الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الراديو المقفل!

الراديو المقفل!
22 نوفمبر 2017 20:24
نوف الموسى «إنها القصة نفسها التي نُشرت في الصحف، الجميع أصبح يتحدث بنفس الطريقة، بنفس التفاصيل والسكون أيضاً. لستُ من الذين يؤمنون بمقاضاة الحقيقة المشروطة، ولا ضمن المتمرسين في مناقشة الأفكار الأكثر مبيعاً. أُفضل «القرصنة» القانونية على ذلك!».. عند نهاية هذه الجملة تحديداً، أطفأ الكثيرون الراديو يومها، لم يناقشوا تعابير صوت قائلها، وظل التاريخ متجهماً حول تلك العبارة، فقد تتحول السُّبل والنوايا كتلك اللوحات الفنية المجهولة، تتعاظم كلما زاد غموضها. توقفت هنا السيدة الجميلة عن الحديث، واكتفت بالنظر إلى المرآة القريبة من مكتبها، لا أحد يشاركها تلك الأطروحة، رغم وضوحها. إنها لا تبحث فعلياً عن الأسئلة أو الأجوبة، ولكنها ترغب في أن تصغر قليلاً، ليزداد حظها في الإنجاب، وأضافت الطبيبة المختصة، أن الموسيقا والخروج إلى عالم أقل تنظيماً سيفيدها وربما يقنعها بفكرة التبني، بينما أفادت المشرفة على إحدى دور الرعاية، أن المتعلمين يصبحون أكثر حرصاً في الانتقاء، متفادين الوعي بأن هؤلاء الأطفال ليسوا مقاسات وأشكالاً، وإنما أرواح تبحث عن فضاءات. «هل يجب أن أكون وسيماً أو أبيض أو معروف النسب أو أمتلك شهادة ابتدائية أو وراثية، لأستطيع الانضمام إلى عائلة ما؟».. سأل الفتى ذو الـ9 أعوام صديقه، وهما يتناولان عصيراً مثلجاً بالقرب من الحديقة العامة، التي يُمنع فيها جلب الزهور، هكذا أكد الحارس الأمني للحديقة لأحد الزوار، قائلاً: «أعلم أنه أمرٌ مثيرٌ للدهشة، فكيف لا يسمح بجلب الزهور في حديقة عامة مليئة بالورود؟! في الحقيقة أن هذا القرار اتُخذ من قبل المسؤولين بعد نتائج اختبار أقامه بعض الباحثين يثبت بأن النباتات في الحديقة، تخشى النظر إلى تلك الزهور المقطوعة الجذور». وبغضب جاء رد الزائر: «منذ متى أصبحت الطبيعة تؤمن بالعنصرية؟!»، ليخبره الحلاق محاولاً تهدئته: لا أعتقد أنها العنصرية، لقد قرأت عن الكثير من النباتات التي تفرز سموماً، لتُبعد مغتصبيها، كورق التبغ مثلاً، ولكنني لم أسمع أن لزهرة الجوري الأكثر رواجاً بين العشاق محاولات في ذلك، لأصبح العشق قتلاً علنياً أليس كذلك؟! *** «أفضل موتي على القتل».. كلمات تغنى بها فنانٌ صاعد، ونقلها المذياع المعلق في محل علب الكبريت القريب من الحلاق ومتجر أعشاب الطب البديل، حيث يضع رجل مسن، القليل من الماء في بخاخ، ويستمتع بصناعة مطر طفيف فوق كومة الينسون المطحون، كامرأة كلاسيكية تتقن ممارسة وضع العطر على خدها ورقبتها الطويلة، وتفشل عادة في طهي عشاء مغرٍ. رغم كل أوجه التشابه بين الطهي وصناعة العطر، فإن المتذوقين لهما يفتقدون هذا الحس من التقارب، أخبرته ذلك بينما كان يعد لها طبقاً محلياً، واكتفت هي باطلاعه على مقال لكاتب جريء، يدَّعي أن سبب اندلاع الحروب مجدداً، هي الأزمة الجدلية بين خيارات البشر اللاواعية، فكانت إجابته: «يَمِي، ما رأيكِ.. أجدني طاهياً ماهراً»، مؤكداً لها أن الحرب الحقيقية هي الانشغال عن اللحظة التي تجمعهما، والهذيان بما أسماه «كومة الزمن»، أو «بقايا العقل البشري». تخيل لو ظفروا بهذه المعلومة الخطيرة، بحثاً في اللحظة، من سيشعر وقتها بقيمة ما أصنعه من الأحذية الجلدية، والملابس العصرية، القائمة على الرغبة في الكثير، والقلق الدائم تجاه المستقبل، والرخاء المرتبط بالزمن. أرجوك ابتعد عن صناعة تلك الأفلام.. اكتفى هنا المستثمر بطرح وجهة نظره، رافضاً عقد تمويل الفيلم، هل أبدو لك مغفلاً، أنا مخرج سينمائي عريق وأنت سيناريست مبتدئ تزاول المهنة بحرفية أدبية مبالغ فيها. «أريد نصاً للشُباك، لا للأبواب المغلقة»، بهذا العنوان الأخير افتتحت الصحيفة صباحاتها، وقرر بائع الصحف التجول بقرب البحيرة الصغيرة، هناك حيث يلتقي بصاحب القارب الخشبي، من يفضل سماع أغنية ريفية عبر المذياع على التجديف، أخبره والده ذات مرة أن يتوقف عن صيد السمك والإلقاء به مجدداً في النهر، لا مشكلة لدى السمكة في أن تصطادها، ولكن العبث بها، يحيلها عن فطرتها المسالمة، ويدفعها للتطور، والتحول إلى النوع الفتاك، هل يمكن أن يكون القِرش، تطوراً طبيعياً لعذابات سمكة صغيرة جداً، بينما الدلافين، نموذجاً مطمئناً للبيئة المسالمة بين الإنسان والأسماك؟ قال الدكتور المختص في لقائه عبر برنامج «أسرار الكون» إن الاحتمالات حول التكامل والتصادع التاريخي بين الكائنات قد يصنف القرش والدلفين مثالان جدليان حول البشرية وتعاطيها مع البيئة الطبيعية، كونها تمثل في تكوينها نموذجاً لهذا التطور أيضاً، أغلق الجندي المتقاعد التلفاز، منزعجاً من تلك الأحاديث والتنبؤات، مؤمناً أن الحرب والتطور لا يتجاذبان، فقد رأى بأم عينيه التراجع البشري، وتقدم الآلة. في ساحة المعركة لا يتسنى لك تذكر الوطن، ولا أمنيات الطفولة، كل تلك التضحيات ضرباً من الهراء، نحن نصنع بالحروب أرواحاً معذبة نعيد إحياءها للعالم، وندعي أنها ماتت، قرأها مصمم الأزياء موثقة في كتاب الجندي عن (العودة.. وهم النصر)، واقتنع أن صناعة (ثِيَم) الحرب والسلام عبر تصميماته الجديدة ستكون مقنعة، يستلطف بها مشاعر المستهلكين، تحت عنوان (الصمت)، مما لفت الآنسة الثرية عرض الأزياء الذي أقامه في إحدى قاعات الاحتفال العريقة، وقررت أن تحول خط التصميم إلى متجر متكامل، حاملاً نفس العنوان. لماذا «الصمت» ألا ترين أنه اسمٌ تقليدي؟ سألتها صحفية متعجرفة في المهنية والعمر، وماذا عن سؤالك: أليس تقليدياً هو الآخر؟! عموماً أقدر حس المباغتة الذي ينبعث من فمك. حورت الصحفية الإجابة في تقريرها المزيف، وقالت المحامية الموكلة عن متجر «الصمت»، إن الصحفية تعمدت تلطيخ سمعة المتجر عبر ضجيج إعلامي، مطالبة النظر في من هم خلف تلك المؤامرة، قال القاضي عبر مونولوج داخلي: «مؤامرة؛ أنا متأكد أنه لم تتم دعوة الصحفية للحفلة الراقصة بعد عرض الأزياء، وهذا الاستياء بدا واضحاً من الطرح الرديء في المقالة». اكتفت محامية الدفاع بسرد إنجازات موكلتها، وأعلن مقدم برنامج السهرة، الأشهر في المدينة، أن القضية مشبوهة، معلناً نهاية البث الإذاعي. صحن الرمَّان لنرقص بالقرب من الشُرفة وإن اعتلَّنا الحزن قليلاً لا بأس؛ سنكمل حتى آخر لحظة سنفضِّل كلَّ الأغاني لا شروط محيِّرة وسنصمت ونصمت كلَّما ارتفعت حاجتنا لتمرِّدِ أجسامنا.. ارتفعنا أخبريني الآن بعد أن فقدتُ إحساسي بالأرض! هل تزعجكِ أنفاسي وأنا أمررها على قلبك؟ كما يمرُّ السجين عبر حديقة مليئة بالشمس! أنا المفرج عنه منذ أن شاء الكون أن أكونك! دعيني أقطف لكِ حبات الرمَّان وأصطفيها بين أبواب روحك اخترتُ باباً.. باب عطرك.. لعل شيئاً من ربيع الرمَّان ينسلُّ من فحواكِ وأتجذَّرُكِ فنحن تلك المزهريَّة، على طاولة الشرفة المطلة من البيت ذاك.. وصحن الرمَّان أتَريْنَه؟ اعتادت صاحبته وضعه لزائرٍ ما؛ يأتي دون موعد أما الأغنية ورقصتنا نور الحياة.. التي ما إن ترى انتظاراً للبهجة يحوم بين أسراب البيوت القديمة تحط عليه، وتنثر عليه عُرساً من السرمدية من بعدها توقفت عمراً عن سؤال أناس الانتظار عن سرِّ التزامهم بالمواعيد وجلبهم الأزهار وعلب الشوكولاته وعصير الرمَّان وأغنية!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©