الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

راشد الخضر.. انغماس في الشعر ومشهديته الصادمة

22 يوليو 2013 15:25
سعد جمعة (أبوظبي)- الشاعر راشد الخضر (1905ـ 1980) انغمس في الشعر حد الانتشاء وذهب بعيداً في صياغة نصه الشعري الذي بقي متفرداً ولامعاً بعذوبته ورقته وقوته وصدمته الهائلة التي تحيل إلى تفتق الأفكار والرؤى ويجنح الخيال بعيداً راحلاً مع المفردة التي تشع. وفي كتاب «راشد الخضر.. قصيدة اللهجة ورموز ها المكانية» الصادر عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، يقدم الشاعر والباحث والإعلامي مؤيداً الشيباني التجربة الشعرية الشاملة تقريباً، لراشد الخضر، حيث اجتهد الشيباني في بحثه كثيراً ليرصد مجمل جوانبها بإخلاص الباحث الحيادي والعاشق في نفس الوقت، حيادي في بحثة ورصده للنص ونقل التجربة بحقيقتها وعاشق لشخصية الخضر ومتذوقا عالي لشعر الخضر، الذي ولد في إمارة عجمان، و»قضى أكثر من نصف قرن من عمره في حياة الشعر والانصراف الكلي للقصيدة، في حياة مليئة بالتجارب والأسفار والمهن، والعزلة والتفرد، إذ لم يُكتب له بناء أسرة، وبذلك انقطع نسله». يكتب الشيباني «راشد الخضر هو من طراز الشعراء الذين قضوا أعمارهم في حضرة الشعر، بمعنى في حضرة المكان ومقوماته (اللهجة والمجتمع والعادات والصراع) معلناً بوضوح: أنا الخضر هزّاع لِفْنان في شفْ من ترفه ينوبه قلبي بْخمْر الحب سكْران ماهوبْ من خمرٍ عنوا به ويقول الشيباني عن هذان البيتان «أنهما بمثابة إعلان عن طريقة وأسلوب حياة الشاعر، إنه يلخص موضوعه الحياتي بنفس تلخيصات أسلافه الشعراء على مدى آلاف السنين، لكنه ربما يقترب أكثر من روحية أولئك الشفافين المحبين الحب لذاته، أمثال جلال الدين الرومي، الذي طرق أعماق هذا المعنى في تجربته اللافتة والمذهلة: سكرانٌ أنا من الكؤوس الخفيّة رغم أنني لم أذقْ طعمَ الخمر وما زلت أسأل: كم سنة مرّت وأنا سكران؟» ويتابع الشيباني «نستطيع أن نحدد فترة انطلاقة الشاعر راشد الخضر في حدود سنة 1930، أي إن عمره كان وقتذاك نحو خمس وعشرين سنة (وربما بدأ الشعر قبل ذلك بكثير، لكننا نفترض النضوج في التجربة)، وحتى رحيله سنة 1980، أي إننا أمام خمسين سنة من الشعر والانصراف الكلي للقصيدة. نصف قرن ليست قليلة ولا بسيطة ولا عابرة، بل هي مكوث طويل في حياة مليئة بالتجارب والأسفار والمهن والعلاقات». كنّك نصخ روحي وكنّي رد النّصخ أولافٍ أولافْ أو مثل حانوتٍ ودنّي خمرة عتيج وسكره إسراف تلك هي الفكرة التي تشغل العشاق، ومن هناك جاء الشاعر راشد الخضر، إنه صوت شعري لا يزال صداه يتردد في فضاءات الذاكرة الشعرية الإماراتية، كان أبسط من كل هذا الإرث الرائع الذي خلفه في خمس وسبعن سنة ولم يكن يدرك أنه سيكون واحداً من أبرز الرموز الشعرية الشعبية في الإمارات ومنطقة الخليج، وهو ذلك (الظميان) الذي أصبح أنحل من شعر (الزند) حسب تعبيره في قصيدة (خدلج). ويعود الفضل في تعريف الناس به للشاعر حمد أبو شهاب، الذي قام بجمع شعره وإصدار ديوانه. لم يكن راشد الخضر معروفاً على نطاق واسع في البلاد العربية، لكنه شاعر عجيب وعاشق كبير ومسافر دائماً ووحيد، ففي الحياة تزوج الخضر عزلته، ولم ينجب منها سوى الرحيل عام 1980.. وقصة شعره هي قصة حياته، هكذا أوجد الشاعر العلاقة بين أيامه وقصائده. تبدأ الفكرة من حيث انتهى من وجبة حرمانه اليومية، ثم تنتهي من حيث يبدأ من جديد رحلته مع الفكرة. محبة الناس يتساءل الشيباني في كتابة عن لماذا أحب الناس الشاعر راشد الخضر ويذهب من أجل اكتشاف ذلك بعيدا حيث بحث حسب مايذكر في كتابة على مدى ربع قرن من إقامته في ربوع الإمارات عن أسباب هذا الحب ويقول: «الشاعر راشد الخضر قصيدة مجروحة تصل إلى أبعد نقطة في أعماق التلقي لدى المستمع، إنه لم يكن شاعراً أنشائياً بقدر ما هو نابت كالجذر، يستعين بمفاهيم قديمة، لكنه يغيرها لصالح النص الجديد، ويأخذ من الحياة العادية البسيطة، لكنه يضيف إليها عمقه الفني وقدرته التلقائية على صياغة الصورة الشعرية من خلال التناص مع نصوص تاريخية أو قصص وحكايات قديمة أو أساطير وأسماء وبطولات. يوضح الشيباني في كتابه أن الخضر «لم يستطع البقاء في مكان واحد لفترة طويلة، سوا في الشعر وأشكاله، أو في الحياة وأمكنتها، حيث سافر وعاش فترات من حياته بين اليمن والسعودية والكويت والبحرين وعمان وقطر وسوقطرة، ثم إلى عجمان ودبي والشارقة، حيث كتب عن الحياة والحب، وترجم يتمه المبكر وأشواقه للناس والوطن، ووثق حنينه في عشرات القصائد: أنوح كني في بحر نوحْ وأنت بسفينة نوح ناجي آنا بسما وما وأنت بسيوح شتان: مستانس وشاجي هو راشد الخضر، كما يقول الشيباني، «إنه لا يتمدد ثقيلاً في قصيدته، يقولها فقط ويذهب لأنه دائماً لديه شيء آخر متحرك وصاعد وحاضر.. إنه شاعر يختزل الكثير من القول لصالح كلمة واحدة تأتي ثابتة في مكانها. قصة المطوع يسرد الشيباني احدى القصص المؤثرة في تجربة الخضر الانسانية والشعرية وذلك لما للشاعر من أحاسيس شفافة يؤلمها الخدش والجرح كثيرا، حيث يرصد الشيباني أن الخضر «لا يحتاج أن يبحث عن صور شعرية أو كلمات عند غيره، فهو محمل بها من خلال تجربة الحياة منذ الطفولة، ثم مرحلة الصبا والحب الأول الذي تبدأ حكايته من المطوّع أو الكتاتيب.. خرج الصبي إلى المطوع في ذلك الصباح الحزين، وعاد بعد قليل أكثر حزناً، لم تأت الفتاة التي أحبها في ذلك اليوم، وهي الفتاة التي تتعلم معه عند المطوع في عجمان، فذهب إلى بيت أهلها يسأل، وفاجأته أمها حين قالت له: لم تعد عليا صغيرة، لقد كبرت وهي على أبواب الزواج، ولن تأتي إلى المطوع بعد اليوم. من هناك خرج راشد الخضر إلى الشعر والسفر والحنين كأنه قد ختم علي قلبه من أن يحل به شخص آخر غير عليا، حتى الموت!». ويتابع الشيباني «من غير الممكن المرور على هذه الحكاية دون ملاحظة أنها عامل من عوامل التفاعلات الإبداعية الشعرية التي أثارت مستفزاته طوال حياته، مضافاً إليها خبرة السفر والحاجة في زمن العوز وغياب الفرص ما جعله مدرسة شعرية قائمة بذاتها في جميع تفاصيل تجربته.. لقد كلفته الحياة كثيراً، فلم يتكلف في القصيدة، ذلك رد الكريم على الأذى حين يقابل البشاعة بالجمال، ويقابل الخبث بالطيبة، هكذا بقي مسكوناً بالحنين حيث يكتب: أبليت وأسبابي من الود بهموم والدنيا تبا أسباب قلبي عليك يحن محتد حنين حاشي فارق رْكاب يكتب الشيباني «عاش الخضر للحب والغزل، والوصف والتأمل، وللحياة بمعناها التلقائي، ودون تكلف أو سعي لتغيير نمط حياته، فقد كان بسيطاً، وكان من لا يعرفه شخصياً لا يصدق أنه هو الخضر عندما يراه. كان يعتقد أن الفقر هو عندما لا يوجد حب في حياته، والغني ليس معناه الأموال بل الحب أيضاً: «خدلج» يكتب الشيباني «في منتصف الثمانينات غنى المطرب عبدالمحسن المهنا في الكويت قصيدة (خدلج)، كانت الأغنية قادرة على لفت الانتباه، إنها نبرة جديدة في الشعر الغنائي السائد في ذلك الوقت، والخضر في هذه القصيدة أثار حديثاً واسعاً ومختلفاً في مجال التفاسير والتأويلات لمفردات وردت كثيراً فيها وهنا مقتطفات من القصيدة الطويلة: خدلج خدّك اللّي كالسفرجل سفر بدر وْسفر شمس وْسفرجل تفضل بِنْعَبر عبرة سهاله بميلٍ بالغلس قبل السَفرجل (الميل هو المركب، والغلس الليل، والسفرجل أي قبل طلوع الفجر). ... أنا الظميان وانت الماي باردْ وزندي كَلّ من هف المبارد نحيل القلب من سحل المبارد وجسمي مثل شَعْر الزند وانحل أنا عقْبه ما اريد الناس كلهم لا أبوهم لا شربهم لا أكلهم أرى شكله بمعزل عن شكلهم ووزنه عن وزون الناس مجمل تمشّى دَلعْ بوش الصّدر بارز وخاله شبهْ خان الروم بارز وجفنهْ عنترٍ للحرب بارز قتيلٍ ذا وجريحْ وذا مسلسل زايد والاتحاد يكتب الشيباني «واحدة من القصائد المعبرة عن تلك الرؤية قصيدة الشاعر راشد الخضر عن زايد والاتحاد، وعن المنجزات التي تحققت وكيف ينظر لها المواطن في تلك السنوات.. كان زايد مطلع القصيدة، لأنه هو فعلاً مطلع الخير، على يديه قام الاتحاد، وبدأت مسارات الحياة تنفتح أمام الناس وخاصة جيل الشاعر الخضر الذي عرف معنى التعب وصعوبة العيش قبل الاتحاد، ومارس كل مشقات العمل الصعب في مختلف الميادين، خاصة في الخمسينيات والستينيات، وها هي الحياة تفتح ذراعيها من جديد مع التحولات الاقتصادية والسياسية بوجود قائد من طراز زايد الذي يبدأ معه الخضر في هذه القصيدة» التي نقتطف منها: الخلق سنّه وزايد الفرضْ زايد عليهُمْ ماخذ الزّود ماياك يوم تخاطِبه فظ يا هيّـنٍ ليّنْ بحرْ يود ... سيد الشجعان واكرم الاكرما عاهلٍ واسم الله الاعظم له حرس إن تبسم كل شيء تبسما والمباسم تستقيل إذا عبس إن عطى طوفان نوح إذا طمى جوده طامي دوم والنوحى يبس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©