الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم سالم: لسنا «حمّالين» فوق الخشبة!

إبراهيم سالم: لسنا «حمّالين» فوق الخشبة!
19 يوليو 2012
أخلص المخرج والممثل الإماراتي إبراهيم سالم - مواليد 1963 - للمسرح منذ أن تعرف إليه قبل ثلاثة عقود (1979)، وصولاً إلى اللحظة الراهنة. ومطالعة سريعة لسيرته الذاتية، تبين أن الرجل ظل منشغلاً بهذا الفن في كل الأوقات تقريباً، بخلاف كثير من المسرحيين الإماراتيين الذين شاركوا في البدايات وسرعان ما توجهوا إلى مجالات أخرى، فراراً من المسرح وأشغاله الثقيلة. أخرج للمسرح الإماراتي منذ تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت سنة 1985، نحو 11 مسرحية، منها “المواطن عنتر”، و”قريباً من ساعة الإعدام” 1994، و”إنها زجاجة فارغة” 1997، و”زمزمية” 1998، و”الرحى” 2002، و”صرخة” 2008، وشارك إبراهيم سالم بالتمثيل في نحو ثلاثين مسرحية، منها “رصاصة داخل السوق” 1989، و”عرج السواحل” 1999، و”مال الله الهجان” 1994، و”الإمبراطور جونز” 1989، و”باب البراحة” 2001، و”القضية” 2000، “ميادير” 2008 إلخ.. إضافة إلى مشاركته في العديد من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، فضلاً عن عضويته بلجان محكمة عديدة وإشرافه على ورش تدريبية. كُرم سالم مطلع العام الجاري من إدارة مهرجان أيام الشارقة المسرحية - الدورة 22 - عن مجمل ما قدمه، وهو كان شارك في الدورة ذاتها بالتمثيل في مسرحية “زهرة مهرة” تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج أحمد الأنصاري، وحاز جائزة أفضل تمثيل بالاشتراك مع الممثلين أحمد الجسمي وجمال السليطي. في هذا الحوار، يتحدث سالم عن المشهد المسرحي الإماراتي، قضاياه وأنشطته وأبرز محطاته، وموضوعات ذات صلة. ? في السنوات الأخيرة حقق المسرح الإماراتي مكانة منظورة خاصة في المهرجانات العربية، ونجح في إحراز جوائز عدة كانت آخرها الشهر الماضي، حيث فازت فرقة مسرح بني ياس بأغلب جوائز مهرجان فاس الدولي للمسرح.. ما الذي حصل وانتقل بمسرحكم هذه النقلة؟ ? لعلّنا بدأنا نحصد ثمار ما زرعناه في السنوات الماضية. صحيح، تاريخ مسرحنا يعتبر حديثاً لو شئنا مقارنته ببعض المسارح العربية، لكنّ تجربتنا استمرت ولم تنقطع، كما حصل في بلاد أخرى؛ وهي استمرت لأنها مسنودة برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، راعي المسرح والمسرحيين، الذي نعتز به كثيراً؛ فلقد بذل سموه كل الإمكانات التي تمّكن مسرحنا من أن يتطور ويعمق صلته بالمجتمع، وبحمد الله- خلال سنوات قليلة- بات المسرح حاجة ضرورية من حاجات مجتمعنا، وصار لنا في كل إمارة فرقة مسرحية، وتزايدت نسبة المسرحيين بشكل ملحوظ، وتعددت المهرجانات على كامل أيام العام، فأنت تخرج من مهرجان مسرحي لتدخل إلى آخر، وهي مهرجانات نوعية بمعنى أن لكل الشرائح المجتمع نصيبها، فثمة مهرجان لمسرح الطفل، وآخر لمسرح الشباب، وثالث للمحترفين، والآن يجري الإعداد لإطلاق مهرجان للمسرحيات القصيرة للهواة، وبموازاة هذه الفعاليات الراتبة هناك الملتقيات الفكرية والندوات الشهرية والأسبوعية... إلخ. إذن، الإمارات تحولت إلى مركز للإشعاع المسرحي لا يقل مكانة عن المراكز الكبرى المعروفة في العالم لا سيما مع تأسيس الهيئة العربية للمسرح بتوجيه من صاحب السمو حاكم الشارقة، وهذه الهيئة الهدف منها تنشيط الساحة المسرحية العربية من خلال الورش التدريبية أو مسابقات للتأليف والإخراج وغير ذلك، وهي تضم في قائمة عضويتها كل الفاعلين في المشهد المسرحي العربي، على قصر عمرها، إلا أن نطاق أنشطتها الآن وصل موريتانيا وجزر القمر والمغرب وفلسطين ومصر.. إلخ. لكن، مع كل ذلك، لا بد من تأكيد أن حيوية أي مشهد مسرحي تقاس بعدد الشباب فيه قبل كل شيء، بالمقدرات البشرية، وليس البنيات التحتية فقط، ولو نظرنا إلى الساحة الآن نجد الشباب في كل مكان تقريباً، في الإخراج، التمثيل، أو التأليف، وهذا مؤشر مهم ودليل على أننا نتطور، برغم حداثة تجربتنا النسبية، وعلى أننا نتواصل، جيل يعقب جيلا، في اتجاه المستقبل. بالنسبة لي شخصياً، أشعر بالغبطة والفخر حين أجد أحد طلابي يشاركوني التمثيل في مسرحية ما. أحس بأن ما قدمته من تدريبات ودروس، بطريقة أو بأخرى، بات يثمر، ولقد سرني جداً نجاح حميد فارس الذي شاركني التمثيل في مسرحية “السلوقي”، وظفر بجائزة أفضل ممثل في مهرجان المسرح الخليجي في قطر 2011. المسرحيون الأكاديميون ? هل يمكن الكلام عن دور مهم للمسرحيين الأكاديميين في هذا المشهد؟ ? أقول، لو كان حسن رجب وعبدالله الأستاذ وعمر غباش وإبراهيم البناي، لو كان هؤلاء وسواهم ممن تخرجوا في أكاديميات مسرحية يقيمون في دولة أخرى غير الإمارات لأمكنهم أن يقدموا ما قدموه هنا منذ تخرجهم. لكن، كان سينقصهم ما نشعر به هنا من استقرار وراحة نفسية وأمان، لا سيما في أمور مثل تربية الأبناء. سأحدثك عن نفسي في هذا الجانب، مهما قدمتُ فإنني سأظل أشعر بالتقصير، ما أقدمه هو ما أمكنني تقديمه فعلاً، هذه قدراتي وإمكاناتي، الذهنية والجسدية، ومهما بلغ عطائي فإنه لن يصل في مستواه إلى درجة ما قدمته الدولة إليَّ، ولا أقول ذلك من باب المبالغة، بل من شعور حقيقي؛ فما قدمته بلادي إليَّ من الصعب مقابلته بأي عطاء مهما بلغ، وهو أشبه بعطاء الوالدين. ? البعض يتكلم عن غياب شبه تام لأكاديميي المسرح في الإمارات؟ ? أحدهم قال لي مرة: كأننا في بلد للجوعى وحين تعثر على اللقمة وتمد يدك، تُضرب. في حين أن غيرنا يأكل أكبر قدر من هذه اللقمة؛ فعلى مستوى الدراما التلفزيونية، هناك من شبّهنا بـ”الحمّالين”، شغلهم قوي وعائدهم المادي ضعيف. فعلاً هذا ما يشعر به الفنان الإماراتي، لو قسنا الأمر بالإنتاج التلفزيوني، مثلاً، الممثل الإماراتي لا يجد إلا “الفتات”، فكل التلفزيونات المحلية لديها استعداد مسبق أن تقدم موازنة لمنتج عربي تفوق ثلاثة أضعاف ما تقدمه لمنتج محلي، مثل أحمد الجسمي. عندما تتساءل، يقال لك نحن نريد “النجوم”، ولكن كيف صار أولئك نجوماً؟ لا أحد يطرح هذا السؤال فيما هو معروف أن النجم المصري أو الكويتي صار كذلك؛ لأنه وجد الفرصة لأن يكون نجماً عبر تلفزيونه المحلي. نحن، لغاية الآن، ليس لدينا سوى نجم واحد، ولو لا أنه مطلوب من شركات الإنتاج لما كان وجد فرصته في تلفزيوناتنا. هذا ما يشعر الفنان المحلي بالإحباط، خاصة الفنان الذي تغرب ليدرس التمثيل أو الإخراج، يحس بتقليل لقيمته وسرعان ما يكتئب وينكفئ في بيته أو يبحث عن عمل آخر غير ما تعلمه. الدولة في أعلى مستوياتها تحترم الفنان وتقدم له كل المعينات، ولكن المشكلة في بعض المسؤولين، إذ ليس نادراً أن تجد مسؤولاً يضع كل العراقيل في مسائل مثل “التفرغ”! وحين يُسأل شخص مثلي ما الذي قدمه للمسرح خلال العام الماضي لا يعرف بم يجيب! عليَّ أن أقدم في الأقل عشرة أعمال، سواء ورش تدريبية أو عروض مسرحية أو بعثة، لكن عملياً ليس بمقدوري أن أقوم بشيء من ذلك. لماذا؟ لأنني “موظف” أجلس في كرسي بالمكتب طيلة اليوم وأتدرب على كيف أجيب عن أسئلة المراجعين وسواهم! ومع ذلك، نُتهم بأننا لا نعمل!؟ ثمة أمر آخر ويتصل بالمعهد المسرحي الذي كنا ننتظر أن يتحول إلى مختبر لما درسناه وتعلمنا عليه. كنا ننتظر أن نعمل به عقب تخرجنا، ولكنه لا يعمل الآن. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أمر ثالث، وهو سيطرة بعض الذين خبروا المسرح بالتجربة والممارسة لسنوات طويلة، على بعض المواقع المسرحية. هؤلاء لا يحتملون هذا المتخرج حديثاً، والذي لم يبذل سوى أربع سنوات من عمره في تعلم أساسيات المسرح، يقول لك “هادا اللي درس المسرح في أربع سنوات جاي يتفلسف على رأسي أنا اللي صار لي عشرين سنة في المسرح”! ومع ذلك تسمع من يقول لك “هذا الخريج لا يشتغل”! ? كم عدد من درسوا المسرح؟ ? قلة، فكل الذين تخرجوا في معاهد أو كليات مسرحية لم يتجاوز عددهم الـ 15، وآخر من درس المسرح تخرج منذ أربع سنوات تقريباً. بين المسرح والسينما ? هناك ضعف في الإقبال على دراسة المسرح؟ ? لو سألني أحدهم الآن، هل أدرس مسرحاً أم سينما؟ سأقول له أدرس سينما؛ لأن المسرح “لا يؤكّل العيش”، وهو فن جماعي ومكلف جداً من الناحية المادية، أما السينما خاصة السينما الحديثة فكلفتها أقلّ، إذ بمقدور المرء أن ينتج فيلماً وحده لو امتلك كاميرا، كما أنه لن يكون مرتبطاً بمجموعة سواء من الناحية الفنية أو الإدارية. ? هل يعاني المسرح الإماراتي مشكلات مادية؟ ? الفرق المسرحية دائماً تنتظر دعماً من الوزارة أو دائرة الثقافة والإعلام، وبالكاد يمكنّها هذا الدعم من إنتاج عمل، فهو لا يتجاوز مئة ألف درهم في حين أن بعض العروض تصل كلفتها إلى رقم أكبر بكثير، سأعطي مثالاً على ما أقوله: معلوم أن كل عرض مسرحي بحاجة إلى الترويج حتى يستقطب جمهوره، لكن كم يكلفني الإعلان في التلفزيون مثلاً؛ عندما تأتي إلى التلفزيون لتعلن عن مسرحية يطلب منك خمسة آلاف درهم لدقيقة إعلانية، وبطبيعة الحال لا بد أن تعيد بث الإعلان خمس مرات في اليوم فكم سيكلفك ذلك؟ ومن جانب آخر أي عمل مسرحي لا بد له من ممثل “نجم” أو يعرفه الجمهور، بكم يمكن أن تطلب إليه أن يشاركك العمل؟ ومن هنا تجد أن أغلب فرقنا المسرحية لا تنشط إلا في إطار المهرجانات. والمسرح، كما قلت، مكلف مادياً حتى أنه تاريخياً لم يتطور إلا برعاية الملوك، وأعتقد أن شكسبير ما كان سيعرف ويكون له كل هذا الصيت لولا القصر الإليزابيثي، وكذلك موليير ما كان سيعرف لولا حماية الملك! المسرح التجاري ? ما رأيك في التوجه إلى المسرح “التجاري” أو “مسرح القطاع الخاص” خاصة مع نجاحه الجماهيري؟ ? لا أعترض على هذا النوع من المسرح، ولو طلب مني أي كاتب أو مخرج مشاركته سأفعل بكل سرور، غير أن علاقة مسرحنا بالشركات التي يمكن أن تغامر وتدفع لإنتاج عرض جماهيري ضعيفة جداً. صحيح هناك بعض المبادرات، ولكنها قليلة جداً وغير مشجعة. ? هناك تجربة الفنان أحمد الجسمي؟ ? مع احترامي لتجربة الجسمي، إلا أنها ما كانت ستنجح لولا أن مسرحيته “عجيب غريب” كانت مسلسلاً تلفزيونياً، وشوهد خلال شهر رمضان في ثلاثين حلقة، وبالتالي عندما عرضها على المسرح جرّ جمهوره التلفزيوني، ومع ذلك أظن أن الجسمي تعب كثيراً. في تقديري أن الجمهور سيأتي إلى المسرح عندما نصدق. عندما نقدم العرض الذي يمس القضايا الحقيقية التي تهم الناس، سواء كان كوميدياً أو تراجيدياً يلزم المسرح أن يكون صادقاً وثرياً في كلفته المادية “لازم يندفع عليه”، وإلا فإن النتيجة ستكون مخيبة حتى بالنسبة لفريق العرض ذاته. لدينا عرض الآن لم نقدر على إنتاجه، وهو من تأليف إسماعيل عبدالله بعنوان “تريلا” بسبب الموازنة، لا بد أن تدفع للممثلين والتقنيين وسواهم. جمعية المسرحيين تحاول عبر رئيسها إسماعيل عبدالله أن تقوم ببعض المجهودات، لكن الجمعية يدها قصيرة ولا تقدر على المطالبة بحق الفنان؛ لأنها جمعية وليست نقابة، لكنها بذلت كل طاقتها لتنظيم الموسم المسرحي ولإتاحة الفرصة للجميع. ? على ذكر الجمعية، كيف تقيّم حضوركم في المهرجانات المسرحية العربية، وهل تقوم هذه المؤسسة بأي أدوار في هذا الاتجاه؟ ? حضورنا في المهرجانات العربية مسؤولية مؤسسات أخرى، ولا بد أن أذكر هنا أن لمسرحنا صيته عربياً، وهو أمر تدل عليه الدعوات التي تصل إلى الفرق لمشاركات في مهرجانات مسرحية في كل البلاد العربية تقريباً، ولقد انتبهت مؤخراً عندما كنت في لجنة “جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي”، إلى أن من بين الأعمال التي وصلت إلى المستوى الأخير عمل إماراتي وهو “حرب النعل” 2011 من تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج محمد العامري، وثمة نص إماراتي تقدمه فرقة قطرية، وهو للكاتب إسماعيل عبدالله الذي أعتبره من أهم كتّاب المسرح في الوطن العربي حالياً، إذاً نحن لا تنقصنا الإمكانات الفنية، ولكن ينقصنا التمويل.. كيف يمكن لفرقة أن تشارك وهي لا تملك نفقات رحلتها؟ الجمهور العربي ? كيف تنظر إلى علاقة الجمهور العربي بعروضكم المحلية.. هل تأتي الجاليات العربية المقيمة في الإمارات لمشاهدة أعمالكم؟ ? في مسرح الطفل، ثمة حضور عربي كبير ربما لأن الأطروحات في نصوص مسرح الطفل متشابهة، فمشكلات الطفل في الأردن هي ذاتها التي لدينا، كما أن نصوص مسرح الطفل تقدم بالعربية الفصحى، ولذلك تجد الصالة في مهرجان مسرح الطفل مملوءة بأطفال من بلدان عدة، أما مسرح الكبار فهو معزول عن الجمهور العربي المقيم في الدولة. قد يقول البعض، إن السبب اللهجة، ولكن في تقديري أن الأمر يتعلق بالأطروحات وصدقيتها، المسرح متى ما صدق وجد جمهوره مهما كانت لغته، وما ينقصنا هو الصدق. ? ماذا بخصوص أطروحات “مسرح الكبار”؟ ? مشكلة المسرح الإماراتي تتمثل في أنه إما هرب من موضوع آني إلى الماضي أو تناول قضية آنية لكن بشكل سطحي؛ سأمثّل لك: قرأت خبراً في الجريدة عن سحل شاب بالسيارة. حين يتعاطى المسرح الإماراتي مثل هذا الموضوع سيتوجه مباشرة إلى التراث ويقدمه بمنظور ماضوي ويحشد له النوخذة، وتلك القصص التراثية أو يناقش الموضوع بمباشرة فجة، لكن في مسرحنا أيضاً كتّاب بحساسية إسماعيل عبدالله الذي إذا تناول موضوعاً تراثياً أحياه وجعله مثل لمحة حقيقية من واقعنا اليومي، وكذلك مرعي الحليان، وهو كاتب فذ ولماح خاصة في “باب البراحة” و”التراب الأحمر” كان جريئاً.. ? ما المشكلات التي تعتقد أن على المسرح الإماراتي أن يناقشها؟ ? ثمة مشكلات في دخيلة الإنسان وأخرى تؤثر على داخله وخارجه وتطبعه بالكامل، فهناك من يعاني لأنه لا يملك عربة أو شقة وثمة من يعاني لأنه لا يملك ثمن الخبز؛ الأولى مشكلة والثانية مشكلة أيضاً، ومن السهل أن تقول لي إن المشكلة الثانية أعمق وأكبر وأحق بالتناول وفي تقديري أن الأولى أيضاً مشكلة عميقة متى ما نظرت إليها بما تستحقه من عمق. التكريم والجوائز ? كُرمت أخيراً في الدورة الثانية والعشرين لأيام الشارقة المسرحية.. كيف شعرت حيال ذلك؟ ? بالنسبة لي التكريم مخيف. وهو أشبه بالدقائق التي تسبق العرض بالنسبة للممثل، لا أعرف بالضبط ما الذي جعلهم يكرمونني أهو نشاطي كممثل ومخرج خلال ثلاثين سنة أم لكوني معلماً أو مدرباً لأجيال من المسرحيين الشباب، لقد كنتُ أول من حاز جائزة في الإخراج من خارج الدولة عن مسرحية “الرحى” التي أعدها مرعي الحليان عن مسرحية لارثر ميلر، وقدمناها في مهرجان الأردن المسرحي، كما شاركت بالتمثيل في عشرات الأعمال، لكن ما يعنيني شخصياً الآن في أمر التكريم أنه أعطاني دفعة قوية لمواصلة جهدي مع أولادي سواء على المستوى الاجتماعي “بناتي” أو على المستوى الفني “الشباب الذين درستهم”، وبدءاً من يوم التكريم قررت ألا أكون إلا في حالين أما لديَّ عمل جديد أو رسالة أود تقديمها أو أنني أدرب أحد الشباب على الإخراج أو التمثيل، فلحظة التكريم هي بمثابة ميلاد ثان لي. ? فزت بجائزة أيضاً؟ ? شعرت بالفخر لأنني حزت الجائزة مع اثنين اعتز بهما جداً، الممثل الكبير أحمد الجسمي الذي اعتبره “غول” خشبة، والممثل الذي أعتبره من تلاميذي، وهو جمال السليطي، أقدر هذه الجائزة جداً. ? مُنحت الجائزة على إجادة دور امرأة في مسرحية “زهرة مهرة” تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج أحمد الأنصاري.. فكيف تنظر إلى وضعية المرأة في المسرح الإماراتي سواء كانت ممثلة أو موضوعاً للمسرحية؟ ? أولاً، على فكرة، كل الموضوعات المطروحة في مسرحنا سواء تناولت المرأة أو الرجل متشابهة، وفي بعض الأحيان يصل التشابه إلى الجمل والمفردات الحوارية المستخدمة. في موضوع المرأة، ثمة رقابة ذاتية تتحكم في كتّاب المسرح الإماراتي؛ فالواحد منهم يخشى أن قدم امرأة متحررة أن تسأله “ذاته”: هل هذا النموذج موجود في مجتمعنا؟ من نفسه يسارع الكاتب إلى طرح أسئلة مثل: هل توجد امرأة مضطهدة أو مكبوتة في مجتمعنا؟ لذلك تجد أن أغلب من تناولوا المرأة كموضوع أما هم خارج بلدانهم أو في بلدهم، ولكن في عزلة تامة عمّا حولهم؛ ومن هنا تجد في معظم نصوص مسرحنا الوضعية ذاتها للمرأة، متشابهة! أنا دائماً أستثني إسماعيل عبدالله الذي نجح كثيراً في العديد من نصوصه خصوصاً في “زهرة مهرة”. حضور المرأة ? وكيف حال المرأة كممثلة الآن، بعضهم يقول إن حضور المرأة في الماضي كان أكبر مما هو الآن؟ ? مع احترامي للرائدات، إلا أن حضور المرأة في المسرح الإماراتي في الوقت الراهن أكبر كثيراً، وأود هنا أن أشكر الرائدة مريم سلطان وزميلاتها على ما قدمنه من تضحيات في البدايات، لكن المرأة حاضرة الآن وبقوة في مسرحنا. بالمناسبة، مرة، قال لي الصديق حسن رجب إننا بحاجة إلى ممثلات “رجالة”، بمعنى ممثلات يمكن لك كمخرج أن توجه لهن الملاحظات من دون أن تخشى “زعلهن”. بعض الممثلات الإماراتيات متطلبات ومزعجات جداً، وأصدقك القول كمخرج لا أستطيع العمل مع ممثلة لا تتقبل الملاحظات، كما أنها مسألة معقدة أن تصل بملاحظاتك إلى المرأة، يمكن أن أصيح في وجه الممثل، وأن أواجهه بكل شيء من دون أن أخشى أي شيء، لكن المرأة وفي كل الساحة المسرحية العربية من الصعب أن تتقبل مثل هذه الأمور. ? هل لك أن تذكر بعض الممثلات المميزات؟ ? في السنوات الأخيرة، تعرفنا إلى ممثلات شابات متميزات فعلاً مثل أمل محمد و”سلوى” و”بدور” التي ان لبست البرقع في المسرح بدت بالفعل في صورة المرأة الإماراتية التقليدية، وإن لبست زياً حداثياً ظهرت أكثر حداثة ومدنية، فهي ممثلة ممتازة لا سيما إذا تمرنت واجتهدت في تطوير أدواتها. ? هناك العديد من المهرجانات المسرحية في الإمارات ما رأيك بها؟ ? لدينا تسعة مهرجانات مسرحية في السنة، وكل مهرجان نعد له في شهرين أو أكثر، بهذا المعنى كل أيامنا هي مهرجانات! بصراحة هذه المهرجانات هي أهم ما تشهده ساحتنا المسرحية ولو سألت أي مسرحي لقال لك إنها بالنسبة له أشبه بالـ”أكاديميات” يتعلم منها فنون المسرح، سواء من ندواتها أو عروضها أو حوارات ضيوفها وغير ذلك. معظمنا تعلم في المهرجانات، لكن هناك مشكلة دائماً لا بد من الوقوف عندها، وهي لها صلة بضعف الحرفية لدى أغلب مسرحيينا؛ فكل عروض المهرجانات تعتمد الحظ في نجاحها ولا تجود وتتقن كما يلزم، تجد الفرقة تنتظر إلى ما قبل اليوم الأخير لعرضها لتجري “بروفاتها” على الخشبة، وهذا أمر غير مهني تماماً، طبعاً الفرق تتعلل بالقول إن إدارة المهرجان لا تتيح لها أن تستخدم الخشبة للبروفة إلا ليوم واحد، وهو أمر صحيح، فثمة فرق أخرى تحتاج أن تتمرن على المسرح؛ بصراحة لا أعرف حلاً لهذه المشكلة، لكنها قائمة والجميع يعرفها. بالمجمل، المهرجانات مهمة، وهي نجحت في تحديد هويتها وتطوير تقاليدها، كما ظلت ترفد الساحة بالأسماء الجديدة، وتلك هي الغاية العليا من أي فعالية مماثلة. ? كيف تنظر إلى المشهد الراهن.. ملامحه الأساسية؟ ? في الوقت الراهن، نشهد توجهاً إلى تكريس شخصية المسرح الإماراتي، هذه المرحلة هي انقلاب على تلك المرحلة التي ارتبطت بالخبراء العرب من أمثال العراقي إبراهيم جلال، والسوداني يحيى الحاج، والمنصف السويسي من تونس، وجواد الأسدي من العراق، وغيرهم، ممن أسهموا في تدريبنا في البدايات في فترة الثمانينات، كنا قد بدأنا نسمع من يقول إن هؤلاء الخبراء العرب لم يقدموا لنا سوى قضايا بلدانهم، إذ إن المسرح الإماراتي وقتذاك كان يتناول قضايا لا صلة له بها، لكن بالنسبة لي شخصياً تعلمت من أولئك الخبراء فنيات الأداء المسرحي وعرفوني إلى سعد الله ونوس وعلي سالم وتوفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور وسواهم من الكتاب المسرحيين المهمين، لكن التطور أمر حتمي؛ ولذلك تجد أن المسرح الإماراتي يقدم الآن باللهجة المحلية ويتناول قضايا محلية، وهذا كان منتظراً على أي حال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©