السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باحث أميركي يثبت أن الحضارة الإسلامية هيأت الظروف لولادة النهضة الأوروبية الحديثة

باحث أميركي يثبت أن الحضارة الإسلامية هيأت الظروف لولادة النهضة الأوروبية الحديثة
23 أكتوبر 2010 19:54
يطرح مارك جراهام عبر كتابه “كيف صنع الإسلام العالم الحديث؟” فكرة وجود علاقة واضحة بين الحضارة الإسلامية والنهضة الأوروبية، وتفرع في تحديد التأثير الإسلامي في النواحي العلمية والشعر والفلسفة والميكانيكا والرياضيات والطب بالتفصيل. تكمن أهمية هذا الطرح في أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصبح المسلمون "ينعتون في وسائل الإعلام بصفات ليست لهم وكأنهم متطرفون وإرهابيون، وربط الناس الإسلام بالإرهاب، وهذا الرأي القاصر يصف ضمناً حضارة الإسلام بأنها غير قادرة على إبداع أي شيء ذي قيمة. إيمان عميق ويدرك المؤلف أنه في ضوء المناخ الحالي فإن أي كاتب يؤكد أن الإسلام بوصفه كياناً ثقافياً معاصراً وعلمانياً ومتحضراً مثل الغرب، وأنه في الواقع علَّم الغربيين ليكونوا على النحو الذي هم عليه الآن، هو أمر مثير للجدل، غير أن جراهام يؤمن بموضوعه إيماناً عميقاً، وعبر تعرضه وشرحه للتاريخ الإسلامي في وقت مبكر، يشير جراهام إلى شخصيات إسلامية فذة عاشت قبل ألف سنة، ووضعت أسس الحضارة الإسلامية الراقية والتي بدورها هيأت الظروف لولادة النهضة الأوروبية الحديثة. يعود المؤلف إلى بدايات التاريخ الإسلامي من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وما حققه المسلمون خلال قرن واحد، حيث استطاعوا أن يفعلوا ما لم تستطع فعله روما، فقد احتلوا العالم بأكمله، وكان صوت الأذان يسمع من إسبانيا إلى الهند، وفي عام 732، أي بعد مئة عام من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اشتبك المسلمون مع الفرنجة في بواتيه. وكان خالد بن الوليد من أعظم قواد المسلمين، قاد الغزوات الأولى في الشرق الأدنى، ومن تصاريف القدر أنه كان الشخص نفسه الذي قاتل النبي في غزوة أحد، وكان على وشك أن يقتله، أما الآن وقد اعتنق الإسلام وهز عرش دولتين عظميين، وهما الدولة البيزنطية والدولة الساسانية الفارسية، وفتح الطريق أمام امبراطورية جديدة أعظم من أي امبراطورية أخرى في العالم على الإطلاق. عقود الحرب وهنا يوضح المؤلف أن جيوش القائد خالد بن الوليد كانت على أهبة الاستعداد وفي المكان المناسب وفي الوقت المناسب، حيث ضعفت الامبراطوريتان البيزنطية والفارسية جراء عقود من الحرب، وكما هي الحال مع كل الإمبراطوريات، فإن الشعوب المحتلة بدأت تتطلع للتحرر من قيود المستعمر، وكان البيزنطيون الأرثوذوكس يعدون المسيحيين اليعاقبة والأقباط كفرة، وعندما حاصر خالد بن الوليد دمشق عام 635م، تآمر المسيحيون العرب من الداخل وآزروه ضد سادتهم الأرثوذكسيين، وعندما دُحر البيزنطيون وطردوا، استقبلت الجماهير جيوش المسلمين بحرارة، وعلى الرغم من كونهم مسيحيين كان للسوريين أمور كثيرة يشتركون فيها مع إخوانهم العرب أكثر بكثير من الإغريق المتعجرفين في القسطنطينية. وبعد فتوحات خالد بن الوليد وغيره من القادة المسلمين الأوائل، حرص العرب على أن تكون لغتهم العربية مقدسة، وبدلاً من أن يتعلم العرب اللغة اليونانية أو الفارسية أو اللاتينية، حرصوا على أن تكون اللغة العربية لغة العالم، وهي لغة الحضارة التي استمرت ستمائة سنة. ثم تعرض الكاتب لأكذوبة شائعة في التعليم الأوروبي وتتعلق بالنهضة الأوروبية الحديثة، وكيف يتم إغفال دور المسلمين فيها، وفي نفس الوقت تقديم تبريرات مغلوطة لهذا العدد من المسلمين في العالم، حيث يتم تعمد تلاشي دور الإسلام من السجل التاريخي حتى المواجهة بين الفرنجة والمسلمين عام 1090، ويروى نجاح الحملة الصليبية الأولى بكل فخر، في حين أن الإخفاق في الأوقات اللاحقة يروى بطريقة مموهة، ومع فجر عصر النهضة يتم استنتاج أن الأوروبيين تمكنوا من فعل ما لم يستطع المسلمون فعله، حيث حولوا الحكمة اليونانية إلى شيء مفيد. أدبيات غربية ويؤكد أن أدبيات التعليم الغربي التي يتم تلقينها لكل طفل في المدرسة، ترتكز على قصة كيف أن مجد اليونان وعظمة روما فقدا مدة من الزمن، ومن ثم وجدا مرة أخرى - كيف أن أوروبا تاهت في البداية مدة أربعين عاماً في الواقع أكثر من "ستمائة أو سبعمائة عام"، ولكن في النهاية أنقذت نفسها برفض النظرة الخرافية للعالم التي تعتنقها الكنيسة الكاثوليكية وتبنت الأفكار الإنسانية للفلاسفة اليونان، ما سيفاجئ الملايين من الناس من جميع الأجيال الذين أجبروا على تعلم هذه الرواية الملفقة للأحداث. ويعرج الكاتب إلى ما أسماه بـ "عصر المعلومات"، والذي بدأ في بغداد عام 819م، بعد أن هزم المأمون أخاه غير الشقيق في سعيه من أجل العرش، وعندما اعتلى المأمون العرش تدفقت التجارة البحرية على بغداد وازدهرت الصناعة ونشأت طبقة جديدة من التجار المسلمين الجدد التي جعلت بغداد مركزاً للعالم، والمدينة نفسها، في عبارة يرويها مؤرخ قديم قائلاً: "بأنها مغطاة بالحدائق والقصور والمتنزهات الجميلة والأسواق الغنية الكثيرة والمساجد ذات البناء المتقن والحمامات، فضلاً عن العديد من كليات العلم، والمستشفيات لكلا الجنسين ومصحات للمجانين". عمامة أبقراط كانت الشوارع تكنس وتغسل، وتجاورها القصور والبيوت المفروشة بالحرير والديباج والمفروشات الصينية والحلي، وفي المرفأ كانت هناك سفن آشورية تقف بجوار السفن الشراعية الصينية، تمخر في مياهها آلاف المراكب الصغيرة "الجندولات" تعلوها الأعلام الصغيرة المتراقصة، مثل أشعة الشمس على سطح المياه، وجلبت الهند إلى هذه المدينة العظيمة معادنها وتوابلها، وجلب من آسيا الوسطى الياقوت ومن الصين الحرير ومن إفريقيا عاجها ومن أوروبا فراؤها، حتى أن تجارة العبيد كانت متعددة الجنسيات، وكان الأفارقة والآسيويون والأوروبيون يعملون تحت سيادة المسلمين، وفي وقت لاحق بعد قرون عديدة عندما حرقت بغداد بالكامل، برهنت الأمة التي تشكلت حديثاً من هؤلاء العبيد أنها ستكون الخلاص ليس للإسلام وحسب، ولكن للغرب المسيحي أيضاً. وفي فصل بعنوان "أبقراط يرتدي العمامة" يكشف مدى الجهل والظلامية التي سادت أوروبا في تلك الفترة الموازية لازدهار الدولة الإسلامية، يقول جراهام: "وقع حدثان مهمان تفصل بينهما مئة عام، جلبا على أوروبا لعنة الجهل الطبي لمدة نصف ألفية من الزمن، كان الحدث الأول إغلاق الإمبراطور البيزنطي زينو لمدرسة إديسا للطب الأبقراطي في عام 489م. ثم كان الحدث الثاني إغلاق أكاديمية أثينا، التي أسسها أفلاطون بنفسه، وكان أعضاء التدريس فيها من الأفلاطونيين الجدد الذين كرسوا وقتهم من أجل البحث الروحاني والفلسفي عن الحقيقة، وهو الأمر الذي مثّل تحدياً لتعاليم الكنيسة، وكان هذا البحث والتحدي تهديداً للأرثوذكسية ولم يكن ممكناً التسامح معه، لذلك قام الإمبراطور جستنيان بإغلاق الأكاديمية في عام 529م. التعليم الغربي ومع وضع أنصار المسيحية حداً فعلياً للتعليم الغربي، توجه طلاب العلم إلى الإمبراطورية الأخرى الوحيدة المتاحة، وهي بلاد فارس الساسانية، وهناك، في جنديسابور، وضع الأطباء النسطوريون المسيحيون والفلاسفة الأفلاطونيون الجدد أساس الثورة الطبية الإسلامية. وخلافاً للمفهوم العام، لم "يُضيّع" الأوروبيون التعليم اليوناني فقط، بل استبعدوه بصورةٍ متعمدة بسبب التعصب الديني، بينما رحب به المسلمون بحفاوةٍ، وطوال مئتي عام بعدها، تتلمذ العالم الإسلامي على يد آخر أتباع أفلاطون، وفي الوقت نفسه الذي أتم فيه حنين بن إسحاق ترجمة غالينوس كان المسلمون قد استحوذوا على الطب اليوناني والروماني، وأحدث المسلمون ثورة في الطب بسبب هذا التدفق للتعليم الكلاسيكي. كما يؤكد الكاتب أن علم الصيدلة الإسلامي أثر حتى في تاريخ مجال الفن الأوروبي، وصارت تجارة العقاقير بين الإسلام والجمهوريات البحرية الإيطالية المسيحية، مثل البندقية، غنية غنىً لا يُصدق، ومع الاهتمام بشراء العقاقير الأوروبية ظهر الاهتمام أيضاً بتغليفها، فقد كانت الأدوية تُشحن بكثرة في جرار خزفية تُسمى الباريلي، حيث صممت هذه الجرار الأسطوانية لتُحفظ فيها السوائل الكثيفة - خاصة المواد الحافظة المصنوعة من الفاكهة - وكانت تستخدم بشكل واسع كأدوية عشبية، وكانت هذه الجرار ضيقة عند المركز، وكان الحرفيون يرسمون حول أعناقها وأسفلها تصاميم تصويرية للفاكهة، ربما يجدر بنا لفت انتباه أي شخص يُقدر الأواني الخزفية المزخرفة الإيطالية إلى أنّ تاريخ شكل هذا الفن قد بدأ في الصيدليات الإسلامية. أسباب النهضة ويفسر الكاتب أسباب هذه النهضة التي قادها العرب، موضحاً أن العلماء العرب أدركوا بسرعة الحكمة اليونانية واستخداماتها العملية التي ورثوها، وقاموا بأكثر من مجرد نسخ هذه النصوص وحفظها، وعن طريق دمجها بمناهج من الهند وبلاد الفرس، رسخوا منهجاً حديثاً وضع أسساً جديدة للعلوم، فابتكارات العلوم الإسلامية مذهلة بحق: وتشمل العدسات المكبرة وهندسة الفراغ، ومن البندول "رقاص الساعة" إلى مصحات المجانين. وكانت أول مساهمة كبرى من المسلمين في العلم هو تطوير الاسطرلاب، وبالاعتماد على معلومات من المصادر اليونانية استكمل العلماء المسلمون الأداة التي أصبحت الآلة الملاحية الرئيسية للقرون السبعة القادمة، وتوالت بعد ذلك ابتكارات المسلمين وأثرت في مناحي الحياة المختلفة آنذاك، ثم تتابعت ابتكارات واكتشافات العلماء المسلمين التي رسخت السيادة الاسلامية على العالم في تلك العصور. ثم يعرج الكاتب إلى واحد من أهم أسباب سيادة المفهوم السلبي عن الإسلام والذي يعود إلى العصور الوسطى، حيث كانت المسيحية محاطة بالكامل بالإسلام، وكان الإسلام مسيطراً على آسيا وأفريقيا وعلى أجزاء من أوروبا، بالنسبة لمعظم المسيحيين كان هذا ذا أهمية ضئيلة، وكان الكثير منهم قد أغنى نفسه بالمتاجرة مع منافسيهم الدينيين، ولكن بالنسبة للاهوتيين كانت هيمنة الإسلام حالة مفجعة، ولذا ليس من الغريب أن يقوم رجال الدين هؤلاء برسم صورة سوداء "للكافر"، إذا ما اعتبرنا أن الرهبان المسيحيين كانوا المؤرخين الوحيدين للعصور الوسطى، فسيكون واضحاً لماذا حصل المسلمون مرة أخرى على أسوأ ما في الإعلام. حقيقة مهمة غير أن الكاتب يشير إلى حقيقة أخرى مهمة تتلخص في أن الكنيسة كانت خلال العصور الوسطى تشتكي من شرور "المسلمين" والأتراك، وفي الوقت نفسه كانت الجمهوريات التجارية الإيطالية تقوم بتجارة نشطة مع العدو، ومع مرور الزمن استمال ذوقُ العالم الإسلامي المتحضر العالم المسيحي مما خلق أسواقاً كبيرة للبضائع الكمالية التي غيرت الثقافة الأوروبية وطعامها. تاجر الأوروبيون مع المسلمين قروناً عديدة ولكن بفتور، كان الفايكنج يبحرون نحو جزيرة العرب لمقايضة الخشب والفراء والذهب، كان بعض الإسبان والفرنجة يقومون بين الحين والآخر بالدخول خلسة إلى الأندلس لتذوق العصير والهليون، كما سافر بعض الرهبان المغامرين إلى الأراضي المتاخمة للحدود الإسبانية كي يُلقوا نظرة على العدو، لكن أوروبا في باكورة القرون الوسطى كانت ما تزال عالماً من الأقاليم والقرى المعزولة، وكان لدى القلة منها الوسائل أو القدرة على المغامرة داخل أراضي الخلافة الغربية. ثم ينتقل إلى واحد من المحاور المهمة والمؤثرة في الصورة السلبية للمسلمين في أوروبا، تلك التي تكونت عبر الاستشراق، فيقول: إذا كانت هنالك أية مشكلة في التاريخ الإسلامي، فإنها تكمن في بعض ممن يكتبون عنه. إن تخلف العالم الإسلامي كقوة ثقافية وسياسية يحتاج لدى هؤلاء الباحثين إلى صياغة دقيقة تضع في الحسبان الجانب الديني والثقافي، ومن المؤكد أن دراسة الحضارة الإسلامية برمتها ينبغي أن توجه بحيث نتعلم منها الدروس المفيدة والعبر، لقد كان هذا التوجه التاريخي أساسياً في طمس دور الإسلام في التاريخ الغربي، والاسم المناسب له هو الاستشراق. الاستشراق، كما لاحظ إدوار سعيد، هو مؤسسة عملية قام بوساطتها الباحثون المهتمون بالشرق بإيجاد تاريخ يتوافق مع مخططاتهم الاستعمارية وأيضاً مع تحيزاتهم الثقافية والدينية، وقد نزع بذلك المسيحيون الجدليون إلى أن يجدوا في دراستهم للإسلام ما كانوا يبحثون عنه، في نظرهم، كان ذلك ديناً أدنى بالموازنة مع المسيحية، وعن طريق الترجمات لمعاني القرآن والدراسات المضللة للتاريخ الإسلامي، بينوا التخلف الفطري للإسلام ونزعته المتخلفة. تقطيع الأوصال إذا كان ثمة شيء واحد قد أثار اهتمامي بالتاريخ وبالعصور الوسطى على وجه التحديد، فإنه كتاب وجدته في مكتبة مدرستي المتوسطة عندما كنت أبلغ من العمر اثني عشر عاماً، لقد كان بعنوان الحملات الصليبية “لأنتوني وست” وكان يروي قصة الحملة الصليبية الأولى من أجل “إنقاذ الأرض المقدسة من المسلمين”، ما زلت قادراً على أن أتذكر بوضوح الرسومات التخطيطية للفرسان ذوي الشوارب وهم يُقطعون ممتطي الخيول المعممين، وأيضاً الوصف المريع لتقطيع أوصال “المسلمين” المأسورين، وقطع رؤوسهم من دون أن يكون لدي أي فكرة عمن يكون هؤلاء المسلمون. وبمطالعة متأنية لصفحات الكتاب يتبين لنا كيف أن أوروبا عندما كانت تتخبط في ظلمات القرون الوسطى نَِعمَ العالم الإسلامي بالمستشفيات والأدوية والموسيقى الشجية، وعمل في بيت الحكمة جيش من المترجمين والعلماء الذين نقلوا حكمة الإغريق ومعارفهم وعلوم الفرس إلى العربية. وفي مطلع عصر النهضة كان الأوروبيون يرتدون الأقمشة العربية ويستمعون إلى موسيقاهم ويتعلمون من فلاسفة الأندلس، والأهم من كل هذا هو أن المسلمين علموا الغرب الأسلوب العلمي في التفكير والمنهج، وهكذا انتشل الإسلام الغرب من القرون الوسطى ووضع أقدامه على عتبات عصر النهضة. لمحة إلى المؤلف درس مارك جراهام التاريخ الوسيط والدين في كلية كونتيكت في الولايات المتحدة الأميركية، وحصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة كتنرتاون. وهو كاتب وروائي اشتهر بروايته التاريخية “ماريا السوداء” التي نشرت عام 2000. يسكن حالياً في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©