الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بهادور شاه.. وريث عرش الأباطرة يقود ثورة بالهند ضد الإنجليز في عمر الثمانين

بهادور شاه.. وريث عرش الأباطرة يقود ثورة بالهند ضد الإنجليز في عمر الثمانين
21 يوليو 2013 22:38
على النقيض من رغد العيش الذي عاش فيه أبو الظفر سراج الدين محمد بهادور شاه آخر سلاطين المغول بالهند منذ مولده عام 1777 م جاءت خاتمته عام 1862م، فهو الذي قاد ثورة ضد الإنجليز وهو في الثمانين من العمر، وقد تولى عرش أجداده الأباطرة وقد بلغ الستين، ولم يطمح إلى أكثر من راتبه من شركة الهند الشرقية مقابل عملها في أراضي مملكته. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - ولد محمد في شاه جيهان وتربى في بلاط والده السلطان محمد أكبر الثاني، ورغم الوهن الذي حل بالدولة المغولية الهندية جراء هجوم نادر شاه على دلهي عام 1740م، والاستيلاء على ثروات البلاط المغولي والعاصمة معا، ظل بلاط سلاطين دلهي يتمتع بروح الترف الشرقي، حتى مع توغل نفوذ وسطوة شركة الهند الشرقية في البلاد، لدرجة أن سراج الدين محمد نشأ شاعراً وأديباً، ينظم نظماً رائقاً باللغة الأوردية، وعارفاً بعدة لغات أخرى، أبرزها الفارسية والتركية. عرش الأباطرة وتولى عرش أجداده الأباطرة العظام وقد وهن العظم منه، وفات سن الحزم، فعندما صار سلطاناً للهند باسم بهادور شاه الثاني عام 1837م، كان الرجل في الستين من العمر، ولم يكن بوسع الشاعر الطاعن في السن، أن يطمح لأكثر من أن يتلقى راتبه من شركة الهند الشرقية، نظير السماح لها بالعمل في أراضي مملكته، وأن ينتهي من تشييد القصر الفخم الخاص بزوجته الجميلة زينة محل بيجوم، والتي كانت تقريباً في عمر أحفاده. ولكن الأمور سرعان ما تطورت عندما نجحت سياسة شركة الهند في اصطناع بعض النخب الهندية، ولا سيما من الجنوب، واجتذبت بشكل كبير عناصر تكنّ عداءً شديداً، لكل من المسلمين والهندوس، إذ قررت أن يكون بهادور شاه آخر سلطان من سلالة المغول يسمح له بالسكن في القلعة الحمراء، وأنذرته بأنها ستتحول لثكنة عسكرية بريطانية عقب وفاته، وأدى هذا التطور الذي ينذر بزوال الحكم الإسلامي للهند بعد قرابة 850 عاماً من هيمنة المسلمين على شبه القارة الهندية إلى إثارة المسلمين، الذين اجتمع الوجهاء منهم والعلماء، وقرروا العمل من أجل إعلان الجهاد المقدس ضد التسلط البريطاني، ونهب شركة الهند لثروات البلاد، واتجهت أنظارهم للسلطان العجوز، الذي لم يعد لديه ما يخسره، بعد إعلانه بقرار الشركة بتحويل القلعة من بعده لثكنة عسكرية. الزوجة الشابة ولما كانت لزوجته الشابة سطوة كبرى عليه فقد ساير وجهة نظرها العدائية ضد البريطانيين وتشككها فيمن يعمل بالبلاط لخدمة الشركة، حتى يقال إنها دبرت أمر اغتيال الطبيب الخاص للسلطان، بعدما اكتشفت عمله لصالح البريطانيين. وهكذا وجد بهادور شاه نفسه وقد تجاوز الثمانين خريفاً قائداً لتمرد، تنمو بوادره في أروقة البلاط وفي أوساط المسلمين، ولم يلبث أن تطور التمرد إلى ثورة هندية عارمة، يشارك فيها الهندوس والمسلمون على حد سواء، بعد أحداث ثكنة ميرت الواقعة على بعد 90 كم إلى الشمال من دلهي. محرمات فقد حدث تذمر من الجنود الهنود في تلك الثكنة بسبب استهزاء البريطانيين من عقائدهم الخاصة بإرغامهم على استخدام أسنانهم لفك مغلفات مواد تشحيم البنادق، وهي مزيج من دهن الأبقار المحرم ذبحها لدى الهندوس، ودهن الخنازير المحرمة عند المسلمين، وعندما فاض الكيل، أعلنت أول ثورة قومية هندية ضد الاستعمار البريطاني في 26 من رمضان عام 1274 هـ الموافق 11 مايو عام 1857م، وتوجهت الأنظار لبهادور شاه ليكون رمزاً لتلك الثورة، وانتفضت الدماء الملكية في عروق السلطان الطاعن بالسن، الذي حث الجنود وجموع الشعب الغاضب على عدم الاعتداء على المدنيين البريطانيين وقصر العمليات على العسكريين الأجانب وحسب. وحاول بهادور أن ينظم الثورة التي لم تكن لها قيادة ميدانية واضحة بلا جدوى، فانفلتت الأمور، ولم تفلح الثورة بسبب تطور أسلحة البريطانيين وعشوائية الثوار والأعمال العدائية التي قام بها معتنقو إحدى الطوائف لمساندة القوات البريطانية. ثورة الهند وبعد أقل من أربعة أشهر عاشتها ثورة الهند قضى البريطانيون بكل قسوة على الثورة في 28 من المحرم 1274 هـ الموافق 19 سبتمبر عام 1857 م وتم القبض على السلطان سيئ الحظ وأهل بيته واقتيد هو وأسرته في الأغلال وسط الطريق وفي أثناء ذلك قام أحد الضباط الإنجليز بإطلاق الرصاص على أبناء الملك وأحفاده فقتل ثلاثة منهم وقام جنوده بقطع رؤوسهم. لم تكن تلك القسوة والهمجية هي أبشع ما عاينه السلطان وهو في القيد، إذ عاجله البريطانيون بواقعة غير مسبوقة في بربريتها، فعند تقديم وجبة الغداء للسلطان الأسير، قدمت له صينية طعام مغطاة وما إن كشفها، حتى وجد الرؤوس الثلاثة عليها مضرجة بالدماء، ولكن بهادور شاه أظهر رباطة جأش تليق بحفيد تيمور لنك وبابر محمد عندما خاطب الحضور، الذين كانوا يتوقعون انهياره باللغة الأوردية، هكذا تكون وجوه أولاد ملوك الترك محمرة عندما يحضرون عند الملوك، وهي كناية تركية عن الشجاعة والانتصار في المعارك. وشرعت السلطات البريطانية في إجراء محاكمة صورية للسلطان، انتهت بإصدار حكم الإعدام على آخر سلاطين دلهي وخفف الحكم لاحقاً بعقوبة النفي إلى رانجون في بورما الاسم القديم لميانمار، حيث نفي إليها برفقة زوجته زينت محل واثنين فقط من أبنائه في أكتوبر عام 1858 م وعاش السلطان عيشة بائسة في حجرة صغيرة لا تحتوي إلا سريراً واحداً وإلى جانبها حجرة أخرى بها زوجته. وحسب المصادر التاريخية ظل بهادور شاه رابط الجأش يجلس في كل يوم على سريره في سكون المتأمل معانيا فقط من حرمانه بقسوة من الأقلام والأوراق لمنعه من كتابة الشعر إلى أن وافته المنية وهو في الأسر بعيداً عن وطنه في عصر يوم 14 جمادى الأولى عام 1279 هـ الموافق 7 نوفمبر 1862م، وقد بلغ من العمر 89 عاماً، وتفرق بعض أولاده في رانجون، بينما دفنت زوجته إلى جواره بعد وفاتها في 17 يوليو 1886م. ملامح السلطان والصور المعروفة لبهادور شاه سواء تلك التي رسمها مصورون من الهنود تبعاً لأسلوب مدرسة التصوير المغولية أو رسامون من البريطانيين، تظهر ذات الملامح لرجل طاعن في السن أشيب الشارب واللحية لا تخلو عيناه من بريق الشاعر ونظرة الترفع الهادئ وقد وضع على رأسه تاج الملك الذهبي وهو يجلس على عرشه وسط مظاهر الأبهة الملوكية وهو التاج الذي استولت عليه شركة الهند الشرقية ونقلته لبريطانيا، وبينما نرى سمات الوقار والسكينة الملوكية ظاهرة في الصور الهندية التي رسمت للسلطان وهو في الحكم نجد في الرسوم البريطانية علامات وهن الشيخوخة بادية للعيان ولا سيما في الصورة التي رسمها هوارد هودكين والمحفوظة بمتحف الأشمولين في جامعة أوكسفورد ثم في صورة فوتوغرافية نادرة له وهو على فراش الموت. ورغم تلك النهاية التعيسة ظل السلطان الأخير في قبره محاصراً من قبل سلطات الاحتلال البريطاني في بورما لأكثر من 80 عاماً إلى أن نجحت جهود مسلمي بورما في إقامة قبر بسيط لرفاته عند شجرة السنديان في رانجون عام 1946 م. أبيات من شعر المنفى كتب بهادور شاه بعض أبيات من الشعر وهو في منفاه تدل على تأملاته في مصيره وهي باللغة الأوردية وترجمتها: «يا رسول الله... ما كانت لي أمنية إلا أن يكون بيتي في المدينة بجوارك ولكنه أصبح في رانجون وبقيت أمنياتي مدفونة في صدري يا رسول الله... كانت أمنيتي أن أمرغ عيني في تراب أعتابك ولكن ها أنا ذا أتمرغ في تراب رانجون وبدلاً من أن أشرب من ماء زمزم بقيت هنا أشرب الدموع الدامية... فهل تنجدني يا رسول الله.. ولم يبق من حياتي إلا عدة أيام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©