الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سعيد سالمين صنع فيلمه بكثير من النوايا الحسنة

سعيد سالمين صنع فيلمه بكثير من النوايا الحسنة
22 أكتوبر 2010 23:43
عرض مساء أمس الأول بصالة سيني ستار بالمارينا مول الفيلم الروائي الطويل “ثوب الشمس” للمخرج الإماراتي سعيد سالمين، والفيلم الذي يعد التجربة الأولى لمخرجه في مجال التصدي لعمل طويل عرض ضمن برنامج (آفاق جديدة) الذي خصه مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الرابعة لتشجيع المخرجين المحليين والعرب والدوليين في أعمالهم الروائية الطويلة الأولى أو الثانية. وسبق لسالمين التصدي لإخراج عدة أفلام روائية قصيرة، حازت جوائز محلية وخارجية ونذكر من هذه الأفلام: “هبوب” و”عرج الطين” و”الغبنة” و”بنت مريم” الذي نال النصيب الأوفر من هذه الجوائز نظرا لقوته وتماسكه على مستوى الطرح البصري والتعبير الجمالي الذي جاء متناغما مع الشروط القياسية للفيلم الروائي القصير، كتب سيناريو “بنت مريم” السيناريست والشاعر محمد حسن أحمد صاحب البصمة السينمائية الواضحة والنكهة الشعرية الطافحة التي عززت حضور وتوهج الفيلم الإماراتي القصير على مدار العشر أعوام الماضية. في فيلمه الروائي الطويل الأول اختار سالمين أن يتصدى وحده لكتابة السيناريو رغم خطورة وحساسية التعامل مع فيلم ذي مواصفات خاصة يحتاج لدربة ومران وخبرة متراكمة في مجال الكتابة، كما أنه فيلم يتطلب الحذر والدقة والانتباه للتفاصيل الكثيرة والمتشعبة في قصته المروية بصريا، والانتباه أكثر كذلك للإيقاع العام للفيلم من أجل تكثيف الحالة الدرامية والحفاظ عليها من التشتت والخلط والتوهان داخل مسار زمني طويل ومنهك. يبدأ الفيلم على صوت راو مجهول ينطلق وسط الإعتام الكلي للشاشة ويتحدث عن الفتاة حليمة التي يتكرر وجودها في كل مكان وزمان، وأنها واضحة ولكن لا أحد يراها، وكأنها ترتدي ثوب الشمس الذي لا يرغب الناس في رؤيته، ويقفل الراوي شهادته قائلا: “في ذروة حزننا، لا نعرف ما هو الحزن”. هذا الاستهلال الذي جاء غامضا وملتبسا نوعا ما اختاره المخرج كعتبة أولى للدخول إلى حكاية (حليمة) النائية والبعيدة والتي باتت تتشكل الآن كأنها شبح قصة، أو كأنها رواية لم تكتمل عناصرها بعد، هذه القصة سوف تبنى شفويا على لسان طفل يحاول مع والدته ـ وفي زمن يبدو معاصرا ـ فك اللغز المحير لحكاية (حليمة) التي نرى صورتها مرسومة في إطار صغير في إحدى زوايا البيت، يبدأ الطفل الذي يعيش في العاصمة السورية (دمشق) في مطاردة الحكاية والتقاط خيوطها وترتحل معه الكاميرا وسط الزقاق والبيوت الدمشقية، وتسافر معه في الريف السوري وفي الجبال العالية المحيطة به، ومن هناك يشرع الطفل في كتابة السطور الأولى لقصة (حليمة) الغامضة. وفي تداخل بصري بين الكتابة والصورة المتخيلة تنتقل المشاهد التالية مباشرة إلى زمن الخمسينات قرب جبال رأس الخيمة في الإمارات ـ ولا نعرف سبب ولا مبررات هذه النقلة الزمنية والجغرافية الهائلة، وبكل ما تحمله من فروقات بيئية وتراثية عند وضع مقارنات على هذا الصعيد بين الإمارات وسوريا! ـ وهناك وسط المزارع والبيوت القديمة نتعرف على شخصية حليمة الصماء والبكماء التي فقدت أمها وتعيش مع أختها الأصغر منها ووالدها وزوجة أبيها وأخيها الصغير في بيت متواضع وقديم يحتله قفص كبير وممتلئ بطيور الحمام. نكتشف في سياق القصة أن خال حليمة يرفض تزويجها من ابنه صالح خوفا من أن يرث أبناؤه إعاقتها، هذا الرفض أو النبذ يتحول في ثناياه القرية الهادئة إلى عقدة وألم داخلي يعيشه وبتركيز عاطفي واضح والد حليمة، الذي يشعر بالظلم الاجتماعي الكبير الواقع على ابنته، ولكنه في ذات الوقت يبدو عاجزا عن تغيير هذا الوضع أو التأثير على قرار الخال الجاهل والأناني، وفي سياق آخر نرى الأخت الصغرى لحليمة وهي تعيش قصة حب من جانب واحد مع صالح، وتعاني من الغيرة الشديدة تجاه علاقة الحب الافتراضية بين حليمة وبين صالح الذي غالبا ما يزور منزل حليمة من أجل بيع الحمام ومساعدة والده في تجارته، تخفت مشاعر الغيرة هذه عندما يأتي زائر غريب يدعى “علي” إلى القرية كي يعمل في دكان الخال، حيث يعجب علي بحليمه وتبادله ذات الإعجاب، ولكن عندما يكتشف عاهتها ينفر منها ويتركها لغربتها الكبيرة ووحدتها الضارية التي لا تستطيع الفكاك منه، تعود بنا المشاهد مرة أخرى إلى سوريا ونرى عذابات حليمة وهي تتداخل مع عذابات الطفل الذي يكتب حكايتها، ويؤلف قصتها تحت ضوء الشمس كي تتحول هذه القصة في نهاية الفيلم إلى ثوب زفاف أبيض يرميه الكاتب على القبر، في صياغة مباشرة أراد المخرج أن يشير فيها إلى الأحلام المقبورة والميتة التي تنتهي بالمعاقين في المجتمع إلى اليأس المطلق والخنوع الكامل لشرط المكان ولأحكامه الظالمة. عانى فيلم “ثوب الشمس” من إشكالات كثيرة على مستوى الكتابة والمعالجة الإخراجية، فالإيقاع العام للفيلم كان يسير على وتيرة واحدة، ولم تتضمن قضية حليمة ذلك التأثير الذي يمكن أن يخلق تعاطفا أو تجاذبا أبين لشخصية الرئيسية وبين المشاهد، وكان واضحا أن زمن الفيلم الطويل والممتد تحول إلى عبء لم تستطع مكونات القصة وشخصيات العمل أن تتحمله، ومن هنا فإن لجوء سعيد سالمين للمشاهد الرمزية الزائدة عن طاقة الحبكة كان مفرطا ومبالغا به، نذكر هنا مشهد ختان الطفل ـ الأخ الأصغر لحليمة ـ والذي خلا من أية وظيفة درامية أو مبرر موضوعي يضيف ويعزز من مسارات القصة أو القضية المطروحة، عانى الفيلم أيضا من الحوارات الرومانسية المستهلكة والأداء الانفعالي المفرط والمرتبك والذي ذكرنا بالمشاهد التمثيلية الهزيلة في بدايات ظهور السينما العربية، وكان واضحا وجود خلل كبير في توزيع أدوار الممثلين والشاغر الزمني المفتقد الذي كان يجب أن يحتلوه كي تذهب اللقطات والمشاهد في سياق متسلسل ومتوازن مع إيقاع الروي والسرد واستثمار حضور الشخصيات بالشكل الأمثل، بدل غيابها الكبير وغير المبرر وفي فترات طويلة من زمن الفيلم، فالغياب الطويل للأب ثم الأم من كل المشاهد التي أتت في وسط الفيلم، أشاع انطباعا خفيا لدينا كمشاهدين بموت أحدهما أو مرضه، وأتى دخولهما المفاجئ بعد ذلك في المشاهد الأخيرة للفيلم وكأنه دخول مقحم تذكره المخرج فجأة كي يعيد ترتيب فيلمه وشخصياته! ورغم الجهود المبذولة إنتاجا وتصويرا ورغم النوايا الحسنة التي أراد سعيد سالمين أن يعبر فيها عن تعاطفه مع قضية إنسانية شاملة وملحة يعاني منها ذوو “الاحتياجات الخاصة” ـ حسب تعبير المخرج نفسه في الحوار المفتوح الذي أقيم بعد العرض ـ فإن هذه الجهود والنوايا الحسنة لا يمكن لها أن تصنع فيلما ناجحا واستثنائيا، خصوصا إذا تاهت الفكرة والحبكة وسط الحماس المفرط لإنتاج فيلم روائي طويل، وكذلك إذا غاب الموضوع الأساس وسط ضجيج الإخراج الذي يبالغ في جمالياته الظاهرة وترميزاته المقحمة، كي يخفي وراءه الكثير من عيوب النص وضعف الإيحاء وضياع الملامح الدرامية القوية في رسالتها والمتماسكة في موضوعها. مخضرمون وجدد شارك في فيلم “ثوب الشمس” مجموعة من الممثلين المخضرمين والجدد وهم: حبيب غلوم، مرعي الحليان، ونيفين ماضي، والمذيع الإماراتي أحمد عبدالله، وحمد الحمادي، وحسين محمود، والوجه الجديد صوفيا جواد ومن البحرين الممثلة بروين ومن سوريا الطفل نبيه عربي كاتبي ورغداء هاشم. مدير التصوير فراس عبدالجليل، مصمم الديكور والملابس حسين الجناحي، مدير الإنتاج عمر المنصوري، ومن سوريا محمد الجندي، مساعد مخرج حيان جابر، مخرج مساعد من البحرين عمار الكوهجي، المؤثرات الصوتية طه العجمي. والفيلم من إنتاج الرؤية السينمائية للإنتاج الفني والتوزيع، وتم دعمه من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي من خلال (منحة سند)، وتم تنفيذه بالتعاون مع مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، ومؤسسة الإمارات للنفع العام.
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©