الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نموذج الإصلاح المغربي

24 يوليو 2011 21:45
لم يعد خبراً مهماً أن يَعِد حاكم عربي يواجه احتجاجات جماهيرية بإجراء إصلاحات شاملة. لكن استفتاء المغرب الدستوري يوم الأول يوليو ربما شكل أهم تطور في العالم العربي خلال الصيف كله. فللمرة الأولى منذ بدء الربيع العربي، يقوم شعب باعتناق إصلاحات زعيمه ويتراجع في مظاهراته الاحتجاجية ضد الحكومة. في الأسابيع التي سبقت الاستفتاء خرج حوالي 100 ألف شخص إلى الشوارع. أما بعد التصويت فلم يخرج سوى 10 آلاف شخص. وافقت غالبية كبيرة من المغاربة على الدستور الجديد الذي ينادي بتنازل الملك عن نصف سلطاته لرئيس وزراء يعيّنه حزب الأغلبية البرلمانية، ويضمن حقوق المرأة وغير العرب بمن فيهم السكان البربر. ويبدو أن المغرب وجد نموذجاً جديداً للتحول السياسي. وإذا نجحت تجربته الدستورية، فقد تتوفر له الفرصة للعب دور القيادة الذي اطلعت به مصر تقليدياً. وافقت أحزاب المعارضة البرلمانية الرئيسية، بما فيها الحزب الإسلامي الرئيسي على الدستور، وحصلت تلك التي ترفضه، بما فيها مجموعة إسلامية متطرفة تهدف لإسقاط الملكية وإنشاء خلافة، على فرصة لعرض قضيتها في محطات الإذاعة والتلفزة الحكومية. ويعتقد بعض المسؤولين أن هذا الانفتاح الجديد يخدم كقوة اعتدال. "كلما ظهر المتطرفون على شاشات التلفزة، ظهروا أكثر سذاجة وغباءً"، يقول نوفل راغي الذي يدير سلطة البث في الدولة، قبل أن يضيف: "كان يتوجب علينا أن نفعل ذلك قبل 20 سنة". ويوفّر الدستور أسلوباً للجم الإسلاميين فيما لو ربحوا الانتخابات، وفيما لو فازوا فسوف يكون لرئيس وزراء جديد تستحوذ الشريعة الإسلامية على أسلوبه، السلطة لتعيين كبار موظفي الدولة، والإشراف على الأمن الداخلي. لكن السيطرة على الجيش وخدمات الاستخبارات الخارجية سوف تبقى بيد الملك. كما يحتفظ الملك بدوره التقليدي كأعلى سلطة دينية في الدولة، الأمر الذي يعني أن بإمكانه الوقوف في وجه محاولات استخدام المساجد ووسائل الإعلام والتعليم الديني لفرض التعاليم الدينية المتعصبة. ويتعامل هذا الترتيب الجديد كذلك مع الأزمة التاريخية بين القيم والمصالح التي واجهها الغرب في علاقته مع المغرب. طالما اعتبرت الدولة لاعباً بنّاءً في القضايا الإقليمية، لكن نخبتها السلطوية التابعة للغرب لها سجلّ مزعج في مجال حقوق الإنسان، ولها فرصة سياسية واقتصادية مقيدة تجاه الغالبية الشعبية. ويمكن للدستور أن يسمح بظهور نخب جديد وفتح الساحة السياسية. ومن الأهمية بمكان لأميركا وحلفائها أن يحقق المغرب هذا التوازن في وقت لا تتواجد فيه مصر في موقف يجعلها وسيطاً إقليمياً يتمتع بالسلطة والقدرة. شكلت مصر تحت حكم رئيسها السابق مبارك جسراً بين الملكيات والجمهوريات العربية. إلا أن هناك صدعاً سياسياً عربياً جديداً اليوم، بين الأنظمة العربية والدول التي تمر بعملية تحول إلى الديمقراطية. ويقع المغرب، بحكومته الانتقالية وعضويته المحتملة في مجلس التعاون الخليجي، في موقع فريد لرأب هذا الصدع. ورغم أن مبارك توسّط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم تشكّل الحكومة المصرية الجديدة بعد سياسة متماسكة حول ذلك النزاع، دعك من الحصول على ثقة الطرفين. بالمقابل، لدى المغرب تاريخ في القيام بذلك. قبل سنوات من قيام مصر بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عام 1980، كان الحسن الثاني وسيلة ارتباط بين إسرائيل والعرب، ولم يشكّل بُعد المسافة عائقاً. أصيب عشرات المتظاهرين قبل الاستفتاء بجروح على أيدي الشرطة، وقُتل متظاهر واحد. ورغم أن هذا العنف مُدان وكريه، إلا أنه بعيد كل البعد عن العنف الذي شهدته مصر، حيث قُتل المئات، دعك من ليبيا وسوريا حيث قتلت القوات الحكومية آلاف المواطنين. هناك تفاؤل عظيم في المغرب اليوم، وقد أعرب الملايين عن رغبتهم في الحرية، وفي فرصة ضمن إطار دستوري. وإذا كان البرلمان صادقاً في ضمان أن يتم تطبيق الإصلاحات بسرعة، فإن المغرب يستطيع أن يكون مثالاً للتحولات السياسية السلمية عبر العالم العربي. أحمد شرائي - ناشر الأسبوعية المغربية "الأوبزرفاتوار" جوزيف برود - مؤلف كتاب "القتلى المكرمّون" ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©