الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبواب مشرّعة.. ومغلقة

أبواب مشرّعة.. ومغلقة
19 يوليو 2012
ما الذي يجمع بين البنطلون والثورة؟ لا شيء أكثر من أن كلا الأمرين، يؤشران إلى تغيير الأمر الواقع. فارتداء البنطلون، خصوصا من قبل النساء شكل في بدايته أمرا يتجاوز المألوف ويصنف على أنه ثورة على الأعراف الاجتماعية، أما الثورة ـ الثورة الحقيقية ـ فهي حيث جرت كسرت كل القواعد، وهزّت الأركان وأرست ركائز بنيان جديد. لا علاقة أكثر من ذلك بين الأمرين، غير ما تستعرضه الكتب المختصة في كل موضوع من الموضوعات. وفي ما يلي جولة على أهم الإصدارات عن دور النشر الفرنسية، اللافتة في موضوعاته، والتي تلبي حاجة معرفية عند القارئ العادي والمهتم. وإذا كانت دور النشر الفرنسية تطرح في الأسواق كتابا جديدا كل ساعة، بحسب ما تقول الإحصاءات، فإن الاختيار من بينها هو دائما مسألة شخصية تحكمها طبيعة الاهتمام. اليبرالية الجديدة هذا الكتاب “اليبرالية الجديدة” لمؤلفه سيرج أودييه والصادر عن دار النشر غراسييه ثري بالمعلومات التي تنشر لأول مرة، وهو كتاب ضخم يتضمن تحليلات ووجهات نظر يكتشفها القارئ مع مطالعة كل صفحة منه، ويقول المؤلف إنه يتشكل في اعتقاد الكثيرين ان نظرية الليبرالية الجديدة هي جديدة فعلا، ولكنها في الحقيقة هي قديمة وهي المفتاح لفهم خلفيات وأسباب وانعكاسات الأزمات الاقتصادية، وما يسميها الكاتب “خصخصة العالم”. ان بعض الآراء الواردة في الكتاب تثير الدهشة والاستغراب، والملفت ان المؤلف يؤكد بأن منظري الليبرالية الجديدة لم يغيروا اليوم تفكيرهم او تحليلاتهم، ولكنهم يتبنون نفس الآراء ونفس الأفكار التي ظهرت منذ العام 1929. وقد أراد المؤلف ان يؤكد ان الليبرالية الجديدة هي تيار فكري وليست مجرد شعار يرفع، وإنها ظهرت في فرنسا مع ظهور الأزمة الاقتصادية عام 1929، وهي الأزمة التي طبعت القرن الماضي. ويجزم الكاتب ان الليبرالية تيار يضم مفكرين ومنظرين أكثر مما يضم من العناصر الفاعلة والناشطة عمليا. تاريخ سياسي للبنطلون هذا الكتاب وعنوانه “تاريخ سياسي للبنطلون”Une Histoire politique du pantalon هو كتاب طريف ومفيد، يكشف لنا انه في فرنسا بلاد الموضة وآخر صرخاتها، فإنه يوجد قانون قديم تم إقراره منذ أكثر من قرنين إثنين، ولم يلغ الى هذا اليوم، يمنع لبس المرأة للبنطلون، ورغم أن أحداً لا يحترم هذا القانون او يعمل بما جاء فيه إلا انه قانون موجود. وترى المؤلفة ان كل ممنوع يصبح مرغوبا فيه، وان قانون منع لباس المرأة للبنطلون غذّى في اللاشعور إصرار النساء على ارتدائه، ومؤلفة الكتاب هي Christine Bard كريستين بارد وهي أستاذة تاريخ بجامعة مدينة “أنجييه” Angers الفرنسيّة. والكتاب الصادر باللغة الفرنسية في طبعته الجديدة هو بحث متعمق في تاريخ ظهور البنطلون في فرنسا، تحلل فيه الباحثة نظرة المجتمع الرافضة وقتها لارتداء المرأة زيا يجعلها تتشبه بالرجال، وتسرد المؤلفة قصصا وأحداثا ومواقف مرتبطة كلها بإصرار المرأة الفرنسية على امتداد فترات زمنية متتالية على ارتداء البنطلون، وأوردت المؤلفة ان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ـ عندما كان رئيسا للحكومة ـ عاتب وزيرة لحضورها جلسة مجلس الوزراء وهي مرتدية بنطلون، وذهب الى حد القول بأن ذاك اللباس للمرأة يمس بهيبة الدولة. حدث ذلك منذ ثلاثة عقود مما يعني ان قبول الرجال بلبس المرأة البنطلون كان بطيئا جدا. وجاء في الكتاب ان الخطوط الجوية الفرنسية لم تكن تسمح أبدا لمضيفاتها الجميلات بارتداء البنطلون أثناء عملهن، وأن زيهن الرسمي الأنيق لم يكن يتضمن بنطلون، وبعد معارك نقابية وإلحاح ومناورات ومشاكسات سمح لهن منذ أعوام قليلة بأن يرتدين البنطلون في حالات قليلة. والمؤلفة تسرد بأسلوب شيق تاريخ البنطلون، وتشرح المسيرة الطويلة لهذا الزي الذي انتقل من لباس نسائي ملعون ومرفوض من قبل الرجال الى لباس يمثل الإغراء والأنوثة والأناقة. والملفت في هذا الكتاب ان مؤلفته أبرزت دور الأديبة الفرنسية الشهيرة جورج صاند في التمرد على التقاليد، بإصرارها في أوائل القرن الماضي على ارتداء البنطلون والظهور به، تحديا للمجتمع وللقانون وللتقاليد. وتؤكد المؤلفة ان الأديبة والروائية الفرنسية الشهيرة كانت تقول بأنها تتعمد لبس البنطلون كرمز للمساواة بين المرأة والرجل. ومعروف ان جورج صاند كانت إحدى الرائدات في الدفاع عن حقوق المرأة. ا لثورة المنتزعة في كتابه الذي يحمل عنوان “الثورة المنتزعة” La revolution confisquee، يجري الصحافي الفرنسي بيار بيشو Pierre puchot، ما يشبه تحقيقا معمقا عن التحول الديمقراطي في تونس. فقد تابع بيشو على امتداد عام بأكمله الأحداث المستجدة في تونس بعد انهيار النظام السابق وفرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وسجل بعين شاهد العيان الثاقبة كل ما رآه وسمعه، ليستنتج ان النخبة في تونس ممزقة ومتناحرة، ويكاد يقول رديئة لكثرة المعارك الهامشية بين أطيافها حول مفاهيم وتصورات متناقضة لواقع المجتمع التونسي ومستقبله. ويعبر المؤلف عن استغرابه للمنافسة غير الشريفة أحيانا بين رؤساء الأحزاب الذين تقودهم طموحاتهم الشخصية، دون الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية العليا. وجاء الجزء الأول من الكتاب ثريا بالمعلومات التي استقاها المؤلف مباشرة من داخل تونس، ومن مصادرها المختلفة، وهو يجزم بأنه منذ ما يسميها الفرنسيون ثورة الياسمين فإن الحكومة المؤقتة لم تنجح حسب رأيه في تحقيق طموحات الشعب، ولم تقدر على الاستجابة لمطالبه. الرجل الذي كان يحبني في صمت هذا الكتاب: “الرجل الذي كان يحبني في صمت” L’Homme Qui m’aimait tout bas هو من تأليف إيريك فوتورينوEric Fottorino مدير التحرير السابق لجريدة “لوموند” اليومية المسائية الذائعة الصيت عالميا وإحدى أهمّ الجرائد اليومية في فرنسا. ويكشف المؤلف في هذا الكتاب إن والده قرر يوم 11 مارس 2008 وضع حد لحياته بأن وجه إلى فمه بندقيته وأطلق على نفسه رصاصة، ولأن المؤلف تألم لهذا المصير فقد كتب كتابه متأثرا بهذا الحدث المأسوي. ويكشف المؤلف في طيّات كتابه أن الأب تبناه وهو في التاسعة من عمره، فقد تزوج أمه ومنحه اسمه، ووجد الطفل أخيرا رجلا يناديه بـ “أبي”، فالكاتب لا يعرف والده الحقيقي، وميشال فوتورنو جاء مهاجرا من بلاده تونس ليتزوج من هذه الأم العزباء (أم الكاتب). وجاء هذا الكتاب اعترافا بالجميل من الابن بالتبني للأب، الرجل الذي منحه عن حب اسمه ورباه ورعاه، ويتخلل الحديث والسرد استعادة لذكريات طفولة الكاتب، وهي ذكريات عذبة حينا ومؤلمة حينا آخر. وضمن سرده لها نجد في الكتاب تساؤلات تنم عن حيرة وجودية حول الحياة والموت. وعنوان الكتاب يكشف العلاقة العميقة والصامتة التي كانت تربط الأب بابنه المتبنى. فقد كانا يحبان بعضهما في صمت، والمؤلف الى جانب كونه صحافيا فهو أيضا روائي سبق أن أصدر عدة كتب نال بعضها جوائز أدبية، وأراد بهذا الكتاب تخليد ذكرى رجل أحبه. يبدأ الكتاب هكذا: “في يوم 11 مارس 2008 وفي حي بمدينة “لاروشال” الفرنسية قتل والدي نفسه بإطلاق رصاصة على نفسه”، وفي اليوم التالي للحادثة الدرامية وصلت رسالة بعث بها إليه والده قبل قراره بوضع حد لحياته، وهو يصف والده بأنه رجل وسيم، رياضي، كريم، وصامت وآخر جملة في الكتاب هي التالية: “ان الكلمات التي لم يقلها الرجال تثقل نعوشهم”. أبواب مفتوحة لدار مغلقة هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “أبواب مفتوحة لدار مغلقة” Portes ouvertes sur maison لمؤلفة تخفت وراء اسم “مدام ليزا” Madame Lisa، يصنف كوثيقة اجتماعية، إذ يكشف الجانب الآخر من الحياة في المجتمعات الغربية. فمؤلفته امرأة بائعة هوى، وهي فرنسية استقرت في جنيف، حيث تملك وتدير إحدى أشهر دور البغاء في أوربا، حيث تأوي أكثر من 60 فتاة يمارسن أقدم مهنة في التاريخ. المرأة/ المؤلفة التي تحمل اسم ليزا تروي في الكتاب سيرتها، وقصة الدار الشهيرة التي تديرها، وقد ألفت الكتاب بالتعاون مع صحفي استجوبها وصاغ الحوار معها. والناشر الفرنسي أصر على تصنيف الكتاب كوثيقة، معللا ذلك إنه من النادر ان تكشف امرأة امتهنت البغاء، وتدير الى اليوم دار دعارة أسرارها ومسيرتها.. ودور الدعارة في اللغة الفرنسية يطلقون عليها اسم الدور المغلقة، ولذلك كان عنوان الكتاب “أبواب مفتوحة لدار مغلقة”. وتؤكد المرأة في كتابها إنها فخورة بمهنتها، وإنها نجحت في تأسيس أسرة، وأن والدها نفسه علم بنشاطها الذي كان سريا في البداية ليصبح اليوم علنيا، وهي تقول إن الديون التي تراكمت على زوجها الأول هي التي دفعتها الى سلوك هذا الطريق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©