السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحبر يفضح أسرار اللغة

الحبر يفضح أسرار اللغة
20 أكتوبر 2010 19:54
شهدت دبي في الشهور الأخيرة عددا من الأنشطة، المتعلقة بفن الخط العربي، على نحو غير مسبوق، سواء على مستوى المعارض أو الندوات، فمن نسخ القرآن الكريم خلال شهر رمضان، إلى معرض لفن التسويد بعنوان “المشق”، وصولا إلى معرض “نزهة العيون”، وجدنا أنفسنا وسط أجواء فنية حقيقية، لكنها في الآن نفسه ترتبط بالهوية العربية الإسلامية وأبرز عناصرها المتمثل في فن الخط أولا، والمتجسد في مقولات ومأثورات من القرآن والسنة ومن الشعر العربي والحكم والأمثال المعروفة، وهذه كلها عناصر من مكونات هويتنا العربية. عمر شبانة إذا كنا قد توقفنا من قبل عند نسخ القرآن في ندوة الثقافة والعلوم في دبي، فإن وقفتنا اليوم هي أمام معرض من أهم معارض فن الخط العربي، هو”المشق”، لما اشتمل عليه من خصوصية في العناصر التي اشتمل عليها، وما شكله من جديد على الساحة الفنية الإماراتية بصورة عامة، هذه الساحة التي تشهد اهتماما وعناية غير مسبوقين. نحن أمام معرض يبرز المساحة الواسعة التي يتحرك فيها هذا الفن العظيم، والاختلاف الكبير بين أصنافه وعناصره وتنويعاته. المشق والتسويد في معرض “المشق” عدد كبير من الأعمال الفنية لأربعة عشر من الفنانين العرب والأجانب. ولكن ما هو فن “المشق”؟ إنه لغةً من الفعل مَشَق، فنقول مشق الخط يمشقه مشقا: أي مد حروفه وأسرع فيها، وقلم مشّاق: أي سريع الجري في القرطاس، والمشق نموذج للخط الجيد يحاكيه المتعلم لتحسين خطه. ومن أساسيات المشق أن يبدأ التلميذ في تعلم الحروف المفردات، حيث الحرف جذر مبدئي وأساسي، وبإطراد تمارينه يدخل مرحلة كتابة السطور وبناء التراكيب، وتعزى أهمية كتابة الحروف المفردات إلى أن التلميذ يتعرف بها إلى تشريح الحروف وأوجه الشبه بين أجزائها واستخلاص سماتها الأولية، وأسماء مكوناتها، مثل عين الحرف وترويسة الحرف ووجه الهر وعين الحوت. ويرتبط فن المشق بفن آخر هو فن “التسويد”، الذي يرتبط بدوره بالمسودات التي تعني الكتابة الأولى، وفي شأن التسويدات فهي مشاهد رمزية ثقافية، وما وصلنا منها ما هو إلا محركات حيوية تدفع باتجاه الوصول إلى البنية الأساسية للحرف، كما أن فيها كشفا لسر الحبكة، والتسويدات ـ حسب العارفين بها ـ تخفض من عتبة الدخول إلى الخصوصية في جزئيات الحرف نفسه، عند استبضاع الخطاط المعلم لمقطع من حرف مثل حاجب العين في خط الثلث، وبيان أوزانه وعلاقته بالأجزاء الأخرى. ويعود أقرب تاريخ لوجود نماذج متنوعة من “المشق” بحسب الخطاط تاج السر حسن إلى الفترة العثمانية حوالي 600 عام، حيث هناك الكثير من النصوص القرآنية التي حفظها الخطاطون وتلامذتهم وتشكل مرجعاً مهماً لخطاطي اليوم. في فضاءات المعرض بعيدا عن الجانب التنظيري لهذا الفن، نتوقف مع أعمال المعرض فنجد أن غالبية الأعمال تتركز على نسخ آيات من القرآن الكريم، أو أبيات من الشعر، أو مقولات من المأثورات، ففي حين يقدم السوداني تاج السر حسن عدد من القصائد مثل “لامية العرب” و”القصيدة الزينبية” وقصيدة “مراد النفوس”، يقدم الإماراتي محمد مندي تنويعات على اسم “دبي” باللون الأبيض على الرمادي، وفي عمل آخر يقدم “البسملة” بالأبيض على البني، وكذلك يحاول الخطاطون الآخرون اللعب بهذه الثيمات من أدعية ومأثورات دينية. شارك محمد مندي في اكثر من لوحة، إحداها وظفت كلمة “دبي” وقام من خلالها بتوزيع الحروف والنقاط على علم الإمارات، بمعنى أنه ألبس كلمة دبي ثوب الإمارات ضمن علاقة تربط ما بين السماء والأرض، وظهرت في اللوحة تشكيلات لونية ترمز إلى الغيوم والكريستال والمرجان والقواقع . يقول مندي: إن السر في المشق هو تعيين المسافة، وهو بمثابة علم تشريح الخط الذي يعتمد على قواعد وأصول الكتابة التي ابتدعها الخطاطون الاوائل. في لوحة اخرى استخدم فيها البسملة حاول مندي استخراج الظل والضوء من حركة اللون نفسها، كما قام بتشكيل دعاء الخروج من البيت في لوحة ثالثة فحول أرضية الورقة إلى لون، وكتب الدعاء على شكل دائري، حيث يرى مندي أن للدائرة بعداً فلسفياً روحياً ولها معان كبيرة في التراث العربي الاسلامي. قصائد وحروف تاج السر حسن شارك في كتابة قصائد مكتملة من خلال أربع لوحات كل واحدة منها تمثل قصيدة من عيون الشعر العربي، الاولى هي: لامية العرب للشنفرى التي تبدأ بالبيت “قيموا بني أمي صدور مطيّكم، فإني إلى قوم سواكم لأميل” وفيها استخدم خط النسخ المنقط، والقصيدة من وجهة نظره، تبرز كل المعاني الجميلة لخط المشق، أما القصيدة الثانية فهي ليزيد ابن معاوية التي مطلعها: (نالت على يدها ما لم تنله يدي/ نقشاً على معصم أوهت به جلَدي)، وكتبها بالخط الديواني، والثالثة للمتنبي وكتبها بالخط الكوفي وهي مؤلفة من عشرة أبيات مطلعها: (صحب الناس قبلنا ذا الزمانا/ وعناهم من شأنه ما عنانا). وشاركت فاطمة سعيد البقالي بثلاث لوحات مستخدمة خط النسخ والثلث، وترسيخا لمفهوم النقطة في الخط، مثلت لوحتها الأولى تدريباً على النص الشريف “العلم عبادة”، و”النقطة” بحسب ما تؤكد البقالي هي أساس العلوم، وهي ذات أسرار لا نهاية لها، ولا يعرفها غير المتمرسين في فنون الخط مثل (ابن البواب) و(ابن مقلة) و(ياقوت المستعصمي). كما أن نص “العلم عبادة” يبرز حرف الميم، الذي يفتتح كثيرا من أسماء الله الحسنى. في تجربتها الخطية أظهرت البقالي قياسات حرف الميم، وأيضا الألف، وقالت البقالي: “الميم بحسب دلالاتها الروحية والقدسية تشتمل هي الأخرى على أسرار كبيرة”. وقامت نورية غارسيا ماسيب بمشق نص قرآني بخط الثلث الجلي والنسخ، بدا واضحا فيهما الحفاظ على وحدة القياسات في كل الحروف المتشابهة، خصوصا تلك الحروف التي تجيء في مطالع الكلمات، أما استقامة الحروف فتغيرت تبعا لنوع الحرف، وميله عن السطر، أو طبيعة الحرف الملتصق به، وهكذا. وأمام لوحة غارسيا، نتوقف لفهم محاولة التعبير عن كيفية وصول الخطاطة إلى قرار الحرف أو جيناته، فبين قاعدة النسبة والتناسب في رسم الحروف ومدها، والتناسق المدروس والمحسوب لطول الحرف والمسافة الفاصلة بين مده وقاعدته من خلال عدد النقاط التي يضعها الخطاط، إما في الفراغ الفاصل أو على طول الحرف. وفي نوع مختلف من التسويد، استخدم فيه الخط الرقعي قدم محمد علان لوحات إحداها تمثل (الحلية الشريفة) وهي بحسب ما تشير معظم المراجع، وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت تكتب في صورة معينة وبشكل خاص، كما تطورت صورتها، كما هو شأن تصميم صفحتها عبر الأجيال، من الشكل البسيط إلى الشكل المركب، وتشير المراجع إلى أن أول من كتبها، هو الخطاط التركي الحافظ عثمان في القرن السابع عشر الميلادي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©