الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقيدة الحرب.. حجر وورقة ومقص

عقيدة الحرب.. حجر وورقة ومقص
20 أكتوبر 2010 19:53
يعرض كتاب “النضال حول سجيّة الحرب/ من كلاوزفيتس إلى سيبيو الأفريكانوس وأنور السادات وحتى العدو النظامي والمتكيف لحرب ضد طفرة الشؤون العسكرية” للمؤلف رون تيرا، ترجمة ثروت محمد حسن حسنين المقسّم إلى سبعة فصول وخاتمة، مسائل مثل فهم الآخر الذي يضرب بجميع قرارات الشرعية الدولية عرض الحائط ويفعل ما يحلو له دون رقيب أو حسيب، ونمط تفكيره وما يدور في مخيلته خاصة في المجالات العسكرية حيث يبدو هو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.. والجهد المبذول في الكتاب يقصد إطلاع صانعي القرارات والقادة العسكريين والقارئ في العالمين العربي والإسلامي على الأساليب الحربية والقتالية التي تنتهجها إسرائيل في حروبها، خاصة وأن مؤلف الكتاب استعان بقادة عسكريين سابقين وحاليين في إعداده، كما أن المركز الذي أصدره مقرب جداً من دوائر صانعي القرارات، ومؤلفه متخصص وخبير في الشؤون العسكرية. تعرّض الفصل الأول لعقيدة كلاوزفيتس والعقيدة الأمريكية الحربية. فعقيدة كلاوزفيتس عرفت الحرب بأنها طريق أليم لتحقيق أهداف سياسية، وزعم كلاوزفيتس أن مركز الثقل هو المكان الذي يثير العدو وهو المكتظ بالسكان. ومفهوم مركز الثقل هو وسيلة تحليلية تهدف إلى المساعدة في تحليل بؤر القوة والتراخي للعدو والتي يجب أن يتوجه إليها قالب المعركة والعمليات الكبرى. مفاهيم الحسم أما العقيدة الأميركية فقد عرفت نقطة الحسم في الحرب بالمكان والحدث والعامل أو المهمة التي تمكن من تحقيق أفضلية وتفوق جوهري، أو التي تسهم في تنفيذ الأهداف، إضافة إلى محور العملية. أما التعريف الإسرائيلي للحسم فهو سلب الغريم قدرته القتالية خلال الحرب وفي ميدان القتال وبوسائل عسكرية تكون إمكانية الإفاقة منها ضئيلة جداً في إطار نفس الحرب، إضافة إلى تعريفات متعددة أخرى. ويؤكد الكاتب أن مصطلح الحسم يظهر كمصطلح أساسي في عقيدة دول أكثر صغراً كإسرائيل، حتى إنها حولت الحسم لمبدأ أساسي في عقيدتها العسكرية. ثم انتقل الكاتب للحديث عن العقيدة الأميركية والتكوين الإسرائيلي، وأكد أن العقيدة الأميركية لا تتناسب مع الظروف الإسرائيلية، ويرجع ذلك إلى بضعة أسباب منها أنه على عكس الولايات المتحدة في كوسوفو، لا يمكن لإسرائيل التنازل عن المساس بقدرة جيش العدو كي لا يتحرك ضدها بشجاعة. وفي الفصلين الثاني والثالث حلل المؤلف نماذج حربية لتجسيد الحروب البسيطة التي نفذت فيها، بقدر كبير، الخطوط العريضة للعقيدة الكلاسيكية (عقيدة كلاوزفيتس). وهذه الحروب البسيطة تتميز بكونها متوازية لحد بعيد، يريد كل طرف من أطرافها مهاجمة مركز الثقل العسكري الفعّال لعدوه. واستشهد المؤلف بحرب الأيام الستة 1967 قائلاً إن المعركة جرت من أجل غاية عسكرية واضحة ومباشرة وهي التدمير الشامل للعدو، والإضرار بقدرة عمل منظوماته الميدانية. وأشار إلى أن مصر لم تحاول هزيمة منطق جيش الدفاع الإسرائيلي ولم تحاول قولبة حرب تواجه فيها تفوق جيش الدفاع، بل تطوعت ووضعت أمام جيش الدفاع الإسرائيلي مركز ثقل ضخم بمشاركة عالية. فمصر لعبت الدور الذي رسم لها من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. أما بخصوص حرب 1973، فيعتبر أن مصر تمكنت من هزيمة قالب الجيش الإسرائيلي وسرد الكاتب نتائج الحرب على جميع الأصعدة: الأهداف السياسية، الإستراتيجية الشاملة، الإستراتيجية العسكرية، الصعيد الحربي، الصعيد التكتيكي، والصعيد الفني. أما بشأن حرب الاستنزاف فتساءل الكاتب عما إذا كانت إسرائيل قد حسمت الحرب فعلاً؟ وتحدث عن نمط العمليات العسكرية لمصر وإسرائيل، قائلاً إن مصر اعتمدت على فرضيتين: الأولى أن إسرائيل لن تصعّد حرب الاستنزاف إلى حرب شاملة، ولن تجتاز قناة السويس من أجل تحقيق الحسم على الجيش المصري. الثانية، إن إسرائيل غير مؤهلة لمضاهاة مصر بنفس الصورة. وتحدث الكاتب عن المنتصر في حرب 1956، وقال إن الهدف الأساسي والمشترك لفرنسا وبريطانيا وإسرائيل كان إسقاط نظام عبد الناصر وتغييره بنظام ليس محارباً بل موالياً للغرب. كما أن فرنسا وبريطانيا رغبتا أيضاً في تأمين مصالحهما الوطنية في قناة السويس، بينما إسرائيل أرادت وقف النشاطات الإرهابية للفدائيين، ومنع زعزعة توازن القوى الإقليمية نتيجة لصفقة الأسلحة المصرية ـ التشيكية، وتقوية قوة الردع. في الفصل الرابع تحدث الكاتب عن حرب غير متوازية أمام غريم ليس بدولة عصابات وعرض لحربين: حرب لبنان الأولى، وقال إن المناورة تحقق حسما عسكريا واستراتيجيا. كما تحدث عن كيفية تصدي “حزب الله” لجيش نظامي كإسرائيل، وهجوم “التيت” رأس السنة الفيتنامية ونجاح أميركا تكتيكياً ونجاح فيتنام استراتيجياً، مشيراً إلى أن مصطلحات حرب العصابات لا تتناسب بصورة عامة والعقيدة العسكرية الكلاسيكية. ففي الحالات التي تنتصر فيها حرب العصابات أي تحقق أهدافها السياسية، لا يأتي انتصارها نتيجة تحقيق حسم عسكري ولكن بفعل شبكة ترابط واسعة، وبصورة عامة من خلال استنزاف رغبة القتال المدنية السياسية للطرف المتمثل في دولة الطرف النظامي. فالعصابات تخفي مراكز الثقل العسكرية المدنية الخاصة بها، وتمتنع بشكل عام عن خوض قتال واسع النطاق. فمن أجل تنفيذ أهدافها، لا تحتاج العصابات لحفاظ على الفعاليات العسكرية ويكفيها الحفاظ على قدرة مقاومة دائمة تستنزف بالتدريج الوعي السياسي الشعبي للعدو. في الفصل الخامس تعرّض الكاتب للحرب المتوازية مستشهداً بعدة حروب منها الحرب البونية الثانية وكيف استطاع سكيبيو الأفريكانوس زعزعة وتقويض العقيدة العسكرية لحنيبال، من خلال التهديد المباشر لقرطاج وإجبار حنيبال على الانسحاب من إيطاليا والتوجه إلى الدفاع عن عاصمته. حرب لبنان حرب لبنان الثانية كانت محور الفصل السادس حيث اعتبر الكاتب أن قالب الحرب التي خاضها “حزب الله” تمثل في مهاجمة قدرة الصمود للمنظومة السياسية المدنية الإسرائيلية بطريقين بديلين: طريق مباشر بنيران قذائف، وطريق غير مباشر تشغيل قوة العصابات ضد جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان. فقد سمحت مخططات “حزب الله” لإسرائيل ظاهرياً، فقط باختيار أي جوف هش لها يجب الكشف عنه وقد أوضح الكاتب أن اسرائيل عملت وفقاً لقالب “حزب الله” خاصة لدى تمركزها لحرب متوازية تبادلت فيها ضربات نيرانية لفترة زمنية محددة اختبرت خلالها قدرة الصمود لدى الطرفين. كما عملت إسرائيل وفقاً للنمط الأمريكي من أجل وقف الاستنزاف عن طريق الامتناع عن التنافسات البرية في ميدان القتال التكتيكي، دون أن تدرك أنه وفقاً للظروف الاستراتيجية الإسرائيلية ما زال العدو يمتلك قدرة تكتيكية تمكنه من تحقيق هجوم استراتيجي متبادل. وقال المؤلف إن قدرة “حزب الله” على الاستمرار ومهاجمة قدرة الصمود الإسرائيلية عن طريق المقاومة الثابتة، إلى جانب إخفاء مراكز ثقل أساسية، تعتبر القاعدة التي اعتمد عليها “حزب الله” لتحقيق انتصار عن طريق عدم الخسارة. وأكد المؤلف أن إسرائيل لم تر في الحرب أكثر من مجرد قائمة أهداف لمهاجمتها بنيران مضادة. فالفشل ليس فقط في فقدان فعاليات النيران المضادة في ظروف الحرب، بل في حقيقة رؤية الحرب كقائمة أهداف يتعين ضربها. كما أن إسرائيل لم تحدد أي موضوعات ترغب في وضعها للاختبار أثناء الحرب، وأي محور تشغيل للقوة سيوجه الحرب نحو تلك الموضوعات. اما الفصل السابع فقد خصصه المؤلف عن الحرب المستقبلية، وهي حرب متوازية ضد عدو نظامي قادر على التكيف مع أوضاع مختلفة وفي الوقت نفسه يتبنى قالب حرب العصابات. واعتبر أن تبني عبر حربي الخليج لرسم نموذج لحرب مستقبلية ضد جيش نظامي قد يكون فرضية خاطئة، فالجيش العراقي لم يتكيف بما فيه الكفاية لمواجهة القدرات الأميركية، ولم يعرض قالب حرب بديل لمهاجمة قالب الحرب الأميركي. ومن جهة أخرى فإن قدرة المواجهة العالية والناجحة لحزب الله أمام جيش الدفاع الإسرائيلي عام 2006 من شأنها دفع جيوش نظامية لتبني قالب حرب العصابات. وفرق الكاتب بين المناورة التي وصفها بأنها وسيلة أساسية من وسائل حرب الحسم وتقود لتعجيل وتعظيم اختبار الفعاليات العسكرية للأطراف المتحاربة، وبين المناورة السريعة تجاه مركز ثقل استراتيجي بهدف سلب العدو قدرته على مواصلة الاستنزاف لمدة طويلة، وبين المناورة الصحيحة التي تفرض على العدو رداً من شأنه زعزعة قالب حرب العصابات لصالحه. وفي الختام شبه المؤلف الحرب بلعبة الأطفال التي يطلق عليها حجر وورقة ومقص. فعندما نستخدم خاصية الحجر، يستخدم العدو خاصية الورق، وعندئذ نحن مضطرون لاستخدام خاصية المقص، فيكون رد العدو باستخدام الحجر. فمن أساليب المترجم الفاعلة والممتدة على طول صفحات الكتاب، إيراده للتفاصيل الدقيقة... وكأنه يلقمنا ما في صدره من دقائق الأمور، ليطمئن على استيعابنا ما يريد، كما تلقم الأم طفلها الطعام الشهي، لتبعث في جسمه النماء... إنها عنايته ورعايته للتواصل مع المتلقي، وطريقته في الإيضاح والإفهام...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©