السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سجالات العلمانية والإسلام السياسي!

22 أكتوبر 2010 21:27
سأثير هنا بعض المسائل الخلافية بين دعاة العلمانية والإسلام السياسي، في مسألة الحكم، دون أن أغوص بعيداً في المسائل الشائكة بين الفريقين. وسوف أكتفي بما نقلته عن لسانهم خلال قراءاتي، وما ساقوه من حجج وبراهين، دفاعا عن مواقفهم ومحاولة لدحض آراء خصومهم، علماً بأني كثيراً ما لاحظت عدم اتخاذ دعاة الإسلام السياسي للتحاور سبيلا مع خصومهم العلمانيين، وربما أباحوا قتل العلماني لإلحاده حسب زعمهم. ونذكر هنا بمحاولة قتل الأديب نجيب محفوظ، وقتل المفكر العلماني المصري فرج فودة. وربما جندوا جيوشا من الإرهابيين خلف برنامج غير واضح المعالم والأهداف وهو ما يبرز تعطشهم لإراقة الدم في سبيل السطو على السلطة، والتفرد بها، وبالتالي تكفير العباد للنيل منهم. يرى الإسلام السياسي، أن الإنسان لكي تكتمل هويته، وتتضح شخصيته، لابد له من العودة إلى القرآن، كتاب الله، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والامتثال لإرادة الله، لذلك فهم يطالبون بحكومة دينية، يكون الإسلام مصدر التشريع فيها أولا، ولا بأس بعده من إعمال العقل تمسكاً بالقرآن واقتداءً بسنة رسول الله، أو كما يقتضي القياس، أي العمل على هديهما. ومن هذا المنظور فالأحكام الوضعية التي يجود بها عقل الإنسان الذي يعاين أية مسألة مستجدة عليه أن يستنبطها ما أمكن من ثنايا الشريعة، أو ما يأتي به القياس. ويؤكدون أنه عند وجود نص صريح يبطل الاجتهاد، وتنتفي العملية الديمقراطية في استمزاج الآراء أو حتى الشورى بمفهوم الإسلام. كما يصرون أن الإسلام دين ودولة، وأنه هو الحل لكل ما يعترض سبيل الناس من أمور، وهم بالتالي يعترضون على الدولة المدنية، بزعم اللبس في المعنى، ويرون أن الدولة القائمة أن تكون من عقيدة الأكثرية المسلمة، وأن ما تعانيه الدول الإسلامية اليوم من ضعف وتخلف، سببه الابتلاء بالاستعمار، والقعود عن الاجتهاد، والبعد عن أخلاق الإسلام، وعن الدين الحنيف... وهم بالتالي يصرون على إقامة دولة دينية يرون أن لا بديل عنها. أما العلمانيون فيرون أن الملوك قديماً كانوا يحكمون بالحق الإلهي، لكن عندما أصبحت الشعوب مصدراً للسلطات، سميت الدولة بالدولة المدنية. وقد يكون الحكم في الحالتين حكماً استبدادياً، وكثيراً ما يكون الداعون للحكم باسم الدين في الدولة الإسلامية، أو باسم الشعب في الدولة المدنية غير صادقين. لكن بعض العلمانيين يحاولون التمييز بين معنيين في "الحكم"؛ حكم النبي وحكم الملك، فالنبي كان يحكم بين الناس، أما الملك فهو يحكم الناس، وثمة آيات صريحة في بيان هذا المنحى، وبالتالي الفارق في وظيفة النبي والملك بيّن. وبذلك فإن دعوى الحكم بنظرية الحق الإلهي قد انتهت، وحلت مكانها نظرية "الشعب هو مصدر السلطات" وهو الذي يختار ممثليه ومن يحكمونه. والعلمانيون عندما يتحدثون عن النبي محمد (ص) يخلعون عليه لقب الرسول، قائلين إن سلطته كانت مقتصرة على الدعوة الإسلامية، وهدي الناس، ولم يشر القرآن إلى وظيفة أخرى للنبي كالحكم. أما الخلفاء فجاء حكمهم باختيار الناس، فالخلافة بهذا مدنية. لكن الإسلاميين يعترضون على هذه النقطة بتأكيدهم أن محمداً أقام دولة إسلامية، وأسس جيشاً، وقام في عهده المكلفون بجباية الضرائب، وتحصيل الزكاة، وذلك لا يتم إلا في أعراف الدول. ومن هنا فهم يصرون على أن الإسلام في عهد الرسول كان ديناً ودولةً. وإلى ذلك يرى الإسلاميون أن العلمانية والقانون الوضعي من آثار المستعمر الأجنبي. بيد أن العلمانيين ينفون هذه التهمة، فالقانون الوضعي قد وجد في بعض الدول حتى قبل وجود الاستعمار الحديث. لكن النقطة الموجعة والمفحمة التي ينادي بها العلمانيون تتمثل في جانبين، أولا بأي نظام إسلامي سياسي ستهتدون في الحكم؟ هل يكون الاقتداء بمثال النظام في إيران أم في السودان أم في أفغانستان؟ هاتوا نموذجاً واحداً يمكن أن تتبنوه في إدارة الحكم حتى نجادلكم فيه! ثم ثانياً يقولون إن المنادين بالدولة الإسلامية لا يملكون برنامجاً سياسياً، ويشيرون إلى أن الإسلام السياسي بهذه الارتكابات الدموية، وهو خارج السلطة، فكيف تكون الحال معه لو استلم السلطة، وتحت إمرته الجيش وقوات الأمن! نقطة أخرى فـي برنامج بعـض دعاة الإسلام السياسي، في مصر مثلا، حيث يدعون القبول بما تفرزه صناديق الاقتراع من نتائج الانتخابات النيابية، والحق بالتالي لإدارة البلاد، لكني أعتقد أنهم واهمون عندما يؤكدون أنهم سوف يفوزون بأكثرية ساحقة. وهنا السؤال القاصم لظهر البعير: هل يقبلون باللعبة الديمقراطية على طول الخط؟ أم هي مناورة سياسية منهم للوصـول إلى السلطة، ومن ثمّ الانقلاب على آلية الديمقراطية والتنكر لها؟ ثم متى كانوا يؤمنون بالديمقراطيـة؟ ألم يقولوا عنها إنها صنيعة الاستعمار؟ ألم ننقل عن لسانهم آنفاً ما قالوه من أن الدولة ينبغي أن تكون من دين الأكثرية؟ ألا يعني ذلك أنهم يطالبون بدولة دينية إسلاميـة؟ ومـاذا يكون ردّ فعلهم لو فاز بالانتخابات مناضل قبطي، هل يقبلون به حاكماً على مصر؟ لسان حالهم يقول لا بالطبع لأنهم يترنمون دائماً بمقولة إن "الإسلام دين ودولة"، وأن الدين الإسلامي هو الحل لكل القضايا المختلف عليها، وبالتالي فهو الإكسير الناجع لكل أدواء المجتمع، فهل يمكن الذهاب معهم في ذلك؟ دهام حسن - كاتب سوري ينشر بتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©