السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألم الداء

ألم الداء
20 أغسطس 2006 01:35
سعاد جواد: suad-jawad@hotmail.com: يا ربي هل ستسامحني على ما فعلت في نفسي؟ وهل ستعيد لي صحتي وعافيتي كما كانت من قبل؟ أعلم انني قد اذنبت ذنباً كبيراً، وانني قد اجرمت وجنيت على نفسي، ولكني أعلم جيداً بأن رحمتك واسعة ومغفرتك اكبر من ذونبي كلها· أنا في أشد الحاجة للشفاء··· اتمنى ان اتخلص من جميع متاعبي· اتمنى ان تنتهي كل موجات الألم التي تجتاحني وتدمرني باستمرار· سأصبر··· نعم سأصبر لأنني أعلم بأن ربي لن ينساني وانه بالتأكيد سيساعدني على تخطي ما أنا فيه· ولكن موجات الألم تدمرني من جديد· اصرخ من شدة الألم وجسدي كله ينتفض ويرتعش ولكنني سأستمر في الكتابة، لن اتوقف حتى أكتب سطور حكايتي ليعرفها جميع الشباب ليحذر الجميع من الخطر المحدق بهم، ليكونوا اذكياء فلا يجعلوا مشاكلهم وما يمرون به من صعوبات في الحياة سبباً في ضياعهم· عشت في أسرة سعيدة، لم اكن احس بتلك السعادة إلا بعد أن خسرتها· الإنسان لا يحس بالنعمة إلا إذا حرم منها··· للاسف، هذه هي الحقيقة· كنا نعيش في رغد ونعيم، أمي وأبي وأنا وشقيقتيّ· والدي إنسان طيب ورائع، كل همه في الحياة اسعاد أسرته· كان رحمه الله رحيماً ودوداً يغمرنا بعطفه واهتمامه في كل لحظة كان يقضيها معنا، وما أكثر وأطول تلك الاوقات، خصوصاً بعد ان أحيل إلى التقاعد وبقي في المنزل، فأغدق علينا المزيد من العطف والاهتمام وكأنه يعلم بأنه سيتركنا ويرحل، وسنبقى نذكره في كل ثانية ونترحم عليه من اعماقنا· والدتي جزاها الله كل الخير لم تكن أقل من الوالد في حنانها وحبها لنا· انها ربة بيت لم يشغلها شيء عن العناية بأولادها وزوجها وبيتها· لم نكن نتصور بأن الدنيا لديها وجه آخر غير الذي عشناه· لم نكن نعرف ما هو الحزن، وما هي الكآبة وما هو الخوف من المجهول· لم نفكر بشيء اطلاقاً حتى حدث ما حدث· بداية المأساة بشكل مفاجىء وغير متوقع رحل الوالد رحمه الله· ترك كل شيء واختار جوار ربه· تركنا ونحن في حالة ذهول وصدمة· لم نتقبل تلك الحقيقة، كانت صعبة علينا· رفضناها ولم نتكيف بسهولة مع اختفائه المفاجىء··· ولولا ايماننا لضعنا كلنا· الوالدة جزاها الله خيراً حاولت جهدها أن تهون الصدمة علينا· حاولت أن تعوضنا عما خسرناه بمزيد من الحب والاهتمام· زرعت في قلوبنا القناعة والصبر وساعدتنا على تحمل الصدمة حتى سارت الأمور على مجراها الطبيعي وهدأت نفوسنا بالتدريج· مرت الأيام··· ثقيلة صعبة وقد ازدادت صعوبتها نتيجة الضغوط المادية التي اطبقت علينا· بدأنا نتخلى عن مظاهر الراحة التي كنا ننعم بها من قبل وشيئاً فشيئاً اخذت الوالدة ببيع بعض قطع الاثاث لتسد احتياجاتنا، فراتب التقاعد الذي تركه لنا والدنا لم يكن يكفي ولم يستطع مواجهة موجة الغلاء التي هبطت على رؤوسنا، ثم أن سوط الديون البنكية لم يكن يرحمنا فاضطررنا لبيع البيت الذي ضم أجمل حياتنا مع والدنا الغالي· ماذا نفعل غير ذلك؟ انه الحل الوحيد للتخلص من تلك الديون· بعنا البيت واشترينا بيتاً صغيراً قديماً شبه مهجور· اجتمعنا في ذلك المنزل وكان اليأس مسيطراً على نفوسنا فاخبرتنا الوالدة بأننا يجب أن نتجاوز كل صعوبات الحياة ويجب ان نرتقي من جديد درجات السلم لنعود كما كنا عليه سابقاً، وبالطبع فإن العلم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك· فالاحلام والأماني ستبقى حبيسة ما لم يرافقها الاصرار على النجاح والتفوق· اقنعتنا بمنطقها فتفرغنا للعلم وتفرغت هي لتدبير شؤوننا لوحدها بلا مساعدة من قريب أو غريب· صارت هي الرجل وهي المرأة وهي كل شيء في اسرتنا· ثم قررت أخيراً ان تعمل كي تزيد من دخل الأسرة فلا نحتاج لأحد· فصارت تخرج للعمل على الرغم من معارضة الأهل لتلك الفكرة· معارضة قوية الغريب هو أن عمي وعمتي جاءا الينا بعد انقطاع طويل· لم يأتيا للاطمئنان علينا كما هو متوقع ولكنهما جاءا لتهديد الوالدة بأخذنا من حضانتها وهما يتهمانها بالانحلال وسوء الأخلاق لأنها تخرج للعمل وهذا بالطبع لا يليق بسمعتهما··· يا الهي، هل هذا معقول؟ لم يسألا عنا منذ وفاة الوالد، ولم يساعدانا في شيء وها هما يجيئان بعد ذلك الغياب ليلقيا ذلك الاتهام الخطير وذلك التهديد الغريب· مسكينة أمي، تحملت ما لم يتحـــــمله انسان· خافت من تهديدهما وتركت العمل وجلست في المنزل مكتوفة اليدين· تقدم رجل طيب الخلق يريد الزواج من هذه الارملة البائسة· الكل إستغرب··· ما الذي دفع بمثل هذا الرجل ميسور الحال للارتباط بمثلها؟ لقد نسوا بأن رحمة الله هي التي أرسلته لانقاذها في الوقت المناسب· ولكنها كانت مترددة· راحت تفكر وتفكر وتعيد التفكير وهي خائفة على أولادها· فإن تزوجت فهي لا تدري إن كان الرجل سيعتني بهم وان رفضته فإنها ربما ستحرمهم من حياة طيبة ووضع مادي مستقر يمكن أن يتوفر لهم· بعد تفكير طويل وصراع نفسي مرير قررت ان تقبل بذلك الزواج· انتقلنا إلى منزل زوج أمنا وقد أدركنا مع الوقت بأن قرار الوالدة كان من صالحنا لأن زوجها كان كريماً وطيباً معنا لم يقصر في شيء أبداً· حياة جديدة كل شيء كان طيباً وسرعان ما تأقلمت اختاي وأمي مع حياتنا الجديدة· أما أنا فكان وضعي مختلفاً عنهم· فقد وجدت شيئاً باعماقي يرفض الوضع الجديد· هذه هي الحقيقة· احسست بعقدة الذنب··· وانني مسؤول عن عدم قدرتي على العمل وعلى تحمل مسؤولية أسرتي وعلى زواج أمي من رجل غريب· شعرت بأنني كنت مسلوب الإرادة، لم أقم بما يتوجب عليّ وانني تركت أمي تتحمل المسؤولية لوحدها، وانني لو استطعت أن اعمل لما تركتها تتزوج رجلاً غير والدي· صحيح انه رجل طيب ولكنه احتل مكان والدي· هذا الشيء يوجع قلبي بشدة· حاولت اخفاء مشاعري··· حاولت ألا أعكر اجواء السعادة التي تعيشها أمي واختايّ··· فحبست كل شيء في اعماقي· في المدرسة تعرفت على مجموعة من الاصدقاء كنت بحاجة اليهم· اوهموني بأنهم يحبونني· جعلوني اشعر بأنني لست وحيداً في هذا العالم· شعرت معهم أنني رجل، وأنني استطيع أن اتخذ أي قرار اريده· كنت سعيداً بصحبتهم، ولم أشعر بأنهم يريدون جري إلى التيار الذي جرفهم من قبل· اختاروني من بين كل الطلاب لأنني متفوق· ارادوا كسبي لأجل مساعدتهم على الغش والنجاح في الامتحان· أشعروني بأنني شخص مهم للغاية وبأنهم يعتمدون عليّ، وبذكائهم عرفوا معاناتي الداخلية· جعلوني اصرح بها كي ارتاح اليهم أكثر واطمئن لصحبتهم أكثر··· حتى اصبحت متأكداً من انهم اصدقائي الأعزاء الذين يهمهم أمري، وهم كالاخوة بالنسبة لي، وكان ذلك شعوراً رائعاً جداً· بداية الانجراف في جلسة ودية بيني وبينهم عرض عليّ احدهم سيجارة، كانت من نوع آخر· تحداني قائلاً: هذه السيجارة لا يدخنها إلا الرجال الاشداء· انزعجت من طريقته المستفزة وأخذت من يده تلك السيجارة ودخنتها· لم أكن أدري بأنها تحتوي على مادة الهيروين· دخنتها وكاد أن يغمى عليّ من شدة السعال· كدت اختنق ولكني شعرت بعدها بتنميل وخدر في جميع اجزاء جسدي· ثم شعرت بأن عقلي قد تحرر من السيطرة فانطلقت الافكار سابحة في فضاء غير متناهٍ فلا استطيع الامساك بها· فضحكت وفرحت لأنني صرت خفيفاً لا تثقلني الاحزان··· حتى لساني صار طليقاً يتحدث بما يريد على الرغم من ثقله· كل تلك المشاعر رحلت بالتدريج وخلفت وراءها ثقل في جسدي وألم شديد برأسي وخمول وكآبة واحاسيس متبلدة ورغبة قوية لسيجارة أخرى· كانوا كرماء معي فأعطوني غيرها، واخبروني بأنها ستزيل جميع همومي وتجعلني اطير بلا جناحين متحرراً من كل الضغوط النفسية، ومن كل المشاكل التي اعاني منها· لقد استغلوا نقطة ضعفي··· فدخنتها بدون تردد وأنا أحلم بذلك الشعور الغريب الذي منحتني إياه السيجارة الأولى فعدت لبيتي متأخراً تلك الليلة· في صباح اليوم التالي جاءت والدتي لتوقظني كعادتها فلم استطع النهوض· كنت منهكاً ومرهقاً لا استطيع الذهاب إلى المدرسة، فاعتقدت الوالدة بأنني مريض وتركتني لأخذ قسطاً كافياً من النوم· بعد أن افقت في ساعة متأخرة من النهار اقترحت عليّ بأن تأخذني إلى الطبيب فأخبرتها بأنني بخير ولا داعي للقلق· تكرر الأمر معي، وصرت عاجزاً عن الذهاب إلى المدرسة· وقد لاحظ الجميع الارهاق والتعب وعدم الالتزام بالصلاة والتغيب عن المدرسة ورجوعي متأخراً كل ليلة· عاتبتني والدتي ورجتني ألا أخرج من البيت· لم اتعود أن اخالفها· بقيت ليلة واحدة ولكنني شعرت بآلام شديدة في انحاء جسدي وبوخز الإبر الذي دمرني وجعلني اصرخ بلا وعي مني من شدة الألم· جاءت أمي فزعة فوجدتني انتفض في سريري واصرخ قائلاً: انقذوني فذعرت وهي لا تدري ما تفعل· فدق جرس الباب وجاء أحد اصدقائي بعد أن اتصلت به والدتي واخبرته بوضعي· فتحت له اختي الباب فطلب رؤيتي فأخبرته بأنني مريض فأسرع إليّ وطلب من والدتي تركنا لوحدنا لدقائق· خرجت أمي وهي حائرة لا تدري ما يحدث· وفعلاً تحسنت حالتي بمجرد أن دخنت سيجارة احضرها لي وما هي إلا دقائق حتى عدت لوضعي الطبيعي وخرجت اليها لأطمئنها على صحتي وأنا اضحك وكأن شيئاً لم يكن· وكان الجميع مستغرباً لما يحدث معي· مرحلة الادمان زودني الاصدقاء بمجموعة من السجائر وسافروا لقضاء فترة الاجازة في احدى الدول، وقد كان عليّ أن انظم استخدامي لتلك السجائر حتى عودتهم ولكني تعاطيت السجائر بسرعة الواحدة تلو الأخرى لأنني لم استطع تحمل كمية الألم الذي تخلفه السيجارة بعد زوال مفعولها··· فماذا حدث؟ لم استطع أن اتصرف، فاصدقائي خارج البلد ولا اعرف مصدراً سواهم يمدني بالسجائر· انتابتني حالة هيجان فأخذت اكسر اثاث المنزل وصرت امزق ثيابي من شدة الألم وأكاد امزق جلدي من قوة الهرش والحكة· كانت أمي حائرة في وضعي لا تدري ماذا يحدث لي فنصحتها صديقتها بعرضي على طبيب نفسي فرفضت، ولكنها عندما وجدتني ملقى على الأرض اخذتني هي وزوجها إلى الطبيب فأخبرهم بأنني مصاب بالادمان فصدم الجميع· الكل يحيطني بالرعاية والاهتمام وأنا خجل من موقفي ومن كل تصرفاتي· احاول أن استعيد نفسي· احاول أن اعود لآدميتي· نادم··· معذب··· متألم··· ماذا فعلت بنفسي؟ اطلب صفح ربي·· وأصبر حتى اصل إلى بر الامان من جديد وتكون تجربتي المؤلمة عبرة لي في ايامي القادمة· لذلك قررت عرض هذه التجربة المريرة عسى أن تكون درساً لكل الشباب ليحذروا من اصدقاء السوء·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©