الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضفة وغزة.. ورهان الوحدة

10 أغسطس 2014 22:50
عند النظر إلى خريطة فلسطين وإسرائيل، نجد أن غزة قد تشبه الإصبع الصغير في القدم. إنك بالكاد تعير اهتماماً لإصبع قدمك الصغير، إلا إذا شعرت بالألم، بطبيعة الحال. وعندما تعاني غزة من هجمات مدمرة من قبل الجيش الإسرائيلي، فإن أهلها يجدون تعاطفاً كبيراً من العالم الخارجي. ويجدون أكثر من ذلك لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية، على رغم عوائق التواصل بسبب الاحتلال. إنني أعيش في رام الله، على بعد 60 ميلاً فقط، ولكنك في حالي تشعر وكأن غزة بعيدة مثل برلين، ونيويورك، وباريس أو لندن. وقد كان هذا الوضع كذلك منذ عام 1994. ونتيجة لذلك، أصبحت حركة الفلسطينيين من وإلى غزة، وكذلك إلى مدن الضفة الغربية، صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة. وفي السنوات الأخيرة، أصبح المجتمع الفلسطيني في حالة استقطاب جغرافية أيضاً: غزة مقابل الضفة الغربية. وبحلول عام 1996، أتاحت اتفاقيات «أوسلو» للسلطات الإسرائيلية التحكم في حياة الفلسطينيين من خلال السيطرة على تحركاتهم -خاصة بين المدن أكثر مما بداخلها، كما كان الحال قبل ذلك. فما كان في الماضي مساحة مفتوحة يمكن للناس أن يتنقلوا فيها بحرية بين كافة المناطق الفلسطينية، وحتى في المناطق الإسرائيلية، أصبح فيما بعد مقسماً إلى أربع مناطق، يتحكم في التواصل بينها أكثر من 500 حاجز ونقطة تفتيش إضافة إلى جدار بارتفاع 26 قدماً. وهذا الجدار لا يفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين بقدر ما يفرق بين الفلسطينيين ويمنع تواصلهم مع بعضهم بعضاً. وقد كانت آخر زيارة لي إلى غزة في عام 2000. وقبل ذلك، كنت معتادة على زيارة هذه المدينة باستمرار أثناء عملي في الفن والمشاريع المسرحية. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، ولم أعد أستطيع السفر إلى هناك، واقتصر اتصالي مع سكان غزة على رسائل البريد الإلكتروني التى تلاشت بمرور الوقت. إنني ألتقي بسكان غزة من الكتاب والفنانين والمثقفين في كثير من الأنشطة التي تقام في العالم -في كل مكان إلا في غزة نفسها. وتبين أن هذا التقسيم الجغرافي أصبح أكثر وسيلة فعالة لدى الاحتلال للتضييق على الفلسطينيين، وقد دمر فكرة الثقافة الفلسطينية والمجتمع والصلات المتماسكة. ونتيجة لذلك، فمنذ عام 2000 بدأ الشعور بالاحتلال الإسرائيلي لدى البعض كمشكلة فردية أكثر منها جماعية. فمثلاً، عندما يعبر فلسطينيون نقطة تفتيش تسيطر عليها إسرائيل، نمر من خلال بوابة دوارة تسمح بمرور شخص واحد كل مرة، أو نجلس في طابور بداخل سيارة. ومن الطبيعي أنك تريد عبور نقطة التفتيش أولاً، قبل غيرك من الفلسطينيين. وأنت على كل حال تؤخر فلسطينيين آخرين في الطابور، وقد يكون هؤلاء أيضاً بحاجة ماسة إلى الذهاب إلى مكان ما، بينما يسمح لك الجنود الإسرائيليون بالعبور. وعليه، فإن الشعور بالتضايق الذي يحدث أثناء المرور قد يكون موجهاً للفلسطينيين أكثر من كونه موجهاً للجنود الإسرائيليين. وفي كل مرة أعود فيها إلى رام الله قادمة من برلين، أشعر بالتعاطف والتفهم لمعاناة مواطنيّ الفلسطينيين. ولكن بمجرد أن أصل إلى نقطة تفتيش، أحمي مكاني وأشتاط غضباً من أي شخص قد يدفعني في الطابور المزدحم. وقبل بضع سنوات، قتل مواطن يعمل جزاراً رجلاً آخر بسكين عندما حاول تجاوزه عند نقط تفتيش «قلنديا» بين رام الله والقدس. وفي نهاية المطاف، أصبح من المستحيل تقريباً بالنسبة للفلسطينيين التنقل بين الضفة الغربية وغزة، وتحول معظمنا إلى مشاهدين فقط للدمار الذي لحق بغزة. وماذا عسانا أن نفعل سوى المشاهدة؟ وهذا هو السؤال المقلق الذي أثاره كثيرون في رام الله خلال الهجمات الأخيرة على غزة، ومن بينهم طلابي بجامعة بيرزيت بفلسطين. وقد بدت مناقشات الطلاب حول الوضع في فلسطين أمراً لا مفر منه، مع التركيز على بعض مفاهيم مجردة لمفكرين أوروبيين أمثال «إيمانويل كانط» و«جون لوك» و«جون ستيوارت مل» الذين تناولوا مفاهيم مثل الحقيقة وحياة الإنسان والحرية والمساواة والعدالة. وعندما يتساءل الطلاب «عما يجب القيام به للحصول على هذه الحريات»، تكون الإجابة بالطبع هي الصمت، ويلي ذلك اعتراف ضمني بالعجز واليأس. ولكن هناك أيضاً اعترافاً بالأنانية. فلا أحد يريد المخاطرة بما يملك. وبصورة أو أخرى، كان طلابي يشيرون إلى أن المجتمع الفلسطيني، خلال العشر سنوات الأخيرة، سقط فريسة للرغبة في القليل والامتيازات الشخصية. فطلابي يريدون الانتهاء من دراستهم والحصول على عمل والزواج وشراء الشقق والسيارات. وهم يفضلون عدم إضاعة مستقبلهم في القتال من أجل قضية يسعى الاحتلال للإقناع بأنها قضية خاسرة. والبعض يتساءل «ما المكاسب التي حصلنا عليها من الانتفاضات المتكررة؟». إن السعي لتحقيق مكاسب شخصية، ومعظمها اقتصادية، قد تفوق على السعي من أجل التحرر الوطني. وفي العقد الماضي، تم ضخ أموال خاصة، ودولية، بهدف إنشاء شركات صغيرة وبناء أجهزة بيروقراطية تزخر بالموظفين غير المنتجين. ولا يوجد الكثير لعمله، فبدون الحرية الكاملة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، فإن عملهم يقتصر على حدود جغرافية معينة. ومع ذلك، فإن هذه الأموال خلقت الآلاف من فرص العمل التي تمكن أصحابها من شراء السيارات والشقق من خلال القروض. وهذه واحدة من مساهمات اتفاقيات أوسلو: إدخال الاقتصاد النيوليبرالي. والآن حلت هذه الأحلام الصغيرة لدى البعض -شراء سيارة أو شقة- محل أحلام أكبر: العدالة والمساواة والحرية والتضامن الاجتماعي. وبالطبع فهذه الشقق لا تخلو من شاشة بلازما يجلس أصحابها أمامها ليشاهدوا القصف الذي تتعرض له غزة ويشعرون بالعجز عن فعل شيء. فلم يعد بوسعهم الانتقال من المصلحة الذاتية إلى الاهتمام المتبادل بالقضية الأشمل. وسواء تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أم لا، فإن الاحتلال الإسرائيلي يحاول الاستمرار في تقسيمنا وعرقلة تواصلنا الجغرافي. والتحدي الرئيسي يتمثل في إيجاد وسائل لمواجهة هذا الانقسام والأنانية والتفكير في المصالح الشخصية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©