الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سليمان العظيم شاعر محارب اتسم بنبل المشاعر ونصر العدالة

سليمان العظيم شاعر محارب اتسم بنبل المشاعر ونصر العدالة
24 يوليو 2013 02:15
في أوروبا التي حير ملوكها وبث الرعب في أرجائها عرف باسم سليمان العظيم، وفي إمبراطوريته الشاسعة عرف بالسلطان سليمان القانوني أما وثائق التاريخ فتعرفه ببساطة باسم السلطان سليمان بن سليم. إنه عاشر سلاطين العثمانيين جلوساً على العرش وأطولهم حكماً للبلاد إذ آلت إليه الخلافة بعد وفاة والده السلطان سليم الأول في عام 926 هـ «1520 م». د. أحمد الصاوي (القاهرة) - أقدم وصف للسلطان سليمان بن سليم سجله مبعوث جمهورية البندقية الذي زار البلاط العثماني لتقديم التهنئة بجلوس السلطان على العرش، ويصفه بقوله إنه شاب في الخامسة والعشرين طويل ونحيف وبشرته حساسة وعنقه طويل قليلاً ووجهه رقيق ومعقوف الأنف شارباه متدليان ولحيته قصيرة. وهذا الوصف يكاد يكون متطابقا مع كل الصور التي رسمت لسليمان الأول سواءً التي رسمها فنانون أتراك ممن يعملون في مرسم البلاط ويقومون بتسجيل المناسبات الرسمية بالصورة أو حتى في الصورة الشهيرة التي رسمها الفنان الإيطالي تتيان للسلطان العثماني. شخصية سليمان وقد سجل المبعوث البندقي أيضاً بعضاً مما سمعه عن شخصية سليمان فقال إنه يشاع عنه أنه حكيم وكل الرجال يأملون الخير من حكمه. وفي تلك الملاحظة أيضاً لم يغادر الرجل الحقيقة، فقد كان سليمان بالفعل مثقفاً ويقرأ بأكثر من لغة منها العربية والفارسية والصربية ويكتب الشعر أيضاً منذ وقت مبكر موقعاً باسم مستعار هو «محبي»، كما كان ماهراً في الخط العربي ملماً بالفقه والعلوم العسكرية معاً، وزيادة على ذلك كان له نظر في الأحجار الكريمة ومغرماً بالعمارة وصادف عهده بزوغ نجم المعماري الشهير خوجة سنان فانتشرت العمائر العثمانية في أرجاء دولته. ومما يؤثر عن سليمان أنه كان يبدأ خطبه دائما بالاقتباس القرآني «أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم». قائد عسكري ويجمل لورد كينروس وصف شخصية سليمان العظيم بأنه لم يكن قائداً عسكرياً عظيماً فقط أو رجل سلاح، كما كان أبوه وجده من قبله بل اختلف عنهم لأنه كان رجل قلم كان مشرعاً عظيماً يقف أمام قومه كحاكم نبيل المشاعر وناصر للعدالة. وثمة اعتقاد واسع لدى المؤرخين أن سليمان تأثر بسيرة الإسكندر الأكبر الذي أسس أكبر امبراطورية في التاريخ القديم، وذلك بحكم اطلاعه الواسع وسعى بكل ما استطاع من الجهد وحتى الرمق الأخير من حياته لتحقيق حلمه الامبراطوري. توسع خارجي بدأ سليمان حياته بالحرب التي شنها ضد الولاة في الشام ومصر وقونية وكان صغر سن السلطان قد أغراهم بالثورة ضده فهزمهم جميعاً وبدأ يتطلع للتوسع الخارجي فاتجه شرقاً نحو أراضي الدولة الصفوية التي ارتكب ملكها الشاه طهماسب خطأً كبيراً بقتله لحاكم بغداد الموالي للعثمانيين وتعيين آخر مكانه تابع للصفويين ومع فرار طهماسب من مواجهة سليمان وجنوده ضم العراقين، عراق العرب وعراق العجم للدولة العثمانية، بل وضم تبريز أيضا للدولة العثمانية. ويمم سليمان وجهه نحو الغرب فاستولى على بلجراد التي كانت تابعة للمجر وألقى القبض على ملك المجر جون سيجموسند وعندما استعان به ملك فرنسا لمواجهة شارلكان ملك إسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة التي تحكم المجر شدد سليمان بقواته البحرية والبرية الهجوم على شارلكان وأرغمه في نهاية المطاف على التخلي عن لقب الإمبراطور والاكتفاء بلقب ملك إسبانيا فقد هزم الأسطول الإسباني والقوى المتحالفة معه هزيمة نكراء في معارك بحرية في البحر المتوسط، كما ضرب سليمان حصاراً شديداً على فيينا واصلاً لعمق وسط أوروبا ولولا برودة الأجواء في فصل الشتاء القارس وتعذر نقل المدفعية العثمانية في أوحال أرض النمسا ما رفع سليمان الحصار عن المدينة. وكاد سليمان العظيم يحتل إيطاليا عندما حاصرها براً وبحراً بالاتفاق مع فرانسوا ملك فرنسا، ولكن الأخير لم يتقدم من جهة الغرب بقواته خشية أن تهاجمه رعيته لمساعدته في سقوط الباباوية بروما في يد حاكم مسلم. العمران ورغم توسعاته وأعماله الحربية الباهرة التي جعلته سليمان العظيم في أوروبا لم يهمل السلطان أمر رعيته فقام بمتابعة أعمال العمران حتى أنه شيد مدينة السليمانية بعراق العجم وأمر بتشييد المساجد وإصلاح وترميم المباني في المدن المقدسة الثلاث مكة والمدينة المنورة والقدس، كما أصدر أكبر مجموعة متكاملة من التشريعات القانونية بغرض نشر العدل بين رعاياه من القوميات والعرقيات والديانات المختلة ومن أجل ذلك عرف في الولايات العثمانية باسم سليمان القانوني واستحق أن توضع صورته في الكونجرس الأميركي باعتباره أحد المشرعين الكبار في التاريخ الإنساني. ولكن هذا الفاتح والمجاهد الكبير والمشرع العادل ومن قبل ذلك الشاعر لم تخل حياته من بعض أعمال أقل ما توصف به أنها كانت رعناء ودامية، ولعل أهمها إقدامه على قتل ابنه الأكبر مصطفى والذي كان مرشحا لخلافته عن جدارة. «خرم سلطان» وتتفق المصادر التاريخية على أن السبب في هذه السقطة هي زوجته المحبوبة روكسلانة المعروفة رسميا باسم «خرم سلطان»، وكانت جارية من اصل أوكراني وقعت في الأسر وأهديت إليه لجمالها الفائق فتزوجها وصارت ذات حظوة لديه وتأثير واسع في أمور البلاط بفضل زوج ابنتها رستم باشا الذي عين صدرا أعظم أو رئيساً للوزراء. وقد قام الأخير بتدبير من روكسلانة بتدبير مؤامرة للإيعاز لسليمان القانوني بأن ابنه يريد أن يثور عليه مثلما فعل والده سليم مع جده بايزيد ولم يتوقف سليمان لحظة للتثبت من تلك الوشاية، بل غادر ميدان الحرب في المجر وآب عائداً لتبريز، حيث كان مصطفى يقود الجيش ضد الصفويين وما إن دخل خيمته حتى أمر بذبح مصطفى فقتل على الفور. وكانت السلطانة تتطلع لأن تخلي الطريق لابنها سليم ليتولى عرش البلاد، ولكنها توفيت قبل أن ترى حلمها ذاك بيد أن ابنها أكمل المؤامرة بالإيقاع بأخيه بايزيد عندما سرب إليه أخباراً كاذبة عن نية السلطان الغدر به وذلك بمساعدة من مربي بايزيد الخاص إلى أن كتب الابن المخدوع خطاباً لسليم فيه قدح ظاهر في والده وعلى الفور سلم الخطاب للسلطان الذي استشاط غضباً وقرر استدعاء بايزيد الذي خشي على نفسه من مصير مصطفى فأعلن الثورة على أبيه ولجأ للشاه طهماسب الصفوي، ولكن الأخير غدر به وسلمه للسلطان سليمان القانوني ليقتل شر قتلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©