الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أيام «أبوظبي السينمائي»... أول الغيث قطرة ثم... ينهمر

أيام «أبوظبي السينمائي»... أول الغيث قطرة ثم... ينهمر
22 أكتوبر 2010 23:43
قبل سنوات قليلة كان مجرد الحصول على الاهتمام سواء الرسمي أو الإعلامي أو المجتمعي مجرد حلم يراود السينمائيين الإماراتيين الذين كانوا أشبه بإنسان يحفر الصخر بمخرز أو يحارب طواحين الهواء. لم تكن في المدينة سينما ولا مشاريع سينمائية واضحة ولا حتى رغبة - كما بدا الأمر حينها - في خوض مثل هذه المغامرة البالغة الجرأة. كانت ثمة طموحات فردية وأحلام تعشش في رؤوس قلة من الشباب الحالمين؛ تجربة هنا، وفيلم هناك، ومستقبل يبدو غامضا غموض البيداء في ليلة شتائية ماطرة. واليوم، بعد أن قطعت المدينة خطوات عديدة - لا مجال هنا لاستعراضها - يتحقق جزء كبير من الأحلام: ثمة سينمائيون يعملون. ثمة اهتمام رسمي وإعلامي ومجتمعي بهذا الفن وتغيرات ملموسة على صعيد الذائقة. ثمة دور للعرض السينمائي وأفلام تعرض من شتى بقاع الأرض، ثمة أفلام تصور هنا في الإمارات يخرجها شباب مسكون بعشق الفن السابع. تطوير الذائقة البصرية يصعب بل يكاد يكون مستحيلاً أن تورد ما تكرر من كلمات الشكر والمديح والثناء التي تسمعها حين تسأل أي شخص، سواء من الجمهور أو ممن لهم علاقة بالسينما بأي شكل من أشكال صناعتها، عن أهمية هذا المهرجان وضرورته، لهذا سأكتفي بهذه الإشارة إلى أن كل من قابلتهم أجمعوا على أهمية المهرجان وجمال تنظيمه وحسن إخراجه وجمال الأفلام التي عرضت فيه، مع ذكر سلبية واحدة أبداها عدد من متابعي العروض الذين حرصوا على حضور أفلام معينة فاتتهم ثم لم تتح الطريقة التي برمجت فيها الأفلام أن يروها مرة أخرى، وأمنيتهم أن يروها في دور العرض السينمائي لاحقاً، والحرص في دورات المهرجان المقبلة أن تعرض الأفلام المهمة يومي الجمعة والسبت لأنهما يوما إجازة للكثيرين. وعودة إلى أهمية المهرجان وضرورته لتحقيق حلم صناعة السينما في الإمارات يقول الناقد السينمائي عبد الرزاق الربيعي: “لا شك أن مهرجان أبوظبي السينمائي وغيره من المهرجانات التي تقام في المنطقة الخليجية ضرورية جداً ولها أهمية كبرى في تنشيط الحراك السينمائي. هذا النشاط بحكم حداثة التجربة السينمائية في المنطقة - كما لاحظت من خلال تواجدي في السنوات الأخيرة في منطقة الخليج – هو نشاط فردي ومحاولات واجتهادات تبذل في أوقات متباعدة. الى جانب غياب الإعداد الأكاديمي للسينمائيين. ففي العراق، على سبيل المثال، هناك كلية فنون جميلة فيها قسم للسينما، أي هناك إعداد نظري للكوادر لكن في هذه المنطقة لا يوجد هذا الإعداد. وهنا تأتي ضرورة اقامة المهرجانات السينمائية في منطقة الخليج لتحقيق الخبرة التي يوفرها الاحتكاك بخبرات أخرى عربية وعالمية ومشاهدة العروض وحضور الندوات وغيرها مما يسهم في تطوير الذائقة البصرية. إضافة الى أن المهرجان لا يقدم فقط ثقافة سينمائية بل يدعم الإنتاج السينمائي دعما ماديا وهذا شيء مهم. فالجوائز ومنحة سند وغيرها من البرامج من شانها أن تنشط هذا الحراك”. ويضرب الربيعي مثلاً بما حدث في عمان، يقول: “عندما أنشئت الجمعية العمانية للسينما في أواخر التسعينات كانت موضع لغط وجدل واستغراب من الكثيرين الذين تساءلوا عن جدوى وجودها في بلد لا توجد فيه دور عرض ولم ينتج أي فيلم، لكن القائمين على الجمعية تحدوا وعملوا. وفي العام 2000 عندما أقاموا مهرجان مسقط السينمائي طرح السؤال نفسه مرة أخرى: ماذا نستفيد من إقامة مهرجان للسينما يعرض أفلام الآخرين فيما نحن ليس لدينا فيلماً يعرض. وفي عام 2006 عرض فيلم “البوم” الذي أخرجه الدكتور خالد الزدجالي في المهرجان. كان الفيلم خطوة مهمة جداً ثم تتابعت الخطوات وأقيمت الورش الفنية وقدمت أفلام قصيرة أقيم لها أكثر من مهرجان، وحدث حراك سينمائي والآن يقطف السينمائيون العمانيون الجوائز ويشاركون بأفلامهم في مهرجانات عالمية”. مهرجان حقيقي لا بروتوكولي من جهته، يرى علي حمود الحسن، ناقد سينمائي عراقي في جريدة الصباح العراقية، أن مهرجان أبوظبي السينمائي “يتميز عن غيره من المهرجانات بكونه مهرجاناً حقيقياً وليس بروتوكولياً أو صورياً”. ويضيف: “السينما العربية تجاوزت القرن لكن بالمقابل ليس هناك منجز (عدا مصر والتي تراوح سينماها بالمناسبة مكانها) تتوفر فيه المواصفات السينمائية العالمية. ولا أتحدث هنا عن العالمية بالمعنى التقليدي وإنما بالمعنى الجمالي والفني. هناك الكثير من المهرجات العربية بعضها تجاوز عمره الأربعة عقود مثل مهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان قرطاج السينمائي لكن غالبا ما تتميز بنمطيتها الشكلية والصورية والاحتفالية. في مهرجان أبوظبي السينمائي نجد اختلافاً كبيراً يتمثل في عدة أمور: أولاً هناك دعم كبير للمهرجان وهذا الدعم يأتي بالطبع من توفر المال. والثاني يتعلق بمدينة أبوظبي نفسها وهي مدينة عالمية بمعنى أنها منفتحة على الآخر وعلى الثقافات المختلفة، من هنا يتميز المهرجان بآفاق منفتحة مما أتاح للسينمائيين العرب أن يجدوا وسيلة مثلى لتلاقح الخبرات، وعمل أفلام. والثالث أن المهرجان يتوجه لدعم صناعة السينما، بمعنى أن هناك صندوقا لدعم الإنتاج السينمائي وهناك جوائز ليس فقط للإخراج بل لكتاب السيناريو وهذا أمر في غاية الأهمية”. حكاياتهم مع المهرجان ايفا داود، مخرجة شاركت لأول مرة في أول فيلم تصنعه في مسابقات الطلبة. قدمت فيلمها “السندريللا” في دقائق قليلة لكنها لفتت الانتباه لجمال الفكرة وغرابتها وتجسيدها المفارق لمفهومنا حول “السندريللا”، خاصة من قبل الرجل الذي يرى المرأة وفق تصوراته لا كما هي في الواقع. إيفا واحدة من الذين حقق مهرجان أبوظبي الدولي أحلامهم وممن وجدوا في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وعاء حاضناً لهم. لا تكف عن توجيه الشكر للهيئة على إتاحتها هذه الفرصة لها لتقف وراء الكاميرا، وتنجز الفيلم الذي ظلت تحلم به طوال حياتها. كانت تحلم بالسينما منذ صغرها لكن ظروفاً حالت دون تحقيق هذا الحلم، وها هي بعد سنين طويلة تجد في “أكاديمية نيويورك للفيلم” التي تدعمها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مكاناً لممارسة الحلم ودراسته. كل حركة من حركاتها وكل إيماءة تعكس حجم الفرح الذي خلقته هذه التجربة في روحها. تؤكد إيفا داود أن تجربتها بدأت وأنها ستستمر في العمل السينمائي. لديها طموحات كثيرة وأحلام أكثر صارت الآن واثقة من إمكانية تحقيقها بعد أن كانت قد فقدت الأمل، وكل ذلك، تقول إيفا، بفضل أبوظبي. وتؤكد ايفا أن أي مشروع مستقبلي لها “سيكون تحت جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أو كتحية لها، عرفاناً مني بما منحتني إياه هذه المدينة الجميلة التي تفتح أحضانها لكل العاشقين والموهوبين وتتبناهم وتصقل مواهبهم وتتيح لهم فرص تطويرها، وهذا أقل ما يمكنني أن أفعله على سبيل رد الجميل”. “منحة” مدينة غير بعيد عن العرفان والأثر الذي تمارسه أبوظبي في حياة السينمائيين ممثلة في جهود هيئة أبوظبي للثقافة والتراث يأتي حديث المخرجة الإماراتية هناء الشاطري التي شاركت كمساعدة مخرج في فيلم “منحة الوالد” للمخرج أحمد الزين الذي يصور كفاح امرأة من عمق الصحراء، وجدت هي الأخرى في منحة الشيخ زايد “رحمه الله” ما يحقق حلمها ويكفيها نوائب الدهر ويعينها على تربية أبنائها، وهو أيضا “زايد” الذي أنشأ جامعة الإمارات العربية المتحدة التي أتاحت لهناء الشاطري أن تدرس وتحقق حلمها السينمائي. يطول حديث هناء حول أهمية مهرجان أبوظبي السينمائي والفوائد التي يقدمها للسينما بشكل خاص والثقافة بشكل عام. وتعرب عن سعادتها “الكبيرة” بالمهرجان الذي “أتاح لي مشاهدة الكثير من الأفلام المهمة، والتعرف إلى مخرجين كبار والاحتكاك بخبرات سينمائية عالية على أرض الواقع. أبوظبي أحضرت لنا نجوم السينما إلى هنا، سمعناهم، وحاورناهم، وعرفناهم عن قرب. اغتنينا بتجاربهم وتعلمنا الكثير مما سيظهر أثره بلا شك في أعمالنا المقبلة”. أيها الغائبون.. عودوا لا أعرف بالضبط كم حكاية مثل هاتين الحكايتين تتجول في أروقة المهرجان، ولا كم حلما تحقق لكنني أعرف أن هذه المدينة تغيرت كثيراً، ومن عرف أبوظبي قبل سنوات قليلة لا تحسب شيئا في عمر الأفراد فما بالك في عمر الدول والمدن، يعلم أن مجرد وجود دار عرض سينمائي أو إقامة ورشة سينمائية متخصصة كان واحدا من أحلام السينمائيين الذين خطفهم سحر السينما مبكراً جداً وتعبوا واجتهدوا وخاضوا حتى رقابهم في هذا الفن الأخاذ... واليوم باتت أبوظبي تستقطب أهم الفعاليات السينمائية العربية والعالمية، وفيها صالات مجهزة على أعلى مستوى لعرض الأفلام تعرض فيها افلام لم يكن يخطر على بال احد أنها ستعرض هنا يوماً. وثمة ورش على مستوى عالمي، وأكاديمية لتدريب السينمائيين والطلاب، ومنح لإنتاج الأفلام، ومؤسسات تسعى لتحقيق الحلم الأكبر: إيجاد صناعة سينمائية في الإمارات... وإذا كان السينمائيون في الماضي عانوا من الإهمال أو الرفض أو قلة الإمكانيات وغياب الدعم المالي أو... أو... فأمامهم اليوم فرصة سانحة لكي يصنعوا أحلامهم الصغيرة/ أفلامهم، ويشاركوا، وينافسوا... ويمكن للغائبين أن يعودوا من غيابهم ويواصلوا مشوارهم الذي بدأوه. هي قفزة كبيرة لا شك تؤكد أن هذه المدينة ماضية في طريقها، مصرة على حفر اسمها كمدينة مثقفة تعنى بواحد من اهم أوعية الثقافة وأكثرها قدرة على التأثير في الناس... ومن يدري ما يحدث في قابلات الأيام، فأول الغيث قطرة ثم ... ينهمر.
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©