الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استخدام «كيمياء خضراء» يمنع الكيماويات المصنعة من العبث بالأجساد

استخدام «كيمياء خضراء» يمنع الكيماويات المصنعة من العبث بالأجساد
21 أكتوبر 2010 21:37
أصبحت بيئتنا اليومية الحديثة مثقلةً بمواد كيميائية صنعتها يد الإنسان، فنحن نستنشق عوادم السيارات ونتنفس دخان البنزين والسجائر، ونأكل طعاماً معلباً في مواد بلاستيكية ملينة ومحفوظاً بمواد كيميائية ومطبوخاً في مقالي غير لاصقة، نستخدم مساحيق كيميائية لتجميل بشرتنا وترطيبها، وسوائل تحتوي على مواد كيميائية لتنظيف منازلنا وعشب حدائق بيوتنا ومتنزهاتنا وأماكن مرحنا واستراحتنا، نزين منازلنا وملابس أبنائنا بأقمشة مقاومة للنار والاشتعال، ونشرب مياهاً غازية تحتوي على مكونات صيدلانية ومواد كيميائية شتى. فما هي الآثار الصحية لنمط العيش هذا وتبعاته؟ في حالة الرصاص أو الزئبق، تكون آثار المواد الكيميائية على البيئة واضحة، أما في حالة الكيماويات الأخرى مثل «البيسفينول إيه» والمكونات المستخدمة في المواد المقاومة للنار والاشتعال، فإن الرابط بين التعرض لهذه الكيماويات والإصابة بالأمراض لا يتجسد بجلاء، وذلك لصعوبة تحديد «من» يتعرض لـ»ماذا» و»كيف» و»متى»؟ لفك لغز التعرض للكيماويات ولو بشكل جزئي، قامت مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض في أميركا منذ عام 1999 بإجراء بحوث مراقبة حيوية لتشخيص واقع التعرض للكيماويات في الحياة اليومية بدقة، فكلفت باحثين بأخذ عينات دم وبول من مجموعة من الأميركيين ينتمون لفئات اجتماعية مختلفة ويقطنون ولايات متباينة للتعرف على نوع المواد الكيميائية الموجودة في أجسامهم، ويقول الدكتور جون أوسترلوه، الرئيس التنفيذي الطبي لقسم المختبرات العلمية لمراكز الوقاية ومراقبة الأمراض، «أعتقد أن الشيء الأساسي والجوهري بالنسبة للجمهور هو إدراك أن هذه العوالق الكيميائية الموجودة في بيئتنا بصورة يومية تنفذ فعلياً إلى أجسادنا، ولذلك فإن نقطة الانطلاق هذه ستساعد العلماء الذين يجرون بحوثاً حول هذا الموضوع على فهم آثارها الصحية على الإنسان بشكل أعمق». قائمة طويلة إن قائمة المواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان ثم تنتقل إلى داخل أنسجتنا طويلة جداً، وهي تصل إلى 212 مادة كيميائية من الكيماويات الموجودة في البيئة. وقد أشار آخر تقرير نُشر في هذا الصدد إلى أن الصناعات الجديدة أضافت 75 مادة كيميائية جديدة إلى هذه القائمة، بما في ذلك «البيسفينول إيه» الموجود في الكثير من المواد البلاستيكية، وعنصر «تريكلوزان» المقاوم للفطريات والبكتيريا الموجود في بعض أنواع الصابون والمنظفات، وعشرات المركبات العضوية الأخرى مثل حامض الأوكتينيك حامل الفلور (PFOA) المستخدم في صناعة أواني الطبخ والمقالي غير اللاصقة، بالإضافة إلى 29 مادة كيميائية متطايرة من الموائع والمواد سريعة التحول، مثل ميثيل ثلاثي بيوتيل إيثر (MTBE) الذي يضاف إلى وقود السيارات، وهو عنصر كيميائي غير مستقر وقابل للاشتعال وسائل عديم اللون قابل للذوبان في الماء. الصناعات الغذائية توضح نتائج التقرير المنجَز حول تعرض الجسم للمواد الكيميائية مدى انتشار هذه المواد في محيطنا وبيئتنا، فوُجود هذه المواد في شريحة واسعة من الأميركيين (10,000) يعيشون في أماكن مختلفة من الولايات المتحدة، يدل على أننا أصبحنا معرضين جميعاً لها وللأضرار الصحية التي قد تنتج عن ذلك. وفي توضيح لها، صرحت مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض بأن وجود هذه المواد في بيئتنا لا يعني بالضرورة أنها تشكل خطراً على صحتنا، ويقول الدكتور توماس بورك من كلية هوبكنز بلومبورج للصحة العامة «إذا أردت تعريض ملايين الناس إلى شيء، ما عليك إلا استخدامه في الصناعات الغذائية». الصحة العامة يثمن العلماء والمحامون على حد سواء الجهود المبذولة في هذا الإطار ويعتبرونها أمراً إيجابياً، نظراً لأن بيانات نتائج هذه البحوث والدراسات سيستفاد منها بطرق شتى وعديدة، فبينما يقوم الباحثون بالتنقيب عن الحقائق العلمية التي تربط التعرض لهذه المواد الكيميائية بأمراض ما، تراقب الجهات المختصة الملوثات الجديدة التي يُتعرف عليها، في حين يقوم صناع القرار بتعقب التغيرات المستجدة على مستوى الملوثات ويترجمون ذلك إلى قوانين وقائية تحافظ على الصحة العامة، بيد أن بعض المنظمات القانونية تتمنى أن تتخذ مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض خطوات إضافية لتوعية الجمهور بشكل مبسط بمخاطر المواد الكيميائية، وتقول صونيا لاندر، محللة أولى تعمل لدى «مجموعة العمل البيئي» الموجود مقرها في واشنطن دي سي، «ينبغي معرفة آثار هذه المواد الكيميائية بدقة على الصحة العامة ونقل صورة ذلك إلى الجمهور دون تهوين أو تهويل». قوانين وقائية تقول الدكتورة سارة جانسين، طبيبة صحة عامة في مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية، «المراقبة الحيوية ليست أمراً جديداً، ففحص نسبة الرصاص في أجسام الأطفال على سبيل المثال يجري منذ عقود، نظراً لأن هذه المادة معروفة بتسببها في مشكلات بيئية وسلوكية، وقد تم منع استخدام المواد التي تحتوي على كميات عالية من الرصاص في عدد من المنتجات أبرزها الدهانات والوقود منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي»، وتضيف جانسين «مع تراجع مستويات الرصاص في المنتجات الصناعية، انخفضت نسبة الرصاص الموجودة في أجسام الأطفال»، وما زالت نسبة الرصاص في تراجع بفضل التدابير القانونية الوقائية التي تتخذها مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض في إطار المراقبة الحيوية، وتبلغ نسبة الرصاص في دم الأطفال الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنة واحدة وخمس سنوات 1,4%، أي 10 ميكروجرام في كل ديسيلتر. وهذه النسبة التي سُجلت لدى الأطفال خلال الفترة 1999 ـ 2004 هي أقل من نسبة الرصاص المسجلة في دم الأطفال خلال الفترة 1988 ـ 1994 والتي كانت تصل إلى 4,4%. كيمياء خضراء يتمثل الجديد في آخر تقرير أصدرته مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض في كشفه عدداً كبيراً من المواد الكيميائية المصنعة الموزعة حول أجسامنا وداخل أنسجة أبداننا، وهذا يعكس الاستخدام المفرط لهذه المواد في الصناعات الحالية، كما يقول خبير الصحة البيئية بجامعة كاليفورنيا مايكل ويلسون الذي يدرس البدائل الكيميائية البديلة الآمنة والأكثر صداقةً للبيئة، أو ما يصطلح عليه «كيمياء خضراء». وتبين البيانات المدرجة ضمن بند «مراقبة المواد السامة» أن كمية المواد الكيميائية الصناعية التي تُتداول يومياً في أميركا ما بين مواد مصنعة ومستوردة تصل إلى 33,6 مليار كيلوجرام، علماً أن هذه الكمية تستثني المواد الصيدلانية ومبيدات الحشرات والوقود. سرطان وتسمم ما زالت بعض المواد الكيميائية ـ مثل مركبات بايفينيل متعدد الكلور ـ موجودة في أجسام الأميركيين كباراً وصغاراً، بمن فيهم الأطفال الذين لم يكونوا قد وُلدوا بعد، خلال نهاية سبعينيات القرن العشرين، تاريخ الحظر! لكن هذه النسبة تضاءلت عن السابق بأكثر من 80%. ومن المواد التي عُثر عليها في أجسام غالبية الأشخاص الذين أُخذت عينة من دمهم مادة الأوكتينيك حامل الفلور (PFOA) المستخدمة في صناعة المقالي غير اللاصقة، والسلفونات المشبعة بالفلور أوكتين (PFOS) المستخدمة في الإطفاء وكوي الملابس، أما باقي المواد العضوية الأخرى المستخدمة في الصناعات، فهي تتكون وتتراكم داخل أجسامنا بمستويات أعلى من تلك الموجودة في بيئتنا، وفي بحث شمل مجموعة من الحيوانات، توصل خبراء إلى أن هذه المواد الكيميائية تسبب السرطان وتسمم الكبد وتؤثر سلباً على النمو. أما فيما يخص «البيسفينول إيه» الذي ثبت تسببه في مشكلات الإخصاب والإنجاب لدى الحيوانات، فيُعتقَد أن عملية الاستقلاب في الجسم تجعله يتحول بسرعة، ومع ذلك فقد عُثر عليه في 93% من أجسام المشاركين في البحث، وتقول جانسين معلقة على ذلك «هذا يعني أننا نخزن هذه المادة على الرغم من سرعة تحويل أجسامنا لها». بين نارين وجد العلماء الذين استخدموا بيانات نتائج تقرير مراكز الوقاية ومراقبة الأمراض علاقة سببية بين بعض الملوثات والأمراض، فسبب ارتفاع انتشار المواد الكيميائية في أجسام سكان كاليفورنيا هو فرض الولاية على جميع المصانع المتخصصة في صنع الأثاث مواءمة منتجاتها مع معايير مقاومة الاشتعال والاحتراق، ويقول بوركي، «إن صناع القرار والجهات القانونية في حاجة إلى اتباع مقاربة متكاملة وتغيير مقاربتهم الوقائية الأحادية التي تتعاطى مع كل حالة على حدة، وتركز على جانب دون الآخر» ويضيف «لا أحد يجادل في تسبب «البيسفينول إيه» وملوثات أخرى في أمراض، ولا يجادل أحد أيضاً في قلة بدائل حقيقية صديقة للبيئة تغني تماماً عن استخدام هذه المواد في الصناعات في الوقت الراهن». نقلاً عن «لوس أنجلوس تايمز» ترجمة: هشام أحناش دراسات سابقة في بحث نُشر في عدد سابق من مجلة «طب الأطفال» في العام الجاري، وجد باحثون بعد دراستهم لمجموعة من 1139 طفلاً أن نسبة الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ارتفعت بنسبة 55% لدى الأطفال الذين احتوت أجسامهم على عشر مرات أضعاف المعدل الطبيعي في الجسم من المركبات الفوسفورية العضوية الموجودة في المبيدات، ووجد بحث آخر نُشر العام الجاري في مجلة «أبعاد الصحة البيئية» أن ارتفاع مستويات مادة الأوكتينيك حامل الفلور (PFOA) في الجسم كان السبب في إصابة مجموعة مكونة من 3974 بالغاً بأمراض الغدة الدرقية. وفي السياق ذاته، وجدت دراسة سابقة عام 2008 شملت 1455 بالغاً أن ارتفاع مستوى «البيسفينول إيه» في الجسم يزيد نسبة الإصابة بأمراض القلب والسكري بنسبة تتراوح بين 18% و63%.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©