الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«أبوظبي السينمائي» يعزز التألق الثقافي للعاصمة عربياً ودولياً

«أبوظبي السينمائي» يعزز التألق الثقافي للعاصمة عربياً ودولياً
22 أكتوبر 2010 00:11
أينما سرت في مدينة ابوظبي هذه الأيام تلفتك الإعلانات واليافطات الضخمة المنتشرة في كل مكان “تعرف على حكاياتنا” أو “تعال لتكتشف عالماً جديداً”، هاتان المقولتان اللتان يطالعهما المرء أيضاً في كل مطبوعات المهرجان وخلف كل فعالية من فعالياته تترجمان المغزى البعيد الذي يريد المهرجان تحقيقة، والرسالة التي يسعى لإيصالها. فثمة رغبة جامحة في أن يعرف العالم ثقافة هذه المدينة، حكاياتها، تراثها، تقاليدها وعاداتها. ثمة رغبة في ان يلمس الآخرون نبضها الداخلي، ألقها وتوقها لأن تكون مدينة مثقفة، قادرة على اجتذاب كافة اشكال العمل الثقافي الذي تقع السينما في صلبه، والتي يتضح ان أبوظبي مستعدة لتقبله أسرع من غيره من أشكال العمل الثقافي الأخرى التي تحتاج الى وقت لتنضج. إقبال جماهيري هذه باختصار شديد اللوحة العامة التي يرسمها مهرجان أبوظبي السينمائي الذي يقام حالياً في مدينة أبوظبي، وتلك بعض التداعيات التي يثيرها المهرجان في عقول من يتابعون عروضه ونشاطاته. ولقد شهد المهرجان في يوميه السادس والسابع حراكاً واسعاً على غير صعيد، فمن حيث الجمهور غصت قاعات قصر الإمارات والمارينا مول التي عرضت فيها الأفلام بعشاق الفن السابع، وبدا أن المهرجان يرسخ حضوره يوماً بعد يوم في مناخ المدينة التي تسعى لصناعة مشهدها الثقافي الخاص. ومن حيث الأفلام المعروضة نفسها ظهرت مساحة جيدة من حيث الانفتاح على الآخر وحرية التعبير واستقطاب طاقات سينمائية مختلفة وربما مغايرة للمشهد السينمائي الاحتفالي التي نراه عادة في المهرجانات. ومن حيث الوعي المجتمعي بأهمية السينما في الحياة الثقافية يقول المشهد الحالي إن هناك وعياً يرتقي باستمرار تجاه المهرجان وفكرته وتقبله من الشرائح المختلفة، وإن لوحظ الحضور الكثيف للأجانب (الأوربيون والآسيويون) في شتى مفاصل المشهد من دون أن يقلل ذلك من الحضور الإماراتي والعربي. ومن حيث التنظيم لوحظ كم العمل والجهد المبذول لتحقيق مستوى عالمي على هذا الصعيد إذ حشد منظمو المهرجان الكثير من الإمكانات المادية والبشرية واللوجستية لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية المهمة التي غيرت إيقاع المدينة وأدخلتها في طقس مغاير للرتابة والمألوفية. أما شبابيك التذاكر فقد شهدت هي الأخرى ازدحاماً كبيراً بل إن بعض الأفلام لم يكن من السهل الحصول على بطاقات الدخول لمشاهدتها إلا قبل يوم من عرضها. عن قرب من المشهد العام السابق يمكن الولوج إلى المشهد التفصيلي حيث تفاصيل المهرجان والعروض والزوار والندوات والمؤتمرات الصحفية وغيرها مما يجري في أروقة قصر الإمارات أو مسرح أبوظبي أو قاعات المارينا مول التي اختتمت عروضها اليومية مساء الاثنين الفائت بعرض فيلمين من أهم الأفلام التي يستضيفهما المهرجان: نسخة مصدقة للمخرج الإيراني الرائع عباس كياروستامي، و”يد إلهية” للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان وهو فيلم قديم يبدو أن لديه القدرة على التجدد الدائم، وبهما أقفلنا نهاراً كاملاً المتعة الفنية التي سرعان ما تجددت مع أفلام الثلاثاء التي اختتمت أيضاً بفيلم شاعري جميل للمخرج المصري داود عبد السيد وبحضور جماهيري يؤكد عافية السينما الجيدة وقدرتها على فرض حضورها على المشهد السينمائي الذي يعج بالسينما الرديئة، وهو الأمر الذي تكرر مع فيلم لا تتخل عني، تشيكو وريتا وغيرهما كثير. أما نهار الأربعاء فكان حافلاً أيضاً حيث تواصلت عروض المسابقات المختلفة، وتألق فيلم الغرب غرباً، واحتشد الناس لمتابعة فيلم “كارلوس” إحدى أكثر شخصيات القرن العشرين غموضاً وإثارة، وبينهما عرضت أفلام مهمة كرست الرؤية التي أرادتها إدارة المهرجان من مسابقة “آفاق جديدة” التي جاءت في المجمل جديدة بالفعل. رسائل “داود” في خيمة المهرجان في قصر الإمارات، تحدث المخرج المصري داود عبد السيد وأبطال فيلمه “رسائل البحر”: بسمة، ومحمد لطفي، وآسر ياسين، في ندوة حضرها الممثلان السوريان بسام كوسا وعابد فهد وعدد من النقاد ولفيف من الإعلاميين العرب والأجانب وأدارها الناقد السينمائي امتثال التميمي الذي أطرى على الفيلم وجودته، وأعلن أنه كان الأقرب إليه من بين الأفلام التي أخذت طريقها لتعرض في المهرجان، مؤكداً أن داود عبد السيد ليس فقط من أهم المخرجين العرب بل ربما الأهم، منوهاً إلى قدرته على إخراج افضل ما لدى الممثل من طاقات إبداعية ليدخل إلى سؤاله عن دور المخرج في إدارة الممثل ومدى مساهمة ذلك في نجاح الفيلم. في إجابته أشار السيد إلى أن “الاختيار الجيد يتوقف عليه 50% من نجاح الفيلم، والـ 50% الأخرى تتوقف على عمل كادر التصوير والمونتاج وباقي العمليات الفنية التي تتم خلال الفيلم”، مضيفاً أن الفنان آسر يتمتع بلياقة عالية جعلته يؤدي بشكل أفضل مما توقعه هو. أما بالنسبة لبسمة فهي نجمة معروفة، لكن في كل الأدوار التي قدمتها كان ثمة شيء ناقص، ربما يكون السبب في الدور نفسه او في التوجيه خلال التمثيل، لكن ما تتمتع به من جمال وأنوثة كان غائباً”. ورداً على سؤال عن التغير الذي حدث في رؤيته الفنية والتقنية بالمقارنة بين “الكيت كات” و “رسائل البحر” أحال السيد الإجابة الى السائل قائلاً إن هذا السؤال لا ينبغي ان يوجه إليه بل إلى النقاد والجمهور، فهما من يكتشف او يلاحظ مثل هذا التغيير. لكن ما أستطيع قوله أضاف السيد، هو أنني أحرص على الاستمرار في التجربة الشعورية، ويعنيني أن أحقق للمشاهد متعة المشاهدة، التي تدفعه لمشاهدة الفيلم، مرة واثنتين وعشرة”. وبسؤال فهد عابد عن واقع السينما المصرية وتدني الأفلام التي تعرض والخدعة التي تم الترويج لها تحت مسمى “فيلم العيد” حدث سجال بين “السيد” و”فهد” ملخصه أن المسؤولية مشتركة بين قطاعات عدة، حيث أكد عبد السيد أن هناك ظواهر ليس لها سبب واحد بل تحكمها الكثير من المعطيات، وفي هذه الحال ينبغي البحث عن الأسباب في الحالة التعليمية للجمهور، وشكل الإعلام والطريقة التي يؤدي بها دوره، ودور الرقابة، وحيوية الصناعة السينمائية. منوهاً إلى أن التنوع في إنتاج افلام تخاطب مختلف الشرائح المجتمعية يتناسب طردياً مع كم الأفلام التي يتم إنتاجها، فكلما ازادد عدد الأفلام يزداد او تزداد الفرصة لتحقيق أفلام جيدة أكثر او تتوجه الى شرائح اخرى غير الشريحة العامة التي تتابع السينما التجارية. ورأى عبد السيد أن تدخل الحكومة لدعم صناعة الفيلم سيخفف من ظاهرة الأفلام التجارية ويعزز حضور السينما الجيدة، لأن المنتج في النهاية لا يهمه سوى الربح. ولفت إلى أن الكثير من تقاليد الصناعة السينمائية تآكلت وأن المنتج يتدخل في كل شيء بل إن النجوم في بعض الأفلام يتدخلون في الفيلم، وهناك أفلام كثيرة تصنع على حجر النجم. وحول سؤال عن تراجع حرية تصوير مشاهد العلاقة بين الرجل والمرأة عما كان عليه في الستينيات، على سبيل المثال، قال عبد السيد إنه يتفهم خوف الممثلة من أداء مثل هذه اللقطات، والمناخ الاجتماعي الذي يحيط بها والطريقة التي ستظهر بها بالنسبة إلى أسرتها او جيرانها، مؤكداً أن هناك رقابة مجتمعية خفية أو غير معلنة لكنها أكثر قسوة من الرقابة التي تمارسها الرقابة على المصنفات الفنية والتي تلتزم بلوائح وقوانين محددة. فرقابة المجتمع المحافظ أكثر أثراً وخطورة لكن بالإمكان الالتفاف على مثل هذه العقبات أو التحايل عليها فنياً، وما لا يدرك كله لا يترك كله على حد تعبيره. منوهاً إلى أن التطور الذي شهدته السينما المصرية على مستوى الميزانيات والتقنيات والتجهيزات والمعدات الفنية في الآونة الأخيرة قابله خصم من الحرية الفنية، بل يكاد يكون ممنوعاً أن تصنع عملاً فنياً جيداً. ورأى عبد السيد أن الحل يكمن في تغيير الرقابة بحيث لا تكون رقابة على الفكر، وتحديث المجتمع وإشاعة روح التحضر وهذه عملية طويلة المدى وتحتاج الى وقت. وعن كون حضور البحر في الفيلم ظل حضوراً جمالياً ولم يتجاوز الزخرفة الجمالية قال إن حضور البحر في اي فيلم يعتمد على الدراما التي تحاول إنجازها، والإسكندرية لن تكون اسكندرية الا بالبحر، ولن تكون متعددة الثقافات إلا بالبحر. وفي إجابة له عن دوره في الفيلم (يؤدي دور طبيب يتأتئ في الكلام ولهذا يعتزل الطب ويعمل صياداً للسمك) قال إنه درس الدور بعناية، وخاص تدريبات كثيرة لكي يستطيع إتقان التأتأة على هذا النحو، وأن تدريبات النفس والعمل على مخارج الألفاظ مكنته من الكلام بطريقة ترتبط بالإحساس أو الانفعال وصولاً إلى التوازن والإتقان. من جهتها أكدت بسمة أنها لم تكن خائفة من أداء دورها بل كانت قلقة على أن تؤديه بالإتقان المطلوب، وأنها كانت سعيدة بالدور منوهة إلى انها تعتمد على وعي الجمهور في التفريق بين الممثل والدور الذي يؤديه على الشاشة. وقالت إنها كانت تشعر أنها في أيد أمينة لأنها تعمل مع المخرج داود عبد السيد. أحلام تتحقق من يتابع فعاليات المهرجان، خاصة الإعلاميين، يلاحظ أن ثمة جديداً يضاف كل يوم الى المهرجان تعلن عنه اللجنة المنظمة في الصباح خاصة على صعيد الاحتفاء بالمخرجين والممثلين وصناع السينما الذين يشاركون في المهرجان وتنظيم المؤتمرات الصحافية لهم او اللقاءات مع الجمهور. وفي خطوة لافتة تستهدف تحقيق المشاركة التفاعلية وضعت إدارة المهرجان صناديق أمام قاعات العروض لكي يرشح المشاهدون فيلمهم المفضل، وذلك لكي يتم اختيار فيلم الجمهور الفائز في نهاية المهرجان. ومن إضافات المهرجان أنه قدم مخرجين وممثلين جدداً، يقفون للمرة الأولى سواء أمام الكاميرا أو خلفها. بعضهم برز في “أفلام الإمارات” وبعضهم في “أفلام الطلبة” وبعضهم من خلال أفلام “أكاديمية نيويورك السينمائية”. بالنسبة لهؤلاء يعتبر مهرجان ابوظبي السينمائي فرصتهم الأولى للإطلالة على الجمهور، وتعتبر هيئة أبوظبي للثقافة والتراث محل امتنان كبير قالوا إنه يصعب عليهم وصفه بالكلمات، وأنهم سيحملونه معهم طوال تجربتهم، ذلك أنها حققت لهم حلم حياتهم.
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©