الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«النقد» الأوروبي عالي القيمة..دعوة لوقف الإصدار

19 فبراير 2016 21:40
أصدر «مركز موسافار رحماني لبحوث العمل والشؤون الحكومية»، والذي أفتخر بإدارته، ورقة بحثية مهمة موقعة باسم الباحث الزميل «بيتر ساندز» ومجموعة من الطلاب المشاركين. وهي تعرض لقضية حساسة وعاجلة تدعو للكفّ عن إصدار الأوراق النقدية ذات القيمة الإبرائية العالية مثل ورقتي 500 يورو الأوروبية و100دولار الأميركية، وربما تكون هناك حاجة عاجلة أيضاً لسحبهما من أسواق التداول. ولقد تداعت إلى ذهني هذه القضية منذ الإعلان عن اعتماد «اليورو» كعملة مشتركة لدول الاتحاد الأوروبي في أواخر عقد التسعينيات. وأعلنت في ذلك الوقت أن القرار الذي تم اتخاذه بتخفيض رسوم إصدار الأوراق النقدية والذي اقتضى طرح الورقة من فئة 500 يورو، كان يتصف بقصر النظر الشديد والبعد عن تقدير المسؤوليات والأخطار المترتبة عليه، وخاصة لأن هذه الورقة سوف تكون مطية سهلة لمحترفي الفساد والإجرام والإرهاب. وبما أن رذائل الإجرام والفساد يمكن أن تُرتكب في أغلب الأحوال خارج الحدود الأوروبية، فلقد شاركت «جون كوناللي»، (الذي سبق له أن شغل منصب وزير الخزانة في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وتوفي عام 1993)، الاعتقاد القائل بأنه إذا كان من الصواب القول بأن «اليورو» هو عملة الأوروبيين الخاصة بهم، فإنه يمثل مشكلة حقيقية لكل سكان العالم من دون استثناء. وقلت بكل وضوح في ذلك الوقت بأن الولايات المتحدة، وفي إطار التقيّد بالسياق العام للاتفاقيات الدولية المتعلقة بأصول تداول العملات، يتحتم عليها أن تبتدع سياسة واعية فيما يتعلق بورقتها الخضراء من فئة «100 دولار». ولكن، وبالنظر لرغبة الألمان بتداول ورقة نقدية ذات قيمة إبرائية عالية، فلقد شهدت هذه القضية تغافلاً وإهمالاً تامين في المحافل الاقتصادية والمنتديات الدولية، وفقدت بذلك القدرة على إثارة أي جدل أو نقاش حول الموضوع. والحقيقة القائمة الآن فيما يتعلق بالورقة النقدية الأوروبية من فئة «500 يورو»، والتي أطلق عليها «ساندز» في تقريره البحثي اسم «ورقة بن لادن»!، هي أنها تؤيد الحجج التي تقضي بالتوقف عن تداولها. وعلى أن هذا الحكم لم يأتِ عن عبث، بل من خلال تحاليل مكثفة أكدت على وجود عناصر الارتباط الوثيق بين الأوراق النقدية ذات القيمة الإبرائية المرتفعة وانتشار الجريمة. ولا أشك بأن «ساندز» على صواب فيما توصل إليه من أن النشاطات غير المشروعة يمكنها أن تجد ضالتها المنشودة في الأوراق النقدية ذاتها عندما يكون وزن المليون دولار من العملات الورقية من فئة 500 يورو مساوياً 2,2 باوند أو أقل بقليل من 1 كيلوجرام، فيما يرتفع هذا الوزن إلى أكثر من 50 باوند أو 22.65 كيلوجرام لو كان يتألف من أوراق نقدية من فئة 20 دولاراً. ولقد أصاب أيضاً عندما أشار إلى أن التكنولوجيات الحديثة المستخدمة في تناقل الأوراق النقدية أصبحت تغني عن استخدام الأوراق النقدية ذات القيمة الإبرائية المرتفعة في التجارة المشروعة. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن حول هذا الموضوع الحساس: ما الذي يمكن أن يحدث لاحقاً؟ أعتقد بأن فكرة سحب الأوراق النقدية ذات القيمة المرتفعة من الأسواق صعبة التحقيق. لكن التوقف عن طباعة وإصدار المزيد منها سيجعل العالم في حال أفضل. وانطلاقاً من وجهة نظر أحادية الطرف، يمكن القول أن اللاعب الأكثر أهمية بكثير من أي لاعب آخر في هذه القضية هو الاتحاد الأوروبي. وذلك لأن الورقة من فئة «500 يورو» تفوق في قيمتها الإبرائية ورقة الـ«100 دولار» بنحو 6 مرات. ولقد أثارت هذه المشكلة اهتمام وانتباه الفعاليات السياسية في أوروبا، وخاصة منها المفوضية الأوروبية ذاتها. وأعرب حاكم البنك المركزي الأوروبي «ماريو دراجي» عن اهتمامه بالفكرة. وإذا ما قرر الأوروبيون التحرك في هذا الاتجاه، فسوف يؤدي ذلك إلى فرض ضغوط على دول أخرى لحذو حذوهم، وخاصة منها سويسرا (التي لم تنضم إلى الاتحاد). وأنا أشهد منذ الآن بأنني لن أشعر بعنصر المفاجأة عندما سأجد من بين الدول الأعضاء في البنك المركزي الأوروبي من يعارض هذه الفكرة، وخاصة من طرف لوكسمبورج، وهي الدولة الصغيرة التي عرفت عنها تقاليدها البغيضة بحماية المتهربين من الضرائب والباحثين عن غسل أموالهم، ويؤيدها في ذلك المدافعون عن سرّية المعاملات المصرفية في أوروبا والعالم أجمع. وبدلاً من اتخاذ إجراءات من جانب واحد، يكون من الأفضل لأوروبا التفكير في اعتماد اتفاقية دولية للتوقف عن إصدار الأوراق النقدية التي تفوق قيمتها الإبرائية ما يعادل 50 أو 100 دولار. وسوف تكون هذه الاتفاقية أكثر أهمية من كل الاتفاقيات التي عقدتها مجموعة الدول السبع أو مجموعة العشرين خلال السنوات القليلة الماضية. * وزير الخزانة الأميركي سابقاً ورئيس المجلس الاقتصادي في البيت الأبيض ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©