الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاقتصادات النامية... وخطر الركود العالمي

الاقتصادات النامية... وخطر الركود العالمي
18 يوليو 2012
يبدو أن الأزمة المتواصلة في أوروبا والتعافي البطيء جداً للاقتصاد الأميركي بدأ يرخي بظلاله القاتمة على نمو الاقتصاد العالمي، ويؤثر عليه سواء تعلق الأمر بالصين، أو الهند، أو باقي الدول الرئيسية النامية في العالم التي دخلت بدورها مرحلة من الركود الاقتصادي المزمن. ولعلَّ ما يثبت هذا التوجه نحو تراجع النمو العالمي التقديرات الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي التي حذرت مجدداً من أن موجة التحفيزات الحكومية لإنقاذ الاقتصاد المرفوقة بخفض معدلات الفائدة لم تنجح في الاستمرار طويلاً، بل إنها تركت البلدان المعنية غارقة في ديونها ومتورطة في مشاكل أخرى لا تتيح لها مجالاً واسعاً للمناورة، واتخاذ إجراءات إضافية في حال تدهور الوضع الاقتصادي وتجذر الركود. هذا الواقع المتردي هو ما طغى لشهور عدة على المشهد العام في أوروبا، يضاف إليه ما أبداه صندوق النقد الدولي مؤخراً من قلق بالغ بشأن نسبة الديون الأميركية المرتفعة وتراكم العجز الكبير في ميزانية الدولة. بيد أن التقرير الصادر عن الصندوق يوم الاثنين الماضي، ركز هذه المرة، وبشكل خاص على القلق المتنامي إزاء الحالة الاقتصادية في العالم النامي، حيث لعبت البلدان الصاعدة دوراً أساسياً خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت تفجر الأزمة الاقتصادية في دعم النمو العالمي، غير أنها اليوم تشهد بدورها تراجعاً ملحوظاً في نسبة النمو تهدد باقترابها هي الأخرى من منطقة الأزمة التي سبقتها إليها الدول المتقدمة. ومع أن الاقتصاد العالمي ما زال بشكل عام يعيش على وقع النمو الطفيف، بحيث من المتوقع أن يصل في 2012 إلى حوالي 3.5 في المئة، وينمو بنسبة 3.9 خلال السنة المقبلة، إلا أن التوجه العام للاقتصاد العالمي يظل في غير الاتجاه الصحيح، فدخول الدول النامية في مرحلة من الركود يعني أن الاقتصاد العالمي، فقد إحدى النقاط المضيئة التي ساعدته على الاستمرار والحفاظ على الطلب العالمي. فبعد انهيار مصرف "ليمان برازر" في 2008 سارعت الدول النامية إلى خفض أسعار الفائدة وضخت مليارات الدولارات من الأموال الحكومية في الاقتصاد، وكان ذلك جزءاً من تنسيق عالمي واستجابة موحدة للأزمة الاقتصادية بتشجيع من الولايات المتحدة، وهو ما نتج عنه فوائد عظيمة للاقتصاد العالمي بسبب تزايد طلب الشركات الصينية والهيئات الحكومية على شراء المعدات والأجهزة من الولايات المتحدة وألمانيا، كما استفادت البنوك الإسبانية من استثماراتها في أميركا الجنوبية. هذا بالإضافة إلى الأرباح التي حققها المزارعون في البرازيل جراء الارتفاع القياسي في أسعار السلع، لكن الفوائد المترتبة عن التحفيزات الاقتصادية في البلدان النامية بدأت تخبـو مـع مرور الوقـت، وهو الأمـر الذي تكشف على نحو واضح في الأزمة الأوروبية المستمرة التي أثرت على النمو الاقتصادي في أميركا، هذا فضلاً عن تراجع أرقام التجارة الدولية بسبب تدني نسب التصدي. والأكثر إثارة للقلق، حسب صندوق النقد الدولي، هو عدم قدرة الدول على التدخل لحل المشاكل المستجدة بعدما استنفدت طاقتها في الموجة الأولى لعمليات الإنقاذ الاقتصادي. ففي الصين والهند والبرازيل على سبيل المثال توسعت عمليات الإقراض بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة إلى درجة أن الركود الاقتصادي الذي يلوح حالياً في الأفق يثير انشغالات جديدة بشأن تأثير الديون السيئة على أسعار الأصول وقيمتها السوقية، وهو ما يهدد الصحة المالية للبنوك. وفي الصين، حيث يكتسي الركود أخطاراً اجتماعية وسياسية، شرعت القيادة في بكين تسهيل عملية الإقراض لتوفير السيولة وتقليص معدل الفائدة بعدما انكمش الاقتصاد وتراجع النمو بشكل كبير، ومع أن الاقتصاد مازال ينمو بنسبة 8 في المئة، كما تشير التقديرات، إلا أنه تقلص بنقطتين، مقارنة بما كان عليه قبل سنتين. أما في الهند والبرازيل، حيث كان المسؤولون يشتكون من انخفاض سعر عملاتهما، الروبية والريال، بسبب وفرة المعروض من الدولار، أصبحوا اليوم يشتكون من العكس مع تنامي المخاوف من انسحاب المستثمرين الأجانب في ظل الركود، لا سيما وأن العملتين في البلدين انخفضتا بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة. ومع أن ارتفاع سعر العملة في البلدان المصدرة يؤثر سلبياً على التجارة الخارجية، ويرفع من أسعار المنتجات الموجهة للتصدير، فإن التراجع الكبير في سعر العملة ليس أمراً إيجابياً، بل يحمل في طياته أخطاراً مهمة تتمثل في انخفاض قيمة الاستثمارات المحلية. وبرغم أن عمليات سحب الأموال والاستثمارات الخارجية من البلدان النامية لم تصل بعد إلى مرحلة حرجة، يحذر صندوق النقد الدولي من احتمال دخول تلك الدول مرحلة من الركود المزمن تدفع المستثمرين إلى الهروب لتراجع العائد على استثماراتهم وتقلص العملة المحلية، وهو ما يعبر عنه الصندوق قائلاً: "إذا تحقق الركود فعلاً، وتراجع النمو في البلدان النامية التي كانت حتى وقت قريب إحدى دعائم النمو العالمي، فإن جميع الثغرات ونقاط الضغط ستطفو على السطح، الأمر الذي سيضع النظام المالي العالمي على المحك مرة أخرى، ويعيدنا إلى أجواء انطلاق الأزمة في 2008". لكن في جميع الأحوال ليس من المؤكد تحقق السيناريـو الذي حذر منـه صندوق النقـد الدولي، وإن كان الخبراء يرجحونـه علـى غيره، فلـو استفـاد الاتحـاد الأوروبـي مـن الأخطاء، واستطاع تجـاوز أزمته الحالية، أو على الأقل التخفيف منها، فإن ذلك قد يزيح بعض الأعباء عن الطلب الدولي على السلع ليعد تحريك اقتصادات الدول النامية مرة أخرى. هوارد شنايدر محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©