الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسلمات وتناقضات وخلاصات في موضوع قديم

مسلمات وتناقضات وخلاصات في موضوع قديم
20 أكتوبر 2010 19:52
“الاستشراق والدراسات الإسلامية لدى الغربيين”، دراسة جديدة حول موضوع قديم هو الاستشراق، تتميز بأن مؤلفها محمد حسن زماني باحث إيراني، تخصص في الدراسات الاستشراقية حول القرآن الكريم، وعمل مساعداً لأمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب في طهران، وهو الآن المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية بالقاهرة، ومن ثم فدراسته ورؤيته للاستشراق تمثل وجهة نظر إيرانية وهي عموما لا تختلف كثيرا عن الرؤية العربية، وتحمل الدراسة بعض الخصائص الإيرانية، مثل قوله إن إذلال الغرب للعالم وهيمنته ونفوذه وكذلك دور الولايات المتحدة توقف بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وبرغم أهمية هذه الثورة، فإن نفوذ الغرب والولايات المتحدة لم يتوقف، بل إنه ازداد واتسع خاصة بعد عام 1990 حين سقط الاتحاد السوفييتي، ذلك أن سقوط المعسكر الشيوعي أدى الى انتهاء الحرب الباردة، وصارت الولايات المتحدة ومن ثم الغرب، بلا منافس. ويكشف الكتاب عن إطلاع المؤلف على الدراسات العربية والإسلامية حول الاستشراق والمستشرقين خاصة في مصر وفي المملكة العربية السعودية والواضح أنه على صلة كبيرة بالمتخصصين في هذا المجال بالبلدين، ويجب أن نعترف بأن كل الدراسات العربية والإسلامية حول الاستشراق والمستشرقين مازالت محدودة كماً وكيفاً طبقاً لأدوار سعيد، فإن الكتب التي ألفها المستشرقون عن الإسلام والمسلمين منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين بلغت 60 ألف كتاب، أما المقالات التي نشرت في مجلات متخصصة فبلغت 75 ألف مقال بين عامي 1906 و1991 فضلا عن ثلاثمئة مجلة استشراقية حول العالم، وهناك خمسمئة مجلة أخرى يعد الاستشراق جزءاً مهماً منها. مدارس ويطالب الباحث بألا نضع الاستشراق والمستشرقين في كفة واحدة، فلا ينبغي أن ننظر اليهم بمنظار واحد ولا نلقي تبعة ما يقوم به فريق أو نفر منهم على الآخرين كافة، كما يطالبنا بألا ننظر بانبهار وسذاجة الى أعمال بعض المستشرقين المنصفين، الذين قدموا أعمالا إيجابية عن الإسلام دون الانتباه الى سلبياتها، وقد انتهى الى تقسيم المستشرقين الى ثلاث مجموعات أو مدارس، تتباين فيما بينها، ولكل منها مجال عمل أو منطقة تخصص. الأولى: مدرسة الاستشراق المسيحي التبشيري، ومعظم دارسيها كانوا من القساوسة وانتقلوا الى الدراسات الإسلامية بعد أن أنهوا مرحلة التعليم الديني الكنسي، وهؤلاء هم رواد الدراسات الإسلامية والقرآنية تحديداً بين المستشرقين عموماً. الثانية: مدرسة الاستشراق السياسي الاستعماري وهؤلاء كانوا من المستشرقين الموظفين في وزارات الخارجية بالدول الاستعمارية وجواسيس رسميين وخبراء مقيمين في السفارات الغربية بالدول الشرقية، أو على الأقل يعملون في مراكز أبحاث بالغرب تتحرك طبقاً لتوجهات وأهواء حكوماتهم، ومعظم الهجمات العسكرية والاقتصادية والثقافية الغربية ضد الدول الإسلامية كان متوقفاً على خبرات وتصرفات هؤلاء المستشرقين، ومن أخطر ما قامت به هذه المدرسة الترويج لمبدأ التخلف الفكري والحضاري الذاتي لدى المسلمين والشرقيين ومن ثم حاجتهم الدائمة الى الوصاية عليهم ووجود الغربيين وسلطتهم بينهم. وهو يرى أن هؤلاء المستشرقين مازالوا يمارسون هذه المؤامرة حتى اليوم بأدوات وآليات مختلفة. ويعتبر محمد حسن زماني هذه المدرسة امتدادا لما يسميه مدرسة الصراع بين الشرق والغرب منذ ما قبل الإسلام حين كان الصراع قائماً بين الدولة الرومانية والدولة الإيرانية، زمن الاسكندر الأكبر ومن ثم فالصراع هنا ليس إسلامياً مسيحياً بل هو شرقي غربي وهو قديم جدا، ونلاحظ أن المؤلف لم يستعمل كلمة “الدولة الفارسية” حيث كان اسمها كذلك وقتها، بل فضل تعبير “الدولة الإيرانية”. والمدرسة الثالثة ويسميها الاستشراق العلمي وتضم الباحثين عن الحقيقة وهؤلاء قاموا في القرون الثلاثة الأخيرة ببحوث جيدة حول القرآن الكريم والإسلام عموماً، وقد توصلوا الى ما يضمه الإسلام من عدالة وإنسانية وما قدمه المسلمون للحضارة من علوم ومعارف جيدة، ولذا فقد انتهى الأمر بعدد من هؤلاء المستشرقين الى اعتناق الإسلام ووضع كتب تشيد بالنبي محمد (ص) وعظماء الإسلام في مختلف المجالات ودراسات هؤلاء المستشرقين عرفت في العالم الإسلامي وتمت الاستفادة منها وبها في الجامعات الإسلامية والحوزات العلمية. اتهامات ورغم الجهد الهائل الذي بذله المؤلف فقد وقع في أكثر من تناقض، إذ يرى أن هناك مدرسة استشراقية اهتمت بتقديم الحقيقة عن الإسلام لكنه في أكثر من موضع يقطع بأن الاستشراق كله كان سلبياً وأن التأثر بآراء المستشرقين أو بعضها يعد خطرا على الثقافة الإسلامية. ثم يعود كي يشيد ببعض دوائر المعارف والمعاجم الإسلامية التي وضعها المستشرقون ويقول إنها سدت خواء معرفياً لدى المسلمين، مثل الفهرس الوضوعي لأحاديث النبي وفهرس الآيات القرآنية الكريمة وتحقيقهم لعدد من النصوص وأعمال بعض من مفكري الإسلام. وفي عدد من صفحات الكتاب خاصة المقدمة نشعر أن المؤلف تأثر بآراء بعض السلفيين العرب، إذ يحدثنا عن لقاء جمعه في مكة المكرمة بالباحث محمد قطب ـ شقيق سيد قطب ـ وينقل عن قطب قوله في ذلك اللقاء إن بعض الكّتاب والمفكرين المسلمين يرددون آراء المستشرقين وينقلها عنهم الشباب ثقة واطمئنانا. ثم يضع في هذه القائمة مفكرين كبار مثل د. طه حسين وأحمد أمين وكان الأجدى به أن يتريث في إطلاق مثل هذه الأحكام أو يقدم أدلة عليها تبرهن على صحتها والغريب انه يضع الحديث عن طه حسين واحمد امين عقب حديثه مباشرة عن سلمان رشدي وكتاب “الآيات الشيطانية”. فكيف لضمير علمي أن يضع “الآيات الشيطانية” الى جوار “فجر الاسلام” و”الوعد الحق”؟! يبدو موقف المؤلف متناقضا كذلك بالنسبة لادوارد سعيد صاحب كتاب “الاستشراق”، الذي صدر عام 1978، فهو يتحدث عنه في مقدمة الكتاب باعتباره مستشرقاً مسيحياًَ معاصراً ثم يتحدث عنه في سياق آخر باعتباره استاذا فلسطينيا دافع عن الإسلام، والكتاب، الذي بين أيدينا، فيه أشياء أخرى من هذا القبيل، وكان الأمر يقتضي من المترجم أن يقوم بتعليقات على تلك النصوص. رغم ان المترجم وهو استاذ متميز للغة الفارسية بجامعة الازهر، ذكر انه حذف بعض العبارات من النص الأصلي وغير بعض العناوين بناء على اتفاق وتفاهم مع المؤلف وهذا يعني ان المؤلف والمترجم ادرك كلا منهما أن بعض جوانب النص بحاجة الى تعديل واعادة نظر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©