرعد: الآية 2».
ضربات النيازك
ومن المهام الرئيسية التي يقوم بها قمرنا حراسة كوكب الأرض من ضربات النيازك الهائمة فعند سقوطها يجذبها إليه ليستقبلها نيابة عن الأرض، ثم تأتي المهمة الثانية وهي التأثير على المسطحات المائية فيسبب المد والجزر، وبالتالي يتم تطهير البحار والمحيطات والبحيرات من الركود والتعطن، كما أن هذه الظاهرة تسبب دخول الهواء إلى الماء فتعيش الأسماك التي تحتاج إلى الهواء.
كما أنه من خلال المد والجزر يحصل الإنسان على الطاقة الكهربائية وهي طاقة نظيفة تستفيد جميع المدن الواقعة على السواحل البحرية منها، ويستفيد منها الملاحون في الدخول والخروج من الموانئ، وكذلك صيادو الأسماك والمحار وغيرهم، وتطهر عملية المد والجزر الشواطئ من الفضلات والمخلفات.
ويعمل القمر كمكابح واتزان للأرض في الدورة السنوية حول الشمس، ويعتبر تقويماً معلقاً في السماء يمكن من خلاله تحديد اليوم والشهر والسنة القمرية وهو الإشارة الأولى التي تحدد بداية ونهاية الشهور العربية وأهمها رمضان وذو الحجة كما قال تعالى: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج...»، «البقرة: الآية 189».
ظلمة الليل
وقد شاءت إرادة الله وحكمته البالغة ألا تظلم سماء الأرض إظلاماً تاماً بمجرد غياب الشمس عن الأرض فأبقى القمر والنجوم تنير ظلمة الليل، فبمجرد غياب الشمس يصل ضوءها المنعكس من فوق سطح القمر نوراً لا حرارة فيه، في مراحله المتتالية، من الميلاد إلى المحاق، ونظراً لقربه من الأرض فإن أثره في إنارة ظلمة ليل الأرض أبلغ من أثر النجوم حتى وهو مغطى بأقل مساحة من النور.
ويتولى القمر الإنارة في الظلام الحالك، كما أنه زينة ليلاً، وبما أن ضوءه منعكس عن الشمس، فهو نور لطيف، وضوء خافت يبعث على الراحة والهدوء ليلا، يقول تعالى: «وجعل القمر فيهن نورا»، فجعل الله شعاع القمر نوراً، سخره وضبط حركته لما فيه صلاح الكون واستقامة الحياة على الأرض، قال تعالى: «وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة»، «الإسراء: الآية 12».
وفهم المفسرون واستنبط الصحابة الكرام منذ أربعة عشر قرناً أن القمر كان يشع نوراً ثم أذهب الله ضوءه وأزاله، وذلك من خلال تفسيرهم لهذه الآية، فقد روى ابن كثير في تفسيره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في تأويله للآية، كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو. ولوحظ أن القمر في دورته حول الأرض يتحرك في كل ليلة من ليالي الشهر القمري بين ثوابت من النجوم التي يسمى كل منها منزلاً من منازل القمر، وعددها 28 بعدد الليالي التي يرى فيها، قال تعالى: «والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم»، «يس: الآية 39»، والتعبير بمنازل القمر يشير إلى مواقعه اليومية المتتالية في السماء، من الهلال الوليد إلى التربيع الأول إلى الأحدب الأول إلى البدر ثم الأحدب الثاني، ثم الهلال، ثم المحاق إلى الهلال الوليد للشهر الجديد.
القدرة الإلهية
وفي هذه المنازل دلالة على طلاقة القدرة الإلهية لأهميتها في معرفة الزمن، وتقديره وحسابه باليوم والشهر والسنة، وفي التاريخ للعبادات والأحداث والمعاملات والحقوق، قال تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون)، «يونس: الآية 5».
يقول الإمام القرطبي، حتى يعود في آخر الشهر القمري، كما كان في أول الشهر كالعرجون القديم، أي يشبه في شكله ولونه عذق النخل اليابس المتقوس يشبه الهلال إذا انحنى.
وتعتمد بعض الحيوانات على ضوء القمر في التنقل، واكتشف العلماء أن الخنافس تستخدم نور القمر كبوصلة لتنقلاتها، والطيور تحدد اتجاهاتها بالقمر والنجوم.
عدد اليوم
