السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العذاب الأسود

العذاب الأسود
22 يوليو 2015 22:15
مع فيلمه الثاني «العار» Shame) 2011) تكرّس ستيف ماكوين كواحد من المخرجين المهمين في السينما البريطانية. وعن دوره في هذا الفيلم حاز مايكل فاسبندر جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسيا، حيث أدى شخصية المهووس جنسياً، الذي يعجز عن التواصل مع الآخرين على المستوى العاطفي، والذي يشكّل الجنس محور اهتمامه وهواجسه. ثم تتخذ حياته منعطفاً حاداً ومفاجئاً مع الزيارة غير المتوقعة التي تقوم بها أخته، المضطربة ذهنياً. رحلة العذاب «12 عاماً من العبودية» أو «عبد لـ 12 عاماً» 2013 هو ثالث أفلام ستيف ماكوين، وعنه نال ثناء النقاد والجمهور، وحاز العديد من الجوائز. يقول ستيف ماكوين: «أحببت فكرة تعرّض رجل حر للسجن ومعاملته كعبد. بفعل ذلك، نجعل الجمهور يشارك في الرحلة. زوجتي عثرت على الكتاب، وما إن وقع في يدي حتى علمت في الحال أنه سوف يتحول إلى فيلم.. كل صفحة منه كانت بمثابة كشف لي». يدور الفيلم حول الرق والمتاجرة بالبشر كعبيد في فترة ما قبل الحرب الأهلية الأميركية، تحديداً في العام 1841. أعد الفيلم وكتب له السيناريو جون ريدلي عن قصة تراجيدية واقعية تم تدوينها في مذكرات سولومون نورثاب التي نشرها في العام 1853، والكتاب يحمل عنواناً فرعياً هو: «قصة سولومون نورثاب، مواطن من نيويورك، تم اختطافه في واشنطن في 1841، وتم إنقاذه بالقوة في 1853 من مزرعة قطن بالقرب من ريد ريفر (النهر الأحمر) في لويزيانا». الفيلم، في تناوله لهذه القصة المرعبة، لا يحجم عن تصوير تلك المرحلة المخزية من التاريخ الأميركي، حيث أخضع الآلاف من السود، بدوافع عنصرية واقتصادية، إلى الاستعباد الجسدي والذهني والروحي لسنوات طويلة. سولومون نورثاب (شيوتيال إجيوفور). رجل أسود حر، وهو عازف كمان موهوب ورب عائلة محب ومخلص، يعيش في ساراتوغا. ذات يوم يقنعه اثنان من العاملين في مجال الترفيه بالذهاب معهما إلى واشنطن لتقديم حفلات موسيقية، في جولة مع سيرك متنقل، مقابل مكافأة مالية مجزية. يذهب معهما، لكن بعد سهرة أفرط خلالها في شرب الخمر، يستيقظ صباحاً ليجد نفسه مقيداً بالأغلال، بملابس رثة وبلا أوراق تثبت هويته الحقيقية، ويدرك متأخراً أن العرض كان مجرد خدعة، وأنه وقع ضحية محتالين قاما بتخديره واختطافه ونقله بحراً إلى نيو أورليانز، في الجنوب الأميركي، ثم بيعه كعبد إلى صاحب مزرعة بولاية لويزيانا. وقد ظل في جحيم حقيقي 12 عاماً يرزح تحت ثقل أغلال العبودية متنقلاً من مزرعة إلى أخرى، يعاني الظلم والحرمان والإذلال والإيذاء البدني والنفسي. رحلة الرعب والإذلال تبدأ من عرضه عارياً في سوق العبيد، أمام مرأى عدد من التجار وأصحاب الأملاك والمزارع، الذين يتفحصون بدقة سلامة الأبدان التي يرغبون في اقتنائها. وفي هذه الرحلة الشاقة والقاسية، نادراً ما يتسنى للعبيد فرصة للراحة والفرح والطمأنينة، وقلما يحدث تواصل إنساني بين العبيد العاملين في نفس المكان. سولومون يعيش كعبد في أكثر من منطقة أو مزرعة، مختبراً تجارب وعلاقات مختلفة مع الملّاك من أصحاب المزارع والمشرفين على العمال. تاجر العبيد يبيعه إلى واعظ (بيندكت كومبرباتش) عطوف، محترم، مهذب، يتعاطف معه ويقدّر إمكانياته وقدراته إلى حد أنه يهديه آلة كمان، لكنه يبرر امتلاكه للعبيد بالحاجة الاقتصادية، لذلك هو لا يعتقه بل وينكر عليه حريته. مشرف العمال يشعر بخطورة وجوده بينهم فيتعامل معه بضراوة إلى حد أنه يقوم بشنقه عقاباً له. في هذا المشهد، حيث يتدلى لدقائق في لقطة طويلة مديدة مستمرة، نرى في خلفية المنظر، عمال المزرعة من العبيد يمارسون مشاغلهم اليومية، الروتينية، في خوف داخلي عميق، ولامبالاة ظاهرية، كأن ما يحدث على مقربة منهم أمر عادي وبسيط لا يستحق حتى الالتفات. بعد ذلك ينتقل إلى مزرعة إيبس (مايكل فاسبندر) والذي يقضي في خدمته فترة أطول. إيبس هو الأكثر عنفاً وشراسة وتعقيداً. إنه سكير، سادي، ماكر، خبيث، ولديه إحساس عميق بالاشمئزاز من ذاته. وهو ينفّس عن تعاسته بقمع وإرهاب عبيده. إنه يعيش علاقة متوترة مع زوجته، بينما لا يخفي انجذابه الجنسي إلى الخادمة باتسي (الكينية لوبيتا نيونجو في أول أدوارها) لكن عندما تعصي باتسي أوامره (هذه الراغبة في التخلص من حياتها، الراغبة في الموت من شدة يأسها) لا يتردد في إصدار أمره إلى سولومون بجلدها بعنف على مرأى من العبيد. سولومون، الذي يعيش تحت رحمة أسياد يؤمنون على نحو راسخ ومطلق بأن من الطبيعي جداً امتلاك كائنات بشرية أخرى والتصرف فيهم كما يحلو لهم، والذي يكتشف في رعب مدى هشاشة وجوده ووعيه بذاته، يكافح في صمت، بعزيمة صلبة، في المحافظة على فردانيته، على هويته (كفرد حر، فنان ومتعلّم) والتي تعرضت للتغيير حين ادعى خاطفوه أنه عبد عامل في سكة الحديد وأميّ يجهل الكتابة والقراءة. مع إنه يدرك بأنه مسلوب الإرادة والحق في الاختيار، وفي العيش بكرامة. هو يعيش على أمل أن يستعيد حريته، ويجتمع ثانية مع عائلته الحبيبة. هو يعلم أنه لكي ينجو ويبقى على قيد الحياة، يتعين عليه أن يتخلى عن رهافته ورقّته، وأن يقتصد في مشاعره، فيوازن بين الرقة والخشونة، الدفء والفتور، الاهتمام واللامبالاة، البذل والأنانية.. يعلم أن عليه أن يسمو فوق العذابات والآلام الجسدية، وأن يتظاهر طوال الوقت بالخنوع والقبول، فلا يتمرد ولا يتذمر علانيةً لئلا يتعرض للكسر والإخضاع بالقوة. العبودية جعلته، هو المثقف والوديع، يمارس أشياء منافية لطبيعته وجوهره. مرةً واحدة لم يلتزم الحذر، وذلك حين التقى برجل أبيض بدا عليه التعاطف فسلمه رسالة ليبعثها بالبريد، لكن الرجل سلّم الرسالة إلى مالكه. الوحيد الذي يبدي تعاطفاً صادقاً معه، ويفهم حجم الرعب الذي يعيشه العبيد، هو النجار الكندي (براد بيت)، المكلف بالعمل في مبنى داخل المزرعة، والذي يساهم في إنقاذ سولومون. وفي النهاية ينجو بدنياً وذهنياً وعاطفياً. فنيّات المخرج لا يحجم عن إظهار العنف الجسدي الممارس ضد العبيد كحق طبيعي للأسياد في معاقبة من يرتكب أي خطأ أو تبدر منه مشاعر تذمر أو يظهر بوادر عصيان، كما في مشهد جلد الخادمة باتسي، فيما الكاميرا تدور معبّرة عن الامتداد المخيف للعقاب الذي يمكن أن يشمل الجميع. إلى جانب المشاهد العنيفة، يوفر لنا المخرج لحظات مشحونة عاطفياً، مصورة برهافة وحساسية عالية. وهو يكشف عن قدرة على خلق الأجواء المرعبة والعنيفة من خلال توظيف الصورة والصوت جمالياً، وأحياناً يعطيها أبعاداً إيحائية، وتضمينات شعرية. أداء مبهر من شيوتيال إجيوفور الذي يكشف في كل دور يمثله عن موهبة عظيمة، مذهل في التعبير بوجهه عن مشاعر وأفكار باطنية فيما هو يتطلع حواليه إلى الواقع المرعب الذي انتقل إليه عنوةً. كما أدى مايكل فاسبندر باقتدار دوراً صعباً. وتجدر الإشارة إلى أن هذا هو التعاون الثالث لفاسبندر مع المخرج ماكوين، بعد «الجوع» و«العار». أما لوبيتا نيونجو فقد استحوذت على الاهتمام بالأداء الملفت في دور الضحية.. ضحية سادية السيد، وغيرة زوجته. يقول ماكوين: إنه لا يريد شيئاً غير أن يعود كتاب نورثاب إلى قائمة أكثر الكتب مبيعاً، حيث مكانه الأصلي: «اندهشت كثيراً عندما علمت أن أحداً لا يعرف شيئاً عن هذا الكتاب. إنه كتاب عبقري. أرغب في توصيل هذا الكتاب إلى كل مدرسة في أمريكا.. ذلك هو ما أصبو إليه». حقق الفيلم نجاحاً كبيراً على الصعيدين النقدي والجماهيري.. وفاز بجوائز عديدة في مقدمتها جائزة أوسكار أفضل فيلم والجائزة الكبرى في مهرجان تورنتو. ستيف ماكوين: ما إن وقع الكتاب في يدي حتى علمت أنه سوف يتحول إلى فيلم.. كل صفحة منه كانت بمثابة كشف لي .................................... يجسد الفيلم مرحلة مخزية من التاريخ الأميركي جرى خلالها استعباد السود المخرج البريطاني ستيف ماكوين لفت أنظار النقاد والجمهور منذ فيلمه الأول «الجوع» Hunger) - 2008) الذي تناول فيه واقعة إضراب المناضل الإيرلندي بوبي ساندز عن الطعام حتى الموت، في بلفاست العام 1981، ومحاولة السلطات فرض الانضباط والتأديب ليس فقط على أجساد المضربين بل أرواحهم أيضاً، من أجل دفعهم إلى الاستسلام والإذعان. استمر إضراب بوبي ساندز (مايكل فاسبندر) 66 يوماً، بعدها لفظ أنفاسه الأخيرة. فيلم «الجوع» كشف عن موهبة أصيلة وجريئة في الإخراج السينمائي.. وعنه حاز ستيف ماكوين جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان 2008، وهي الجائزة التي تعطى للمخرج الذي يفوز بفيلمه الأول. جوائز حقق فيلم «12 عاماً من العبودية» نجاحاً باهراً، وفاز في عام 2014 بعدد كبير من الجوائز في مقدمتها: جائزة أوسكار أفضل فيلم. جائزة البافتا لأفضل فيل م. جائزة الأكاديمية الأسترالية للفنون السينمائية والتلفازية العالمية لأفضل ممثل (شيواتال إيجيوفور). جائزة الروح المستقلة لأفضل فيلم. جائزة نقابة ممثلي الشاشة لأفضل ممثلة مساعدة (لوبيتا نيونغو). جائزة اختيار النقاد لأفضل فيلم. جائزة بي إي تي لأفضل فيلم. جائزة ستالايت لأفضل فيلم. جائزة الرابطة الوطنية الأميركية لتنمية الملونين لأفضل فيلم سينمائي. فاز بـ 5 جوائز في مهرجان سبيريت للسينما المستقلة في كاليفورنيا: أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل ممثلة مساعدة لوبيتا نيونغو، أفضل سيناريو (جون ريدلي)، أفضل تصوير (شون بابيت). فاز ستيف ماكوين بجائزة نقاد السينما في نيويورك كأفضل إخراج عن الفيلم. حاز الفيلم الجائزة الكبرى في مهرجان تورنتو.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©