الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تظاهرات «جيزي» وفشل الإعلام التركي

22 يوليو 2013 22:07
يافوز بيدار اسطنبول الاحتجاجات التي هزت إسطنبول وغيرها من المدن التركية الشهر الماضي، كشفت- ضمن أشياء أخرى عديدة- عن الدور المخزي الذي تقوم به الاحتكارات الإعلامية التركية، في تقويض حرية الصحافة. عندما وصلت القلاقل الاجتماعية لذروتها في 31 مايو الماضي، وبدأت الصدامات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق المتظاهرين، الذين انتشروا في مختلف أنحاء منطقة وسط المدينة، وفر غياب التغطية الإعلامية شبه التام، من قبل وسائل الإعلام التركية التي يفترض أنها احترافية، لما يدور في وسط إسطنبول لحظة كاشفة، لسكان الأحياء الراقية الواقعة بالقرب من ميدان “تقسيم الشهير”. فنظراً لقربهم من موقع الأحداث، كان بإمكانهم رؤية، وسماع، وشم حقيقة ما يجرى من نوافذ شققهم. وسرعان ما أدركوا أن قنواتهم التليفزيونية تمارس الكذب من خلال التعتيم على ما يجرى، وكأن لا شيء يحدث هناك. وفي حين كان وسط المدينة يتحول لساحة حرب بمعنى الكلمة، اختارت القنوات الإخبارية المتخصصة التي تبث على مدار 24 ساعة عرض برامج وثائقية عن طيور البطريق، في حين اختار بعضها الآخر الاستمرار في تقديم البرامج الحوارية التي اعتاد تقديمها ضمن خريطة برامجه العادية. ووصل الأمر إلى حد أن تليفزيون” هيبرتورك” الذي لا يبعد مقره عن ميدان “جيزي” الشهير بأكثر من 200 متر تجاهل كل ما يحدث، واستضاف ثلاثة خبراء طبيين نفسيين لمناقشة مرض “الشيزوفرينيا” (كان ذلك في الحقيقة تشبيها ملائما للحالة التي وصل إليها الإعلام التركي). والحقيقة أن التحالفات القائمة بين الحكومات والمؤسسات الإعلامية، والاتفاقات التي تتم بينهم وراء الأبواب المغلقة، تدمر الدور الذي يجب أن يلعبه الصحفيون باعتبارهم أدوات مراقبة، كما تمنعهم من كشف حالات المحسوبية وإساءة استخدام السلطة من قبل الحاكمين. في الوقت نفسه نرى كذلك أن هؤلاء الذين يستفيدون من استمرار الممارسات الفاسدة، يسعون بشكل منهجي لمنع الصحافة الاستقصائية الجادة. والمشكلة بسيطة، إذ كل ما يتعين علينا عمله هو التفتيش على المال. عندئذ سنجد أن وسائل الإعلام التركية من التيار الرئيسي، مملوكة بواسطة رجال أعمال شديدي الثراء يعملون في مجالات اقتصادية متنوعة مثل قطاعات الاتصالات والمصارف والعقارات. ونظرا لأن هناك عدداً قليلًا للغاية من القنوات التليفزيونية الكبيرة، هي التي تحقق أرباحاً فعلية، فإن ملاك القنوات الأخرى التي لا تحقق أرباحا، يفضلون الاحتفاظ بقنواتهم لاستخدامها كطعم لاجتذاب الحكومة والاستفادة منها في المشروعات الأخرى، خصوصا وأن الحكومة بحاجة لمديرين إعلاميين قابلين للخضوع لإرادة السياسيين وتنفيذ ما يملى عليهم. ويوفر هذا في الحقيقة بيئة خصبة لاتباع سياسات العصا والجزرة. فكلما كان مالك القناة الفضائية أكثر استعدادا للامتثال والخضوع، كلما زادت الأموال التي يمنحها له السياسيون لإشباع نهمه. وهناك تقارير مؤكدة تفيد أن العديد من أقطاب الأعلام في تركيا قد حصلوا على مكافآت سخية في صورة عقود مقاولات لمشروعات إنشائية كبرى ومشروعات مرافق عامة، في العاصمة إسطنبول. يصعب بالطبع ممارسة صحافة حرة في مثل هذا الجو الملوث. وتداخل المصالح المشار إليه، حول غرف الأخبار في وسائل الإعلام التركية الكبرى إلى سجون: فتغطية الفساد الاقتصادي في تركيا اليوم تكاد تكون غير موجودة. وعلى رغم من أن هناك بعض المنافذ الإعلامية الصغيرة الجريئة التي تذيع قصصاً خبرية تنتقد فيها سياسات الحكومة، فإن تلك القصص نادراً ما يتم التقاطها من قبل وسائل إعلام التيار الرئيسي التركي الكبرى، وبالتالي لا يكون لها تأثير يذكر حيث يظل نفوذها محصورا في دائرة ضيقة من المشاهدين. والحقيقة أن الخلل الوظيفي المرضي لوسائل الإعلام التركية ليس سوى مثال واحد من الأمثلة الدالة على ظاهرة أوسع نطاقا بكثير. فهناك دراسة موسعة أجريت لصالح الاتحاد الأوروبي من قبل مجموعة من الصحفيين وخبراء الإعلام المستقلين من مختلف دول القارة، كشفت عن ظواهر مماثلة في مختلف دول جنوب أوروبا.جاء في التقرير الصادر من قبل تلك المجموعة” إن العديد من ملاك الوسائل الإعلامية وكبار الصحفيين لديهم مصالح سياسية واقتصادية متداخلة، ويستخدمون مواقعهم لللانخراط في “حروب إعلامية” قاسية ضد خصومهم السياسيين” الطريقة الوحيد لمنع الضرر الذي لحق بالديمقراطية بسبب وسائل الإعلام الخاضعة لرغبات الحكومة تتمثل في قيام الحكومات المُمكّنة من قبل الهيئات الناخبة، بإصلاح وسائل الإعلام الرسمية، بحيث تتحول إلى خدمات عامة شبه مستقلة أو مستقلة، وإعداد الأرضية القانونية للمنافسة الحرة، والتنوع من خلال منافذ إعلامية مملوكة للقطاع الخاص والوسائل الإعلامية العامة شبه المستقلة التي تفيد كنقطة محورية للصحافة الجيدة بعيدا عن الاهتمامات التجارية والنفوذ الحكومي، سوف تؤدي حتما لتعزيز النقاش العام ليس في تركيا وحدها وإنما في عدد من الديمقراطيات الأخرى الأصغر حجما. ويجب العمل من دون إبطاء على هيكلة الملكية الخاصة في قطاع الإعلام للسماح بوجود سلطة رابعة حقيقية موثوق بها، ومستقلة، وحيوية، ورفيعة المستوى. هذا هو الدرس الجوهري الذي يمكن استخلاصه من الفشل الذريع لوسائل الإعلام التركية في تغطية أحداث متنزه جيزي ثم ردودها العدوانية الشرسة على وسائل الإعلام الدولية، التي اختارت تغطية مسيرات الأتراك عبر شوارع إسطنبول، بدلًا من عرض برامج عن طيور البطريق وهي تخوض في ثلوج القطب الجنوبي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة “نيويورك تايمز”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©