الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشغولات المعدنية جوهر ثراء فنون الحضارة الإسلامية

المشغولات المعدنية جوهر ثراء فنون الحضارة الإسلامية
22 أكتوبر 2010 21:11
المشغولات الحرفية في لبنان تبهر أنظار السياح والزائرين العرب والأجانب، بالسيوف والأباريق والصناديق، والعلب والصواني والقناديل، والشمعدانات البراقة المطعمة بالمعادن والأصداف التي صنعها حرفيون، ووضبّت بشكل متناسق في واجهات المحال في الأسواق التجارية، لتدل على مدى عراقة هذه الصناعة الحرفية، حتى باتت مشهورة في بعض المناطق اللبنانية مثل “عروس الشلال” جزين. تحف ثمينة ارتبط الفن العربي الإسلامي، ومنذ البداية، بالحاجات اليومية للإنسان، كما ارتبط بالعمارة الدينية والمدنية، وتوزع هذا الفن على أكثر من مادة وخامة، ونوّع الفنان العربي المسلم في إبداعاته وإنجازاته الفنية التي تنتمي إلى الفنون التطبيقية والحرف والمشغولات، كما في العمارة الداخلية “الديكور”، أي فنون الزخرفة والتزيين المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمارة المتعددة الاستعمالات. ومن هذه الفنون والمشغولات، العلب والصناديق والأباريق، والشمعدانات والصواني والقناديل، والأقنعة الحربية والسيوف وغيرها الكثير، كما حاول بعض الفنانين والحرفيين تجسيد أشكال حيوانية أو طيور، بشكل فراغي مجسّم ومحوّر، حمل قيم النحت الرفيعة، إلى جانب قيمة الحرف متقنة التنفيذ، ما جعل من هذه الأعمال تحفاً فنية ثمينة، تتزين بها متاحف الفن العالمية الكبيرة والشهيرة، وتتباهى بامتلاكها لها، بل وتسعى جاهدة لاقتناء المزيد منها، مهما بلغ ثمنها، وهذه الأعمال الفراغية المجسمة المنفذة في الغالب من المعادن، تحمل سمة معاصرة رغم إنجازها قبل مئات السنين، ما يؤكد الرؤية الاستشراقية المتقدمة للفنان العربي المسلم، وموهبته التي تطورت من خلال الحرفة وبها. ثقافة جمالية عن هذه الصناعة اليدوية، يقول سامر دمشقية، الذي يملك عدة محال لبيع المشغولات المعدنية على أنواعها، إنها تمثل جزءاً من الثقافة الجمالية الشرقية في تاريخ الحضارة الإنسانية، وفي سوق المهن اليدوية في أسواق طرابلس وصيدا وجزين وجبيل، حيث يجد الزائر حقاً متعة تأمل الصناعات الزجاجية والخشبية والعاجية والصدفية، والحلي والنسيج والبروكار والموزاييك والأرابيسك، التي تعبر عن موروث للفن الإسلامي الثري، ورؤية الصناع الفنيين الذين يبدعون بأدواتهم البسيطة، باعتبار أنها صناعات قديمة مستمرة، تمكن الزائر من الحصول على مصنوعات محلية وفريدة بنكهتها التاريخية والإبداعية، فضلاً عن كونها قطعاً عملية يمكن استعمالها. ويضيف: “اشتهرت بعض البلدات والمدن في لبنان، بتصنيع مستلزمات ما يحبه البيت العربي من حاجات (انتيكا)، نقشت عليها نماذج متعددة من النحاسيات الفاخرة التي تضم أجمل الرسوم، إلى جانب ابتكار لمسات جمالية تضفي عليها بريقاً خاصاً، ويغري المتفرج بالشراء ومنها تطعيم الأواني النحاسية بالذهب أو الفضة، أو طلائها بمادة لامعة”. طرق التصنيع حول أشغال النحاس التي تتوزع، بين الدق والحفر، والحفر والتنزيل، والمحرم والمفرغ، يقول دمشقية عن الدق إنه نوع من الأعمال الفنية التي تتم على النحاس، بعد أن يطوع على الشكل المطلوب، من أوانٍ ومزهريات ومرايا، تدق بمطارق وازاميل خاصة، طبقاً لرسوم مصممة تمثل قصصاً ذات موضوعات تاريخية، وأيضاً هناك ما يمثل أشكالاً هندسية وكتابات كوفية تمثل أدعية وآيات قرآنية. أما الحفر، وفق دمشقية، فهو يعالج المواضيع نفسها، إلاّ أن الأشكال تختلف والرسوم فيه منقوشة، بينما في الدق نافرة، وذلك على صوانٍ مستطيلة أو مستديرة، تحوي رسوماً على شكل دوائر ومضلعات فيها رسوم موسيقية، تمثل أشخاصاً يعزفون على آلات موسيقية، مثل الدف والطنبور وبعض رسوم الحيوانات مثل الأسود والغزلان البرية. وعن التنزيل، يقول دمشقية إن مراحل العمل تتم مثل مرحلة معينة يكون فيها التنزيل مع الحفر، ويكون إما بالفضة الخالصة أو بالذهب الخالص، أو بالذهب والفضة معاً، والمواضيع التي يعالجونها مستمدة من التاريخ العربي. قيم جمالية وروحية تنوّع الفن الإسلامي شكلاً ومضموناً، خامة وهدفاً، مادة وغاية، لكنه ظل لصيقاً بالقيمة الاستعمالية للحياة اليومية التي لم تتعارض أبداً مع القيمة الجمالية التعبيرية، ولا مع القيم الروحية للإنسان المسلم، بل على العكس، وصلت بعض الفنون الإسلامية الجامعة للقيمتين معاً، إلى حالة فريدة من التعبير الروحي والسامي، خاصة تلك التي نفذت للمســاجد وأماكن العبادة، أو ارتبطت بزخرفة القرآن الكريم وفنون الخط العربي، وبعض الفنون الإســلامية هذه تشكل حاضناً أمنياً وموثقاً لتاريخ الإسـلام ومراحله والشخصيات البارزة فيه، وذلك عندما ارتبطت بشخصية منجزها، أو المحرض على إنجازها وتحقيقها. وتوزعت الإبداعات الفراغية المجسمة هذه على عدد من المعادن والخامات، منها البرونز والحديد والنحاس والذهب والفضة. وهي متنوعة وعديدة أنتجتها الدول العربية والإسلامية كافة في الشرق والغرب، وأخذت خصوصيات المكان الذي جاءت منه، وتأثرت بفنونه القديمة وتراثه غير أنها وبفضل الإسلام، أخذت وحدة مميزة يمكن الاهتداء إليها بسهولة ويسر. متاحف العالم المشغولات الفراغية المجسمة المنفذة من المعادن في الأندلس على سبيل المثال، ورغم تفاوت سويتها خاصة في القرون الأولى من تأسيس الدولة الإسلامية، جاءت تقليداً للصناعات المشرقية، أو أنها استوردت من هناك، وهي كغيرها من الصناعات المعدنية الفراغية الإسلامية، توزعت على القناديل والأباريق والمباخر والقدور، وتماثيل الحيوانات والطيور المزخرفة، والأوعية والصناديق المتعددة المهام والأواني وغير ذلك. وهذه التحف المعدنية الرفيعة والثمينة موزعة اليوم في عدد كبير من متاحف العالم الشهيرة، والعديد منها لا يزال موجوداً في الكنائس والأديرة في إسبانيا وفرنسا وصقلية وإيطاليا. أما المشغولات اليدوية الفراغية الإسلامية، المنفذة من الذهب والفضة، فقد اقتصرت في الغالب على الحلي، التي أخذت النصيب الأكبر من إبداعات الفنانين والصناع في بلاد العرب والمسلمين، خاصة في الأندلس التي اعتبرت فيها صناعة الحلي من الفنون عظيمة الشأن، رغم ضياع العديد منها، خلال الردة على العرب والمسلمين. ومن هذه الحلي القلادة التي نفذت بالطراز العربي الكلاسيكي، وهو “الخيط” ويتركب من قطع أنبوبية الشكل، أو كروية، يضاف إلى ذلك أقراط ودراهم وغيرها.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©