السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن والاستعجال في التعامل مع بورما

18 يوليو 2012
"إن جوهر استراتيجيتنا (الآسيوية) -الجزء الذي يحافظ على بقية مكونات هذه الاستراتيجية متماسكة- هو دعمنا للديمقراطية وحقوق الإنسان"، هكذا قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الاثنين قبل الماضي. وبعد يومين على ذلك، رفعت إدارة أوباما القيود على الاستثمار الأميركي في بورما. وبذلك، بات بإمكان الشركات الأميركية اليوم الدخول في شراكات مع تكتل شركات الطاقة المملوكة للدولة -"شركة نفط وغاز ميانمار"- التي تضمن عائداتُه للنظام العسكري قمع شعبه والحروب المستمرة ضد المعارضين الإثنيين. ولكن، لماذا الآن؟ بورما (المعروفة أيضا بميانمار) تشهد حالياً انفتاحاً سياسياً متحكماً فيه يهدف إلى إضفاء الشرعية على نظامها، وتحويل إمكانات نموه، واستعمال شركاء غربيين كوسيلة وقائية ضد الصين. وقد شجعت السياسة الأميركية ذلك من خلال انخراط تدريجي: ومثلما قالت كلينتون هذا العام، فإن واشنطن ستتبع "التخفيف المحدد" للعقوبات الأميركية تدريجياً من أجل الاحتفاظ بتأثير على بورما، مع العمل في الوقت نفسه على تشجيع إصلاح سياسي حقيقي في البلاد. وقد قامت الإدارة الأميركية بذلك لأن المسؤولين يعرفون أنه على الرغم من التقدم الملموس الذي تم تحقيقه، فإن انفتاح بورما السياسي يظل هشاً وقابلاً للانتكاس؛ حيث مازال الجيش محتفظاً بسيطرة قوية على البرلمان، ومستعداً لقمع معارضة منظمة، ويواصل حملاته العسكرية ضد الأقليات الإثنية. ولكن الإدارة الأميركية أيضاً مازالت، مثلما قال الرئيس أوباما يوم الأربعاء الماضي، "قلقة كثيراً بشأن انعدام الشفافية في البيئة الاستثمارية لبورما ودور الجيش في الاقتصاد". والواقع أن رفع عناصر من الحظر على الاستثمار الأميركي في بورما يمثل جزءاً معقولاً وحصيفاً من استراتيجية أميركية لتشجيع تقدم بورما نحو انفتاح أكبر والمساعدة على تحسين حياة شعبها الذي عانى طويلاً، ولاسيما بالنظر إلى أن رهانات كلا البلدين الإنسانية والجيوسياسية. غير أن مثل هذه المقاربة يجب أن تكون قائمة على خلق فضاء سياسي واقتصادي أكبر خارج سيطرة النظام -أو على الأقل زيادة الشفافية والمحاسبة من قبل هيئات يراقبها النظام. والحال أن السياسة الأميركية الجديدة لا تفعل ذلك. وحتى الآن، كانت مقاربة إدارة أوباما منسجمة مع "أونج سان سو كي"، الحائزة جائزة نوبل، والتي فازت العام الماضي في آخر انتخابات حرة في بورما، وزعيمة الحزب الذي حصل على 95 في المئة من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. فقد كانت مقاربة الإدارة التدريجية القائمة على تخفيف العقوبات تنسجم مع تحذيراتها من المراهنة العمياء على عملية الدمقراطة المستمرة والتي لا رجعة فيها في بورما. وتلك كانت سياسة ذكية، نظراً لأن "أونج سان سو كي" مازالت تمثل الرافعة الأكثر تأثيراً من أجل تغيير إيجابي داخل بورما. كما أنها حرصت أيضاً على أن يكون ثمة دعم من الكونجرس للانخراط مع بورما، وهو أمر كان من الصعب تحقيقه في الماضي. والواقع أن "أونج سان سو كي" لم تكن في يوم من الأيام ضد تخفيف العقوبات، إلا أنها حذرت الحكومات الأجنبية صراحة من الاستثمار في قطاع الطاقة المملوك للدولة إلى حين تبني بورما إجراءات مقبولة دولياً للشفافية والمحاسبة. وقالت الشهر الماضي: "إن بلدانا أخرى تستطيع المساعدة عبر عدم السماح لشركاتها بالدخول في شراكات مع "شركة نفط وغاز ميانمار" إذا لم توافق هذه الأخيرة على مثل هذه القوانين". والحال أنه من خلال قرارها الأخير القاضي برفع عناصر كبيرة من الحظر على الاستثمار في قطاع الطاقة، تجاهلت إدارة أوباما هذا النداء. ويوم الخميس الماضي، قالت "أونج سان سو كي"، وهي سياسية ذكية تدرك أنها لا يمكنها تحمل عزلة من واشنطن، إن إنهاء قيود الاستثمار ليست "شيئاً مهماً" - مجددة التأكيد في الوقت نفسه على دعوتها إلى المجتمع الدولي للضغط على "شركة نفط وغاز ميانمار" من أجل تبني قواعد السلوك التي ينص عليها صندوق النقد الدولي. المدافعون عن رفع الحظر على الاستثمار يقولون إن الشركات الأميركية ستحدد معايير أعلى بخصوص الشفافية والمسؤولية الاجتماعية للشركات. وهذا صحيح -وإن كان من غير الواضح ما إن ذلك سيكون له تأثير على المستثمرين غير الأميركيين أو النظام في بورما - غير أن الحجة التي يدفع بها الزعماء الحكوميون والتجاريون الأميركيون، والقائلة بأن رفع القيود على الاستثمار في قطاع الموارد الطبيعية لبورما من شأنه تشجيع حقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية ستقابل بتشكك من الديمقراطيين البورميين الذين كرسوا حيواتهم لهذه القضية، والذين يعتقدون أنه لن يؤدي إلى ذلك. وقد تسرعت إدارة أوباما على ما يقال في اتخاذ هذا القرار من خلال لجنة نواب منقسمة من مجلس الأمن القومي، متجاهلة معارضة شديدة من أعضاء مهمين في الكونجرس يعارضون إلغاء شاملاً للحظر على الاستثمار في بورما، وذلك من أجل إيجاد شيء جاهز لزيارة كلينتون إلى المنطقة هذا الأسبوع. غير أنه من خلال اختلافها العلني مع المعارضة الديمقراطية في بورما حول مثل هذا الموضوع المهم، ستجد الإدارة الأميركية أن "أونج سان سو كي" لم تعد توفر غطاء سياسياً لسياسات الولايات المتحدة. وسيجد البيت الأبيض نفسه يتحمل جزءاً أكبر من المسؤولية عن عنف الجيش البورمي المستمر ضد أقليات إثنية، إضافة إلى أي علاقات نووية مع كوريا الشمالية، وإحباط آمال الشعب البورمي في تغيير سياسي دائم. مايكل جرين - مستشار بمركز «الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن» دانييل توينج - باحث بقسم آسيا في «صندوق مارشال» الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©