الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرمن.. أخطاء الجغرافيا والتأريخ

الأرمن.. أخطاء الجغرافيا والتأريخ
19 يوليو 2012
الجالية الأرمينية في مصر ليست كبيرة العدد، إذ تقدر بحوالي خمسة آلاف يتركزون في القاهرة والاسكندرية، ولديهم نشاط ثقافي محسوس، يهدفون لتأكيد هويتهم وتماسكهم العرقي، ومن هذا النشاط إصدار كتاب “موجز تاريخ الشعب الأرمني” فقد ساهمت في إصداره جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة. يضع المؤلف وهو أرميني عدة ملاحظات مهمة، منها أن التاريخ الانساني اهتم كثيرا بمن دمروا الحضارات وتجاهل الاهتمام بالأرمن الذين كانوا دوما بناة حضارة ومحبين للخير وللسلام، ففي حين تمتلئ كتب التاريخ العام بالأحاديث المطولة عن المغول وجنكيز خان وما قام به من تدمير بغداد فإن هذه الكتب لا تذكر الأرمن إلا بشكل عابر في موضع أو موضعين. بين الدول مشكلة الأرمن تاريخيا هي أن الهضبة الأرمينية صعبة جغرافيا وفي تضاريسها، وهذا ما لم يمكن الأرمن من بناء دولتهم الكبرى على أرضهم، ولكن لهذا السبب نفسه تمكن الأرمن من الحفاظ على أمتهم وعلى هويتهم من الذوبان والاندثار، كانت المواقع الجبلية حامية لهم من الغزو والاقتحام في حالات كثيرة، وبينما ذابت جماعات بشرية عديدة مثل الأشوريين بقيت جماعة الأرمن محافظة على وجودها، والآن هناك الجمهورية الأرمينية التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي واستقلت بانهياره سنة 1991، وتعاني الكثير من الأزمات شأن معظم الجمهوريات السوفييتية السابقة، وهناك جزء من هضبة الأرمن يدخل ضمن الجمهورية الاسلامية الايرانية الآن وجزء خاص ضمن تركيا، من ناحية الغرب، فضلا عن الجاليات الأرمينية التي تنتشر في معظم انحاء العالم، وتتركز في الولايات المتحدة واستراليا، وبلدان أوروبا، والبلاد العربية مثل سوريا حيث تقع اكبر جالية أرمينية وتتركز في حلب وفي لبنان والعراق وبلاد الخليج ومصر. وهناك في أثيوبيا جالية أرمينية ايضا وجنوب افريقيا وعدد كبير من بلدان آسيا وهذا متوقع بحكم الموقع الجغرافي. يتوقف المؤلف عند مذبحة الأرمن التي وقعت في الدولة العثمانية سنة 1915، في أتون الحرب العالمية الأولى، وبلا شك كانت مذبحة مروعة، لكنه يقدمها من وجهة النظر الأرمينية المباشرة ويستبعد تماما وجهة النظر الأخرى، ولن يقر أحد أو يقبل بإبادة جماعية للمدنيين، لكن المطلوب هو محاولة فهم كيف حدث هذا ولماذا حدث؟ خاصة ان الأرمن قبل ذلك كانوا يتمتعون بحضور قوي في الدولة العثمانية وكان لهم وجود بارز في الجيش العثماني. في مصر كان للأرمن حضور منذ العصر الهلليني، وكانت الكنيسة المصرية ترحب بهم لأنهم كانوا يعانون مثل الأقباط المصريين من قرارات مجمع خلقدونية، وفي العصر الاسلامي ظهر الأرمن في الدولة العربية وبين جيوشها، أما في العصر الحديث فتواجدوا من أيام محمد علي، وكان الأرميني بوغوص باشا سكرتيره الخاص في وقت من الأوقات، واستدعى بوغوص ابن اخته “نوبار” الذي منحه الخديو اسماعيل لقب باشا وصار ناظر النظار في عهده، أي رئيس الوزراء، عمل نوبار مع محمد علي ثم اعاره محمد علي الى ابنه ابراهيم باشا، وصار موضع ثقة ابراهيم وظل يعمل مع ولاة مصر، وتزايد عدد الأرمن حتى وصلوا في النصف الأول من القرن العشرين الى حوالي 40 ألف مواطن، كانوا يعملون في البنوك وفي التجارة وامتلكوا المحلات والشركات، وكانت لهم مدارسهم ومعاهدهم الخاصة، وأحبهم المصريون، لكن بعد ثورة 1952 واتجاه الرئيس عبدالناصر نحو التأميم هاجر عدد منهم خارج مصر الى اوروبا وتقلص عددهم الى حوالي خمسة آلاف نسمة. معلومات ومقارنات الكتاب مليء بالمعلومات، لكن مشكلة هذا الكتاب بالنسبة للقارئ العربي، تكمن في أن مؤلف الكتاب يخاطب به شباب الأرمن بالولايات المتحدة الاميركية واستراليا كي يتعرفوا على هويتهم، لذا فقد انطلق من الخلفية الأميركية، فتراه يسرف في المقارنة بين ما يطلق عليه شتات الأرمن وشتات اليهود في العالم، ويحاول أن يماهي بين الجانبين، وهذا خطأ علمي كبير، فلا تشابه.. اليهود أصحاب ديانة، والديانات السماوية لا تنزل من أجل بقعة جغرافية، بينما الأرمن مجموعة عرقية، لها موقع جغرافي محدد. وهو نفسه يعترف بأن الظروف الجغرافية هي التي ساهمت في تشتتهم بين عدد من الدول. ونراه يقارن بين مذابح الأرمن سنة 1915 في تركيا العثمانية والهولوكست الذي تعرض له اليهود على أيدي هتلر وهذا خطأ علمي وسياسي فادح. هتلر جمع اليهود من بلاد عديدة، بينما في تركيا كانت الدولة تواجه مشكلة بإزاء مجموعة سكانية رأت أنها مناوئة لها وقت الحرب، والدليل أنه مازال هناك من يعيشون في تركيا الى اليوم وكانوا هناك طوال الوقت. ولأنه يخاطب المجتمع الاميركي وثقافته راح يشيد باقامة دولة لليهود من دون ان ينتبه الى مدى الظلم الذي وقع على سكان وأهالي فلسطين، من جراء إقامة هذه الدولة على أرضهم ومن دون أن ينتبه الى ان هذه الدولة الجديدة أدت الى خلق شتات فلسطيني، حيث هاجر الفلسطينيون الى معظم دول العالم بعد ان طردوا من وطنهم. والكاتب يشيد بما نعم به الأرمن في مصر طوال التاريخ، لكنه يتحامل بشدة على الرئيس جمال عبدالناصر رغم ان ناصر لم يمس الأرمن من قريب أو من بعيد، صحيح ان بينهم من هاجر خوفا من سياساته ومن الدعاية الغربية ضده، لكنه هو نفسه لم يتخذ أي اجراء ضدهم، والمؤلف يحمل عبدالناصر مسؤولية ما تعرض له الأرمن من إجراءات في سوريا، زمن حكومة الانفصال سنة 1963. الكتاب مفيد ومهم لكنه ليس موجها نحو القارئ المصري والعربي، ولذا كان من الواجب اعداد مقدمة تفصيلية من المترجمة أو من مراجع الترجمة ينبه القارئ الى ما هو مقدم عليه من معلومات وأفكار ويضع العديد من الملاحظات، ولا تكفي بعض الهوامش العابرة التي قدمتها المترجمة على عجل وباستحياء، خاصة ان المؤلف أبدى في بعض صفحات الكتاب “شوفينية” حادة مثل اشادته بالرئيس حافظ الأسد وما نعم به الأرمن في عهده بسوريا، ونسي انه كانت هناك مذبحة في حماة ارتكبها ذلك الذي يشيد به ضد فئة أخرى من السكان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©