الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لودفيج هولبرج أسس المسرح الإسكندنافي على حين غرّة

لودفيج هولبرج أسس المسرح الإسكندنافي على حين غرّة
10 أغسطس 2014 23:27
محمد نجيم (الرباط)قام الكاتب والمترجم والمعجمي العراقي المقيم في المغرب، الدكتور علي القاسمي بترجمة مسرحية «الفلاح البائس» لمؤلفها لودفيج هولبرج، الذي يُعتبر من رواد المسرح الإسكندنافي. عن هذا العمل الذي يقع في خمسة فصول يقول المترجم: «كنتُ قد أدركتُ ما لها من مكانة مرموقة في تاريخ المسرح الإسكندنافي أثناء دراستي الأدب النرويجي في جامعة أوسلو عام 1965. وازددتُ إعجاباً بها عندما شاهدتُها حيَّةً على مسرح حدائق فرجلاند في العاصمة النرويجية، حيث تمثَّل منذ عشرات السنين، ويُحشَد لها أشهر الممثِّلين وأبرعهم. فقمتُ بنقلها إلى العربية، آملاً أن تجد فيها فرقنا المسرحية الناهضة مادَّةً دسمةً للإخراج والتمثيل». ويرى القاسمي، أن ما يثير الدهشة حول الدراما الإسكندنافية هي أنَّها وُلِدت على حين غرة؛ فلم تكُن هناك فترة حمل، ولم يكُن للبلدان الإسكندنافية قبل عام 1722 كاتبٌ مسرحيٌّ من الطراز الأوَّل ولا الثاني ولا الثالث؛ ولم تكُن هناك مجموعةٌ من المسرحيّات التي كان في إمكانها أن تثير حماس الممثّل أو تخلب لبَّ المشاهِد. وبعد ذلك التاريخ بعاميْن ونصف أصبح للدنمارك والنرويج كاتبٌ مسرحيٌّ يُعدُّ من أعظم الدراميِّين الأوربيِّين، كما أصبح لها اثنتان وعشرون من أحسن الملاهي في ذلك القَرن. معتبرا أن الرجل المسؤول عن ذلك التطوُّر الرائع، يُدعى لودفيج هولبرج الذي كان واحداً من اثني عشر طفلاً في عائلته، وكان طفلاً صغيراً رقيقاً، فلمّا كبر صار رجلاً صغيراً، ضعيفاً، ناحل البنية. وبسبب تكوينه هذا، أضحى، في سنٍّ مبكِّرة، متفرِّجاً على الحياة أكثر منه مساهماً فيها، رجلَ فكْرٍ لا قوَّة. ظلَّ يقف على الرصيف عندما يلعب بقية الأطفال، ويطلُّ من علياء فكره السامق على زملائه وأساتذته على السواء. ولما بلغ العشرين من عمره، باع ممتلكاته القليلة، فجمع ستاً وستين دولاراً، وسافر بها ليشاهد أوربا. فأمضى شطراً كبيراً من الفترة الواقعة بين عامي 1704 و1716، متجوِّلاً على قدميه في أوربا. وعندما لم يكُنْ مسافراً، كان يشتغل بالتدريس. لقد علَّم اللغة الفرنسية والإنجليزية للنرويجيِّين في مدينة كرستيانساند (1705- 1706)؛ وعلَّم الموسيقى للطلبة الإنجليز في أُكسفورد (1706- 1708). وفي حقيقة الأمر، لم يكُنْ هولبرغ يعرف الكثير من اللغة الفرنسية، ولكنَّه لم يكُنْ في حاجةٍ لمعرفة الكثير، لأنَّ منافسه الوحيد في تعليم اللغة الفرنسية كان تاجراً هولندياً. وعندما وصل هولبرج إلى باريس، أدرك ما كانت عليه لغته الفرنسية من الجودة، فقد أخبرته فتاةٌ التقى بها هناك أنَّه يتكلّم الفرنسية مثل حصانٍ ألماني. وحوالي عام 1711، بدأ هولبرغ يكتب تاريخاً عالمياً، وفي عام 1714، عُيِّنَ أُستاذاً بلا راتب في جامعة كوبنهاجن. وقد أهّله هذا المنصب لإشغال أوّل كرسي أُستاذية براتبٍ عندما شغر هذا الكرسي. وفي عام 1717، وجد نفسه يدرّس الميتافيزيقا والمنطق، وهما من الموضوعات التي لم تستهوه أبداً. وقد وصف محاضرته الأولى بأنّها بكلمة تشييع أشبه منها بخطاب افتتاحي. وظلّ كذلك حتّى عام 1730 عندما عُيِّن أُستاذاً للتاريخ والجغرافية، وهما مجال اختصاصه. بَيْدَ أنَّ هولبرغ كان قد اكتسب في ذلك الوقت شهرةً كبيرةً بوصفه كاتباً مبدعاً، إذ بدأ بكتابة بعض القطع الأدبية محاكياً الأعمال الكلاسيكية، ومن ثمَّ تحوَّل إلى كتابةِ ملحمةٍ بطوليةٍ ساخرةٍ، «بيدر بارس»، تُعدّ الأُولى من نوعها في اللغة الدنماركية. ولقد بيع منها عددٌ كبيرٌ في الحال؛ وأضحكتْ كلَّ من قرأها تقريباً. وحفظ بعض القراء أجزاءً كبيرةً منها (لا كلّها، لأنَّها تقع في أربعة مجلَّدات). ولكن كان هنالك بعض من أغضبتهم الملحمة، لأنَّهم أدركوا أنَّها كانت تسخر منهم، فحملوا الملك على تحريمها. وعندما افتُتِح المسرح الدنماركي في عام 1722، كان من الطبيعي، في ظروفٍ لم يكُنْ فيها كاتبٌ مسرحيٌّ في الدنمارك، أَنْ يُطلَب إلى مؤلِّف تلك الملحمة الساخرة كتابة ملهاة أو اثنتين للمسرح الدنماركي. ولكنَّ الذي لم يكُن طبيعياً هو استطاعة هولبرج كتابة عدّة مسرحيّاتٍ رائعةٍ وبسرعةٍ فائقة. وبحسب المترجم فإن هولبيرج، يمتاز بقوة الملاحظة ودقّتها، لهذا فإنَّ شخوص مسرحيّاته أصبحت دنماركية صرفة، حتّى صار من العسير أن تتصوّر أنَّها عاشت قبل ذلك في بلدان أُخرى، بالرغم من الأصناف التي يصوِّرها يمكن التعرُّف عليها في كلِّ مكان. مضيفا: إنَّ قدرته على النقل تجعل هؤلاء الشخوص أقرب إلينا من شخوص موليير. وبالرغم من أنَّ مسرحيّات هولبرغ يعوزها الصقل والسلاسة التي تزدان بهما مسرحيات الكاتب الفرنسي، فإنّها تمتاز بالحرارة والواقعية التي تعوز موليير. ولم ينغمس هولبرج في الاتجاه العاطفي، لأنّه في الواقع اتُهِم بقسوة القلب، وهذا يُشبِه نوعاً ما اتهام القاضي بالنزاهة. وعندما توفّي هولبرج عام 1754، كان قد كتب حوالي أربعة ملايين كلمة في موضوعات مختلفة، جلّها في التاريخ. يُذكر أن هذا العمل صدر ضمن سلسلة كتب «الزمن» وقد راجع الترجمة العربية الدكتور عبدالواحد لؤلؤة والدكتور عناد غزوان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©