الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كيري» وإعادة إطلاق المفاوضات

21 يوليو 2013 22:58
حسين إيبيش باحث بارز في «فريق العمل الأميركي حول فلسطين» مع أنها كانت مهمة صعبة، لكن يبدو أن الجهود التي بذلها وزير الخارجية، جون كيري، لإحياء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدأت تؤتي أكلها، إذ من الواضح أن المفاوضات على وشك الانطلاق مجدداً. وعلى رغم السرية التي ما زالت تغلف تفاصيل الصيغة التي ستجري بها المباحثات، إلا أنه، ومهما كانت الأنباء التي سترشح لاحقاً، من المرجح أن يكون الأمر في البداية على الأقل «مفاوضات من أجل المفاوضات»، مع العلم أن أي اختراق فعلي تحققه المفاوضات ليس وارداً، وإن كان مجرد انطلاق المفاوضات يعد في حد ذاته إنجازاً لا يمكن إنكاره. فقد انخرط وزير الخارجية الأميركي في جهد دؤوب لإعادة إطلاق المفاوضات المتعثرة، وهو بالفعل ما تمكن من تحقيقه، على ما يبدو، بعد حصوله على تعهدات من الطرفين بعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها نسف العملية السلمية، كما حصل على التزام من الفلسطينيين بالتخلي عن أي مساعٍ للانضمام إلى المنظمات الدولية، وبخاصة محكمة الجنايات الدولية، فيما أعطت إسرائيل من جانبها ضمانات شخصية بأنها ستؤجل بناء مستوطنات جديدة في المناطق الاستراتيجية من الضفة الغربية. وأخيراً تمكن كيري من تأمين تعاون الجامعة العربية التي أوضحت أنها لا تستبعد إمكانية تبادل الأراضي ضمن حل نهائي، وأن مبادرة السلام العربية ليست إملاءات جامدة كما يعتقد الإسرائيليون. والحقيقة أن كيري التزم الصمت والسرية ولم يطلع إلا قلة قليلة على فحوى اتفاق استئناف المفاوضات سواء في الإدارة الأميركية نفسها، أو واشنطن، وإن كان وفد الجامعة العربية الذي اجتمع به يوم الأربعاء الماضي قد يكون أكثر اطلاعاً على بعض التفاصيل من غيره. وإلى حد الآن يبدو الدبلوماسيون الذين حضروا اللقاء متفائلين، حيث أكدوا بعد مباحثاتهم مع كيري أن مقترحات وزير الخارجية «تمهد الطريق لبدء المفاوضات»، ولابد من حصول محمود عباس على مباركة الجامعة العربية لاستئناف المفاوضات لما توفره له من غطاء سياسي، وإن كانت موافقة الجامعة العربية تأتي في الغالب استجابة لرغبة الفلسطينيين أنفسهم في التحرك. واللافت في بيان الجامعة العربية الإشارة إلى «عناصر سياسية وأمنية جديدة ومهمة» في مبادرة كيري، فمنذ شهر مارس الماضي ووزير الخارجية الأميركي يناقش حزمة استثمارات تصل قيمتها إلى أربعة مليارات دولار تضخ في الاقتصاد الفلسطيني، هذا بالإضافة إلى عناصر إضافية تمت الإشارة إليها في بيان الجامعة العربية، ولكنها لم تُعلن بعد أمام الملأ. إلا أن النجـاح فــي إطـلاق المفاوضــات.. لا يرجع إلى أمل كبير معقود عليها، بل بالعكس تماماً، إذ في أجواء تنحسر فيها حظوظ التوصل إلى اختراق حقيقي يحاول الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني ما أمكنهما، ولاسيما فيما يتعلق بعلاقتهما مع الولايات المتحدة، ألا يظهر أي منهما نفسه على أنه هو الطرف المعرقل للمفاوضات. ففي آخر مرة ألقى أوباما بثقله في عملية السلام استغل نتنياهو سوء تقدير الإدارة الأميركية والفلسطينيين بشأن المستوطنات لتصوير الطرف الفلسطيني على أنه هو الرافض للتعاون، ولا يعني هذا أيضاً أن إسرائيل لم تتلقَ قسطها من الانتقادات بعدما ظهرت كطرف يستخدم ورقة المستوطنات للتلاعب. ولكن لا عباس ولا أوباما يريدان تكرار الجولة السابقة من الدبلوماسية التي انتهت إلى الفشل. وعلى رغم نجاح كيري فما زالت هناك عقبات أمام استئناف المفاوضات، فبعض قادة «فتح» يقاومون الدخول في المفاوضات، مصرِّين على أن توافق إسرائيل أولاً على حدود 1967 مع تبادل للأراضي والقبول بتجميد المستوطنات، هذا في الوقت الذي ينفي فيه مكتب نتنياهو أي تقارير تتحدث عن موافقته على الانطلاق من حدود 1967 كأساس للمفاوضات، ولكن على رغم هذه الصعوبات الداخلية سيؤدي حرص الطرفين على عدم الظهور بمظهر المعرقل إلى انطلاق المفاوضات قريباً. وتضاف إلى ذلك المحفزات والضغوط التي تمارس على إسرائيل، فإلى جانب المكافأة التي لا شك أنها ستحصل عليها من الولايات المتحدة يتعين على إسرائيل أيضاً التعامل مع الضغط الأوروبي إذا لم تبد جدية في مناقشة إنهاء الاحتلال، فقد فاجأ الاتحاد الأوروبي إسرائيل بمنع الهيئات التابعة له من تمويل، أو التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية التي تعمل في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. واللافت أن أميركا سكتت عن هذه الخطوة الأوروبية، رافضة انتقادها. وبالنسبة للفلسطينيين تمثل الزيادة في الاستثمارات الأميركية أمراً جيداً في جميع الأحوال، ولكن قبل ذلك يجب ترتيب البيت السياسي الفلسطيني من خلال استكمال الجهود التي بدأها رئيس الوزراء السابق، سلام فياض، في مجالات بناء المؤسسات وتكريس الحكامة الجيدة وانتهاج سياسة الشفافية ومكافحة الفساد. ومثل هذه الخطوات ستضمن أن الدولة الفلسطينية ستكون قادرة على الاستمرار والبقاء، ولاسيما في ظل مناخ «الربيع العربي»، والأهم من ذلك أنها ستوفر زخماً، أو على الأقل بعض الاستقرار، في حال تعطلت المفاوضات، أو فشلت، هذا ناهيك عن أهمية السياسات الإصلاحية في ذاتها لتطوير المجتمع الفلسطيني. وعلى الولايات المتحدة أن تأخذ مسألة الإصلاح الداخلي الفلسطيني على محمل الجد، إذ من الضروري أن ترتبط أي مشاريع استثمارية كبرى بمستويات معقولة من الشفافية والمحاسبة، وتضاف إلى ذلك ضرورة تعاطي الولايات المتحدة مع المجتمع المدني الفلسطيني وعدم الاقتصار على الدوائر الرسمية، إذ من المهم تأمين الموافقة الشعبية على انطلاق المفاوضات وعدم الاكتفاء بالحديث إلى النخب الحاكمة، ولاسيما أن فئات واسعة من الفلسطينيين فقدت الثقة في بعض المؤسسات السياسية القائمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©