الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنغازي: دور جديد للشرطة

26 يوليو 2011 22:25
كان ضابط الشرطة "شريف غناسي" منهمكاً في حراسة المدينة خلال دوريته الليلية التي تبدأ من الرابعة عصراً، ولا تنتهي إلا بعد منتصف الليل يجوب الشوارع المليئة بالنفايات في بنغازي بحثاً عن مثيري الشغب من بعض السكارى وسارقي السيارات، وفي زيه الجديد والضيق كان يشعر باختناق كبير وبالعرق يتصبب منه وهو يقود سيارة صغيرة ويده على جهاز الإرسال. لكن "غناسي" الذي يشق طريقه وسط حركة السير لا يحمل مسدساً كما بقي رجال الشرطة في العالم، ولا حتى شارة تدل على هويته، بل يكتفي بنقل أي تصرف مشبوه إلى مقر الشرطة عبر جهاز اللاسلكي ليبعثوا بالعناصر المسلحة الأكثر قدرة على التعامل مع الوضع. هذا هو العالم المهمش لرجال الشرطة في بنغازي حيث يجري العمل في ظروف صعبة يفتقدون فيها للمعدات الضرورية، فقوات الأمن تتألف من 6000 رجل شرطة منهم من انضم حديثاً إلى التشكيلات الأمنية المستحدثة بعد الثورة، ومنهم من كان يخدم في الشرطة قبل ذلك. ومع أنهم جميعاً يشتركون في ضعف التدريب ونقص الأسلحة، إلا أنهم يستميتون في القيام بواجبهم ومساعدة الثورة على النجاح وتحقيق أهدافها، وهو ما يضطرهم إلى تقديم تضحيات مثل القبول بتأخير صرف رواتبهم لأكثر من شهرين وشرائهم للبنزين من مالهم الخاص، فضلاً عن الاعتماد أحياناً على أسلحتهم الشخصية للقيام بالعمل. فبعد اندلاع الأحداث في بنغازي وانهيار نظام القذافي فيها، كان أول من استهدفه الثوار مقار رجال الشرطة باعتبارهم رمز القمع الذي كان يمارسه نظام القذافي، هذا في الوقت الذي فضل فيه العديد من قوات الشرطة الانضمام إلى صفوف الثوار والذهاب إلى جبهة القتال. لكن الشرطة عادت مجدداً لتظهر في شوارع بنغازي بعد خمسة أشهر على اندلاع الثورة دون أن ترجع معهم 500 سيارة تمت سرقتها من مراكز الشرطة. وفي هذا السياق، يقول "غناسي" موضحاً الأمر "في السابق كان الناس يخافون من الشرطة، وكانوا يكرهون أفرادها كراهية شديدة. لكن اليوم تغيرت تلك النظرة، لأن همنا الأول هو حماية السكان، وليس الاعتداء عليهم". ومن بين قادة الشرطة الذين رجعوا إلى مهامهم بعد الثورة "عاشور شويل" البالغ من العمر 52 عاماً، ويتولى حالياً قيادة شرطة المدينة بعدما كان في السابق رئيس قسم المرور، معترفاً هو الآخر أنه قبل الثورة كانت الشرطة تمثل تهديداً للمواطنين فيما اليوم أصبحت تسهر على خدمتهم وتوفر الحماية ما أمكن للأهالي، رغم ضعف الإمكانات. وفي تفسيره لهذا التحول من جهاز يمقته الليبيون إلى جهاز ينظرون إليه بعين التقدير، يقول "عاشور" إن الشرطة خلال نظام القذافي كانت مجبرة على ممارساتها السلبية، وأي شكوى تصدر من أحد أعضائها تعرضه للعقاب، مضيفاً أن تلك النظرة تغيرت اليوم بعد الجهود التي يبذلها عناصر الشرطة لكسب تعاطف الناس واستعادة المصداقية في عملهم، ولا يتم ذلك في رأيه إلا بإظهار قدر كبير من التفاني في العمل وتأمين مدينة بنغازي ضد التهديدات، رغم الإمكانات المتواضعة جداً، ويبدو أنها مهمة نجح فيها عناصر الشرطة ولو نسبياً في بنغازي. فالمدينة لم تعد بنفس القدر من الفوضى وانعدام الأمن اللذين كانت عليهما خلال شهري فبراير ومارس عندما كان الرجال المسلحون يجوبون المدينة دون رادع مطلقين الأعيرة النارية ليل نهار. وفيما انتقلت أغلب الأسلحة التي تم نهبها من مراكز الشرطة إلى جبهات القتال سواء في البريقة البعيدة بحوالي 140 ميلاً عن بنغازي، أو في مناطق أخرى ظلت بعض الأسلحة الخفيفة في أيدي الشباب الذين يطلقونها ليلاً، وهو ما دفع الشرطة إلى محاربة الظاهرة التي تروع الأهالي وتبث شعوراً غير مريح بانعدام الأمن بحيث أصدرت الشرطة المحلية توجيهات تمنع حمل السلاح دون ترخيص. وبفضل الدوريات التي يسيرها ليلاً "شريف غناسي" وزملاؤه تدنت مستويات الجريمة بشكل لافت في المدينة وتراجعت معدلات سرقة السيارات التي انتشرت بشكل واسع بعد الثورة، ورغم حظر تداول الأسلحة النارية مازال بعض الشباب المتحمس يصر على حملها ما يتسبب في بعض الاضطرابات. ويسعى رجال الشرطة في هذه المرحلة إلى منع بعض السلوكيات غير المرغوبة التي تقلق الناس في الليل، بالإضافة إلى مهام أخطر تتمثل في رصد تحركات مشبوهة قد يقوم بها أنصار القذافي الذين يسعون إلى الانتقام، وهو ما تم بالفعل رصده خلال الأيام السابقة عندما أوقفت شاحنات محملة بمواد متفجرة كان أصحابها ينوون استخدامها لأغراض تخريبية. وتشعر الشرطة في بنغازي ببعض الحرية في ممارسة مهامها رغم نقص التدريب والسلاح مقارنة بما كان عليه الوضع مع نظام القذافي، فقد منع هذا الأخير تسليح الشرطة إلا من أسلحة خفيفة وقلص صلاحياتها خوفاً من الانقلاب عليه. وفي المقابل خول ما يُعرف باللجان الشعبية صلاحيات كبيرة وسلحها بأحدث أنواع الأسلحة، لأنها كانت تدين له بالولاء الأعمى وتعتبر حامية لنظامه. هذا الاختلال في التوازن بين الشرطة النظامية وغيرها من التشكيلات التابعة لأبناء القذافي هو ما تسعى السلطات الجديدة إلى القطع معه وإعادة الهيبة لسلك الشرطة بالتأكيد على مهامه الخدمية واستعادة الثقة في وظيفته. ديفيد زوشيون - بنغازي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©