الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جيرار ليكلرك يستقصي أهمية أصل المثقف التاريخي والاجتماعي

23 يوليو 2013 00:18
عصام أبوالقاسم (الشارقة)- يسأل الفرنسي جيرار ليكلرك «مواليد 1943» في كتابه «سوسيولوجيا المثقفين»: لماذا نولي مسألة أصل المثقفين، التاريخي والاجتماعي، أهمية معينة؟ ولماذا نحاول ان نعرف متى ظهروا ومن أية طبقة يتحدرون؟ لا يقترح ليكلرك إجابة محددة على هذه الأسئلة التي يطرحها في مدخل الفصل الثالث من الكتاب، ولكنه يستغرق في تقديم العديد من الرؤى المثيرة حولها. لقد مر أكثر من قرن على وجود المثقفين، يقول ليكلرك في تقديمه الكتاب، ويلفت هنا إلى ان أهل الاختصاص أجمعوا في غالبيتهم على التأكيد أن المثقفين قد ظهروا بمناسبة قضية دريفوس(1894ـ 1906..)، لكن، يذكر المؤلف، ليس هناك ما يمنع استخدام التسميّة قبل ذلك التاريخ، فثمة مثقفو العصر الوسيط كما هناك المثقفون في اليونان القديمة؟ منهج وفي تقديمه لكتابه، الذي ترجمه إلى العربية جورج كتوره وصدر عن دار الكتاب الجديد، يتكلم الفيلسوف الفرنسي عن صعوبة منهجية في مقاربة موضوع المثقف، وان هذه الصعوبة نابعة من حقيقة ان: المثقف يمزج بين الانتماء «لمهنة عقلية» وبين الموقع المؤسساتي، يضاف إلى ذلك الالتزام الفردي مع تركيز نفسي، نظري وعاطفي في آن. ويفصّل المؤلف العائق المنهجي الذي يمكن ان يصادف أية مقاربة تتعلق بتاريخ المثقفين في ثلاث نقاط: فثمة، أولاً، مقارنة المثقفين بسواهم من المجموعات الاجتماعية. ينتمي المثقفون إلى مركز المجتمع: بعضهم قريب إلى السلطة السياسية «أو الاقتصادية». ثانيا هناك: الانفصال بين الاسماء «المثقفة» الكبيرة والاسماء المغفلة. ثالثا: وفرة خطاب المثقفين حول انفسهم بالذات، إذْ: يعتبر المثقفون من أصحاب البلاغة الذين يطلقون خطاباتهم في كل نوع. إنهم من أناس «الفضاء العام» بالمعني التاريخي، الاجتماعي والرمزي الذي حدده هابرمس. تالياً يقرأ اسهامات عدة قدمها علماء اجتماع في الولايات المتحدة وتناولوا عبرها طبيعة المثقف ووظيفته من امثال كوزر «»coser وشيلز «shills» هوفشتادتر «hofster» وسواهم. ومما نقرأه في هذا السياق هناك تحديد «ليبست» للمثقفين بوصفهم» من يبدع ويوزع ويمارس الثقافة، أي العالم الرمزي الخاص بالانسانية والذي يتضمن الفن والعلم والدين» أما كوزر بدوره فقد حدد المثقفين بوصفهم الافراد «الذين يعنون بالقيم المركزية في المجتمع». يتابع ليكلرك: المثقفون، يقول كوزر، هم المتحدرون من الكهنة والانبياء والرهبان والمتعلمين أو هم ورثتهم، انهم المعنيون بالدرجة الأولى بالبحث عن الحقيقة وبالاحتفاظ بها، بالقيم الجمعية المقدسة، تلك التي تتحكم في جماعة وفي مجتمع وفي حضارة. هل للمثقفين أجداد أو هل لهم ممهّدون؟ يطرح ليكلرك السؤال ويجيب: لا يمكن جعل رجال الدين أو المتعلمين ضمن فئة واحدة متجانسة، فلرجل الدين موقعه في غالب الاحيان في مجتمع ذي نمط لاهوتي، حيث السيطرة تكون للكتب المقدسة، أما المتعلم فموقعه على الارجح داخل مجتمع «علماني» أو «دنيوي» حيث النصوص الأشد سطوة هي نصوص الكلاسيكيين، أي نصوص كتّاب انتجوا معرفة لا يمكن النقاش فيها أو انها مؤشر على اليقين في أقلّ الظروف. وفي زاوية تحت عنوان «المثقف والجامعة»، يبين ليكلرك انه اذا امكن اعتبار رجل الدين المسيحي والبرهمي الهندوسي والموظف الصيني العالي الرتبة وكتبة الانبياء اليهود بمثابة الممهدين للمثقف فإن هذا الاخير هو محصلة «علمنة العقائد»، خاصة بعد ظهور الجامعات المتخصصة في المعارف التجريبية والتقنية. يوضح الكاتب ان تعريف المثقف له تاريخه الخاص في السياق الفرنسي، ولكي يوضح ذلك يعود إلى قضية الضابط ألفرد دريفوس الذي ادين ـ وهو يهودي الاصل ـ من قِبل المجلس الحربي الفرنسي، بالنفي الدائم بتهمة تسليم وثائق إلى السفارة الألمانية. عند خلع رتبته العسكرية عنه بشكل علني في يناير 1895 اطلقت صرخات وسط الجماهير بإعلان «الموت لليهود» وفي مارس من ذات السنة اكتشف الكوماندان بيكار وهو قائد استخباراتي أن دريفوس كان بريئا وان المتهم أو المجرم الحقيقي هو ضابط اخر. إلا ان الجيش حاول اخفاء نتائج تحريات الكوماندان، حينذاك انقسم المشهد الفرنسي إلى معسكرين، هناك من هم مع دريفوس وثمة من هم ضده. في تلك الأجواء طرح اميل زولا مبادرة سرعان ما التف حولها البعض، وعُرف عنه، أي عن زولا، دفاعه الحار عن دريفوس. كتب زولا مقالة بعنوان «اني اتهم» في يناير 1898 وفي فبراير من سنة العام ظهرت في الصحف تواقيع مساندة لزولا، وضمت اسماء اساتذة وطلاب جامعات وكتّاب، مثل: اناتول فرانس وبيير لويس وكاوكتاف، وضمت ايضا اندرية جيد ومارسيل بروست. في تلك اللحظة برز تعبير «المثقفين»، فلقد وصفت صحيفة باريسية عريضة التواقيع بـ «بيان المثقفين». من هنا صدر للمرة الأولى تعبير المثقفين، ولكن بحمولتين مختلفتين فمن هم في طرف دريفوس اعطوا الكلمة تعبيرا ايجابيا فيما معناها لدى الطرف المعادي لدريفوس: جماعة من الاغبياء». مع مرور الوقت، استقر معنى مصطلح «المثقف» بمعناه السائد الآن تقريباً. ليكلرك يقرأ ايضا تاريخ كلمة مرادفة للمثقف وهي « الانتجلنسيا» ومصدرها روسيا وهو يرجح انها ظهرت في 1865. المثقفون ووسائل الاعلام، عن المثقفين الاعلاميين، المثقف والحزب، المثقف والايديولوجيا، أممية المثقفين، شهرة المثقف.. الطتابة الادبية وكتابة المثقف...، كلها محاور يتطرق اليها هذا الكتاب ويقدم عبرها المزيد من المعلومات حول المسارات المختلفة التي اتخذتها مسيرة المثقف. جيرار ليكلرك، مؤلف هذا الكتاب، درس الفلسفة في جامعة السوربون، وحاز الدكتواره في الانتربولوجيا من مدرسة الدراسات العليا في الاجتماعية 1969، ومن مؤلفاته: الانثربولوجيا والاستعمار، تاريخ السلطة، مجتمع التواصل والعولمة الثقافية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©