الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموت والميلاد

الموت والميلاد
21 أكتوبر 2010 21:42
جمالي الفائق سبب لي الكثير من المتاعب، في أيام الطفولة كنت أموت خجلاً من الثناء المفرط على رقتي، يقولون إنني نسمة، البعض ربما يكون بالغ في الوصف فيقول إنني ملاك من السماء، كل ذلك جعلني أشعر بجمالي هذا، وأختال به خاصة في مرحلة الصبا وما بعدها، وأصابتني لعنة هذا الجمال مبكراً، فلم أهتم بدروسي كما ينبغي، ولم يكن هذا وحده هو السبب في عدم تفوقي الدراسي وإنما الأهم منه الفقر الذي كنت أعيشه، فقد نشأت في أسرة بينها وبين الفقر صداقة دائمة لم تستطع أن تتخلص منها لذا لم يكن أبي أو أمي يشجعاني على الاهتمام بالتعليم ولا يلتفت أي منهما لذلك، وانسقت وراء رغباتي الطفولية من دون أن أعي أهمية العلم والتعليم، وبالكاد حصلت على مؤهل متوسط لا قيمة له. وجاءتني أول فرصة عمل لا تحلم بها أي واحدة حاصلة على الدكتوراه، كأن الأرض انشقت عنه، رجل ذي شارب كث، يخفي عينيه بنظارة سوداء سميكة، كانت تغطي جزءاً كبيراً من وجهه كأنه يحاول ألا يتعرف إليه أحد، مثل الذين يتهربون من رجال البوليس، في البداية تخوفت منه وهو يحاول أن يتقرب مني، لكنه كان جذاباً مثل المغناطيس عندما عرض عليّ العمل معه عارضة أزياء، أو كما يطلقون عليها «موديل»، وهذا يعني أنني سأتحول إلى نجمة واقتحم عالم المال والشهرة من أوسع الأبواب، لا مجال للرفض أو التردد والتفكير، فقبلت على الفور، وبالطبع رحبت أسرتي المشتاقة إلى المال بشدة. خلال أسابيع معدودة، وجدت نفسي بين الكاميرات والإعلانات وفي المجلات المتخصصة وعرفت الشهرة طريقها إليّ، وجرت الأموال بين يديّ، والأهم من هذا كله أنني الآن أجالس علية القوم وسيدات الأعمال والمجتمع، بالطبع ليس سهلاً أن اصدق ما أنا فيه، إنه حلم جميل لا أريد أن أستيقظ منه، وليتني لا أستيقظ. ودعت وسائل المواصلات العامة وأصبحت استقل السيارات الخاصة الفاخرة التي كانت طوع أمري وقد خصصها لي هذا الرجل أو المنتج، حتى وأنا بين العارضات كنت متميزة وكما يقولون إنني جميلة الجميلات، ولا أخفي أنني أصبت بالغرور، ولم يكن هذا الوسط كله جميل الصورة، فقد تعرضت لمضايقات وتصرفات كثيرة، ولأنني رفضتها لم يكتب لي الاستمرار في هذا الحلم ، فكنت مثل النائم الذي يصحو ويغفو، يخرج من حلمه ثم يعود إليه، تراجعت الأموال سريعاً من بين يدي ولم تعد كما كانت. تقدم شاب لخطبتي بعد أن تعرفت إليه من بين المشاهير، كان رياضياً حاصلاً على العديد من البطولات في إحدى الألعاب الفردية، لكنه اعتزل ولم يعد يعرفه أحد، وليست هناك بقايا له من الأموال، أي أن الحال من بعضها، كنا متشابهين في ظروفنا تقريباً، لم تمانع أسرتي لأنني لم تعد لي فائدة مالية، ومن ناحية أخرى يتخلصون من أعبائي، ورغم أنني لا أعرف عنه الكثير فقد وافقت عليه. زوجي شخصية غريبة متناقضة، لا تجد مثلها حتى في الروايات الخيالية، يعيش في ترف وهو لا يملك شيئاً يحيا على الأطلال والماضي، كأنه ملك مطرود مخلوع وفيه أنفة واستكبار وهو لا يملك سلطة ولا مالاً، وأرى أن هذه كلها سلبيات؛ لأنه يعيش في الأوهام ولا يعترف بالواقع، أما الأسوأ، فقد كان يتعاطى المخدرات والخمور بشراهة لدرجة أنها لم تعد تؤثر في عقله ومهما شرب لا يغيب عقله، وأصبح أسيراً لنزوته ضعيفاً أمامها. حاول كثيراً أن يجرني معه في هذا المستنقع، حجته أننا يجب أن نساير العصر وأن نرقى إلى مرتبة الأشخاص الذين نتعامل معهم ولا نكون أقل منهم في المستوى، أحياناً أقاومه وأحياناً أخرى لا أستطيع، نصحته بأن يترك هذا الطريق كله، ولا أغالط وأقول إن هذا الخوف من قبيل الالتزام، وإنما من السجن وعاقبة السوء، لكن باءت محاولاتي بالفشل، ولم يثنه حتى بوادر الحمل وأنه قريباً سيكون أباً وسنرزق طفلاً بحاجة ماسة لنا ولأموالنا. صديقتي القديمة، أرملة تكبرني بعدة سنوات، ترك لها الراحل أموالاً لا حصر لها في البنوك كانت الوريثة الوحيدة له، وفيلا في حي راقٍ ثمنها عدة ملايين، بجانب الشركات والمصانع، لا تعرف كم تملك، لم تتزوج بعد الراحل رغم بقية أنوثة مازالت فيها لأن كل الذين تقدموا لها لم يكن لهم هدف إلا الطمع في أموالها حتى تخطت الخمسين وأصبحت على مشارف الستين، أصابها الاكتئاب فبدأت البحث عن المتعة أينما كانت، لجات إلى الخمور والمخدرات مثل زوجي، لذا عندما دعتني لزيارتها كانت العوامل المشتركة للتفاهم بينهما مهيأة ومتوافرة، حتى أنه كان يختلق الحجج والمناسبات لزيارتها. لم أقرأ ما كان يدور في رأس زوجي إلا عندما كنا ثلاثتنا معاً في إحدى هذه السهرات ودخل معها في سباق محموم في الشراب حتى كادت تفقد الوعي، حينها همس في أذني وأفصح عن نواياه بأنه يعتزم سرقتها بعد أن تذهب الخمر برأسها، حاولت أن أمنعه، لكنه أصر بشد، معتبراً أن هذه فرصة العمر ولن تصل إلينا الشكوك أبداً، وبالفعل قام يقلب في حافظة نقودها واستولى عليها وإذا بها مازالت تقاوم آثار الشراب ولم تغب تماماً عن الوعي، فحاولت أن تقاوم أو تصرخ وتستغيث، فخشي افتضاح أمره وضربها بزجاجة على رأسها كانت القاضية ولفظت أنفاسها، جمعنا ما خف وزنه وغلا ثمنه وخرجنا متسللين في جنح الظلام. عاتبته على ما آلت إليه الأمور، فصفعني على وجهي صفعة تطاير معها الشرر من عيني، بث الرعب في نفسي إذا تفوهت بكلمة واحدة عن هذا الموضوع، وفي الأيام التالية كانت صورة جثة الأرملة العجوز في صدر صفحات الحوادث بالصحف وان رجال الشرطة يجمعون المعلومات عن المجرم، وكلما مر يوم نمني أنفسنا بالنجاة والإفلات من العقوبة، يرتجف قلبي كلما قرأت موضوعاً لمتابعة الجريمة، يكاد يسقط في يدي عندما تصادفني كلمات تقول إن الشرطة اقتربت من تحديد شخصية الجاني، نعم نحن لم نترك وراءنا أي دليل يوصل إلينا، ولا أحد يعرف علاقتنا بها، لكن من أين لنا أن نكون في مأمن من الشبهات؟ وما يدرينا أننا لم نترك خلفنا أي أثر يوصل إلينا؟ إن الهواجس والأفكار تتلاعب برأسي مثل قشة في الأمواج العاتية. مضى أكثر من أسبوع ونحن في أمان تام حتى أطمأن زوجي بأن الأمور قد هدأت وأن رجال البوليس على وشك إغلاق الملف، وأن النيابة ستتخذ قرراها بقيد القضية ضد مجهول، قرر زوجي أن نعيش حياتنا بشكل طبيعي حتى لا تحوم حولنا الشبهات ولنبدأ الاستمتاع بالأموال التي حصلنا عليها، وبالطبع لن نتصرف في المجوهرات؛ لأننا علمنا من خلال الصحف أنه تم توزيع نشرة بمواصفاتها على تجار المصوغات والمجوهرات، اتفقنا على أن نخرج الليلة إلى الطبيب كي اطمئن على وضع الجنين خاصة أنني في نهاية الشهر الثامن ثم نتجه لقضاء سهرة فرفشة تخرجنا من حالة الكآبة التي تغمرنا منذ أن تلطخت أيدينا بالدماء، واستمرت السهرة إلى ما بعد منتصف الليل، وقاد زوجي السيارة الصغيرة التي كنا نملكها وعدنا إلى البيت وفي الطريق استوقفنا ضابط المرور وطلب من زوجي التراخيص فدس يده في جيبه وأخرجها له. في لحظة كنا محاطين بعشرات من الضباط والجنود وأمرونا بالخروج من السيارة، ونحن نعتقد أن السبب أو المشكلة في التراخيص أو ربما تكون منتهية، لكن سرعان ما وضعوا في أيدينا القيود وعلمنا أن أمرنا قد انكشف بأهون سبب لا يخطر لأحد على بال أبداً، إذ أن زوجي مازال يحتفظ بالبطاقة الشخصية للقتيلة التي حصل عليها من حافظة نقودها وأنه وضعها بين أوراقه الثبوتية وأعطاها للضابط مع تراخيص السيارة دون أن يدري. تم رفع بصماتنا من مسرح الجريمة وكانت أول دليل عملي ضدنا خاصة بصمات زوجي التي كانت على الزجاجة التي قتلها بها، لم نجد مفراً من الاعتراف، وأمرت النيابة بحبسنا وتقديمنا لمحاكمة عاجلة وهي تطالب بمعاقبتنا بالإعدام، صرخت صرخة مدوية هزت المكان، أعتقد من حولي أنها خوف من حبل المشنقة الذي ينتظرنا، بينما هي في الحقيقة كانت من آلام المخاض، ووضعت مولودي الأول وأنا خلف القضبان ومازال حبيساً معي بلا ذنب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©