الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا والإرهاب الآخر

25 يوليو 2011 22:28
كان يمكن لأي حادث أقل دموية وضحايا أن يثير الهلع في أي بلد إسكندنافي هادئ، فكيف بتفجير وإطلاق نار أوقعا في يوم واحد ما يقارب مئة قتيل وعدداً كبيراً من المصابين. هذا بلاشك "11 سبتمبر النرويجي"، وهو يدق ناقوس الخطر في البلدان المجاورة حيث الأوضاع الاجتماعية متقاربة، وحيث كانت التحذيرات الأمنية تلتفت إلى مخاطر ربما تأتي من الخارج. لم يكن أحد يشتبه بأن الاحتقانات السياسية، على رغم تعاظمها، يمكن أن تبلغ هذا الحد من العنف. منذ حادث العاصمة السويدية قبيل عيد الميلاد في ديسمبر الماضي، اعتبرت عواصم غرب أوروبا أنها مدعوة إلى أقصى درجات اليقظة والحذر من خطر تنظيم "القاعدة" وتهديداته. لكن استوكهولم سرعان ما تجاوزت التفجير المحدود وغير الحرفي الذي شهدته، ومضى الوقت من دون أن ينفذ هذا التنظيم الإرهابي وعيده. ولذلك عندما انتشرت أنباء الحادثتين في النرويج كان من الطبيعي أن تتجه الشكوك إلى "القاعدة"، وسرعان ما تذكر الخبراء أن النرويج مشاركة في قوات التحالف الدولي في أفغانستان (إيساف)، وبالتالي فإن "القاعدة" و"طالبان" طالما أنذرا الدول المشاركة بضرورة سحب قواتها من هذا البلد وإلا أصبحت مستهدفة. بعد أقل من أربع وعشرين ساعة تبين أن ما اعتبر "بصمات قاعدية" كان بالأحرى نسخة أخرى من حادثة أوكلاهوما سيتي. أي أن مرجعية الإرهابي النرويجي تعود إلى 19 أبريل 1995 وليس إلى 11 سبتمبر 2001. غير أن خلفيات المقتلة ما لبثت أن ربطتها باليمين المتطرف الذي بات مسلحاً بأيديولوجية عدوانية تراوح بين معاداة الإسلام والمسلمين وبين معاداة السامية، ولكن جانبها الأكثر بروزاً حاليّاً هو المتعلق بالإسلام. فاليمين المتطرف النرويجي تعامل مع قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام في صحيفة دانماركية، باعتبارها قضية محلية تتعلق أيضاً بحرية التعبير، وكانت له ردود فعل صاخبة بعد مقتل المخرج الهولندي "فان غوغ" على يد أحد المهاجرين المغاربة. عندما "انفلشت" الأزمة المالية العالمية في سبتمبر 2008 توالت التوقعات القاتمة للأجهزة الأمنية في أوروبا. فالركود والبطالة والتقشف تعني بالنسبة إليها توترات اجتماعية قد تتمثل في انزلاقات إلى العنف. وينظر إلى أحزاب اليمين المتطرف التي يتعاظم شأنها في مختلف البلدان الأوروبية على أنها أكثر من يستغل موضوع المهاجرين والعمالة المهاجرة وربطه بتدهور الأوضاع الاقتصادية، على رغم أن الأحزاب الرئيسية راحت في الأعوام الأخيرة تعطي هذا الملف أولوية بارزة. ومنذ أصبح "الإرهاب الإسلامي" هاجساً أمنيّاً، باتت الإشارة إلى "الهجرة" تعني المسلمين، علماً بأنهم لا يشكلون النسبة الأكبر من المهاجرين قياساً إلى المتحدرين من أوروبا الشرقية (السوفييتية سابقاً) أو حتى البلدان الآسيوية. ومع الوضع المضطرب في عدد من البلدان العربية لا تنفك التقارير الإعلامية تنبه إلى احتمال ازدياد المهاجرين المسلمين، وهو ما يترجم عند الأحزاب الحاكمة بصعود مؤكد لليمين المتطرف. تعاملت العواصم الأوروبية كافة مع حادثي النرويج، باعتبارهما إنذاراً جديّاً، فما يبدو كأنه ظاهرة معزولة قد يشكل بداية عدوى قابلة للانتشار أو التكرار، نظراً إلى وجود تنسيق بين أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية. صحيح أن سلطات أوسلو لم تكتشف بعد ما إذا كانت هناك مجموعة وراء المذبحة التي حصلت، إلا أن المحللين ترددوا في الجزم بأن رجلاً واحداً يمكن أن يدبر هذين الهجومين. وإذا لم يستغربوا استهداف مبنى حكوميّاً فإنهم وجدوا الهجوم على المعسكر الشبابي مستهجناً وغير عادي إذا كانت الرسالة المفترضة للمقتلة تتعلق بالوضع الاقتصادي معطوفاً على نقمة عارمة بسبب فشل خطط الحد من الهجرة. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©