الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أستراليا.. والقسوة مع اللاجئين

19 نوفمبر 2017 23:24
يعيش قرابة 400 شخص على جزيرة «مانوس» جنوب المحيط الهادئ لأنهم تجرؤوا وحاولوا الوصول إلى أستراليا على متن مركب. وقد تم احتجاز معظمهم هناك لأكثر من أربع سنوات، وأغلبهم أصبح مؤهلاً لإعادة توطينه بشكل قانوني. من الناحية الفنية، لا يعد الموقع مخيماً للاجئين، ولكن «مركزاً إقليمياً للمعالجة»، بيد أن هذه تسمية خاطئة، لأنها تنطوي على عملية ونتائج، ولا توجد إشارة تذكر على وجود أي من هذين الأمرين بالنسبة لهؤلاء الأشخاص. يعد هذا تتويجاً لسياسة أستراليا القمعية بالنسبة للاجئين، والتي يُمنع بموجبها طالبو اللجوء الذين يسافرون إلى البلد عن طريق القوارب من الاستيطان. وهذا ينطبق حتى إذا وجد أنهم لاجئون حقيقيون من الناحية القانونية. وبدلاً من هذا، فإن هؤلاء الوافدين عبروا البحر بطريقة غير شرعية«، كما تطلق عليهم الحكومة الأسترالية، يتم تحويلهم إلى الدول المجاورة الأكثر فقراً – ناورو وبابوا غينيا الجديدة، التي تعد جزيرة مانوس جزءا منها - إلى أجل غير مسمى إلى أن يتسنى إعادة توطينهم في مكان بعيداً عن أستراليا. وببطء، بدأت أزمة«مانوس»في أن تتكشف. ففي شهر أبريل 2016، خلصت المحكمة العليا لبابوا غينيا الجديدة إلى أن احتجاز ملتمسي اللجوء على جزيرة مانوس غير دستوري. وفي شهر سبتمبر، وافقت الحكومة الأسترالية على دفع 53 مليون دولار للمحتجزين تعويضاً على سوء معاملتهم. وتم تحديد موعد نهائي لإغلاق المخيم بحلول 31 أكتوبر. وكان من المقرر نقل هؤلاء الأشخاص إلى موقع آخر يتم الترتيب له من قبل الحكومة الأسترالية. وتم قطع الكهرباء والمياه الجارية عن مخيم «مانوس»، وقام العمال بإزالة السياج المحيط بالمخيم لحماية الرجال من العصابات المحلية التي تستهدفهم. وظل مئات الرجال في المخيم المهجور – لأنهم لسبب ما لا يثقون في وعود الحكومة الأسترالية. وقد تم الإفراج عن فيديو من داخل المخيم من قبل مجموعة نشطاء«جيت اب»يظهر الغرف الضيقة، وزخات المياه المحملة بالعفن ومياه الأمطار التي يتم تجميعها في صناديق القمامة للشرب. وقد وصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان هذا الوضع كحالة إنسانية طارئة تتكشف. والآن مع الكشف عن هذه الظروف على نطاق واسع، ربما تعتقدون أن الجمهور الأسترالي سيطالب باتخاذ إجراءات، بيد أن هذا مستبعد جداً. فسياسة اللاجئين بالنسبة للأستراليين تشبه سياسة السلاح بالنسبة للأميركيين، الجنون الذي لا يتزعزع. نحن نتمسك بأفكارنا بشكل غير عقلاني وقاس ومثير للدهشة للعالم الخارجي. والعديد من الأستراليين يعملون جاهدين لإحداث تغيير في الاتجاهات والسياسة، بيد أن القسوة تجاه اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أستراليا عن طريق القوارب هي بمثابة معتقد في ثقافتنا من الصعب التغلب عليه. إننا ملتزمون للغاية بسياسات اللاجئين لدينا لدرجة أننا على استعداد لإنفاق المليارات لضمان أن القادمين بمراكب، كما هم معروفون، لن يستقروا في أستراليا، حتى وإن كان هذا يعني التصرف بطرق تتنافى مع القانون الدولي. وقد أصبحت سياسات اللاجئين لدينا مجنونة للغاية لدرجة أننا أنفقنا 41 مليون دولار لإبرام اتفاق مع كمبوديا لإعادة توطين سبعة أفراد، تم خفضهم في وقت لاحق إلى ثلاثة، بتكلفة تزيد على 13 مليون دولار لكل لاجئ. وفي السنوات القليلة الماضية، كانت هناك ست حالات وفاة لطالبي اللجوء في مانوس، لأسباب من بينها الانتحار أو القتل من جانب سكان الجزيرة. إن القسوة هي الهدف الأساسي لسياسات اللاجئين لدينا. وحيثما يرى البعض انتهاكات حقوق الإنسان، يرى الكثير من الأستراليين أن هذه السياسات قد حققت الغرض منها. وقد أوضحت الانتخابات الفيدرالية المتعاقبة أن الناخبين لن يقبلوا أي شيء أقل من المعاملة الأكثر قسوة للاجئين. وكما أوضحت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بأسلوب ألطف في الانتقادات الأخيرة، هناك قلق خاص بشأن استخدام سلطات الاحتجاز كـ«كأسلوب عام للردع ضد الدخول غير القانوني بدلاً من استخدامه رداً على المخاطر الفردية». وهذا أيضاً يفسر رفض رئيس الوزراء «مالكولم تيرنبول» عرضاً لرئيسة وزراء نيوزيلندا بأخذ 150 من الرجال الموجودين في جزيرة مانوس؟ القسوة التي توافق عليها الدولة تجاه اللاجئين تظهر الجانب الأكثر قتامة للطابع الأسترالي الذي نادراً ما نعترف به، وهي تتعلق بالطريقة التي نفكر بها حيال تاريخنا. إن الأستراليين يحبون توبيخ الجنوب أفريقيين والألمان بسبب تاريخهم العنصري، في حين أن هذين البلدين فعلا الكثير لمواجهة ما حدث على أرضهم أكثر مما فعله الأستراليون. ونحن نجاهر بأننا نحب الفريق المستضعف، لكن هذا التعاطف مع الفرق الرياضية لا يمتد إلى الأجانب الذين يواجهون معارك الحياة والموت.وكما قال رئيس الوزراء السابق«جون هوارد» خلال أزمة سابقة نجمت عن سياسات اللاجئين لدينا«سنقرر من يأتون إلى هذا البلد والظروف التي يأتون فيها». وهي فكرة مثيرة للضحك في أجزاء كثيرة من العالم الآن، مثل لبنان أو جزيرة لامبدوزا في إيطاليا. إننا نقدم أنفسنا باعتبارنا نشعر بالراحة ومنفتحين، ولكننا أيضاً نستمتع بالممارسة الوحشية للسلطة الاستبدادية عندما يتعلق الأمر باللاجئين. وقد يكون من الضروري تغيير القواعد التي تحكم اللاجئين والنازحين، لكي تعكس الطبيعة المتغيرة للصراع وحركة الناس في القرن الـ21. *طبيبة وصاحبة إصدار «كتاب صغير عن المخدرات» ينشر بترتيب خاص مع خدمة«نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©