الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن المسعود: عشقت المحلية فانطلقت بالخط العربي إلى العالمية

حسن المسعود: عشقت المحلية فانطلقت بالخط العربي إلى العالمية
20 يوليو 2012
مجدي عثمان (القاهرة) ـ مارس الفنان التشكيلي حسن المسعود الخط منذ طفولته حينما كان يشاهد خاله، وهو لم يكن قد تعدى خمس سنوات في مدينة النجف بجنوب العراق، حيث وُلد عام 1941، ولذلك يقول: «كنت خطاطاً منذ الطفولة»، وكان خاله خطيباً ومؤلفاً لكتب تتناول الفكر السائد آنذاك في مدينة النجف، ويتذكر أول مرة راه يخط بيده، وكانت تبهره رؤية الكتابة بالقصبة والحبر الأسود، وبعد أن عرف ميله للخط، كان يشرح له كيفية عمل الخطوط الكبيرة على جدران البنايات بربط قلمين من الرصاص على خشبة، ثم يخط العبارات على ورق أبيض كبير، وبعدها يقوم بتثقيب حدود الحروف، من أجل أن ينفذ الفخاري الخطوط على الطابوق المزجج، وبالتالي وضعها على الجدار، وأن رؤى الطفولة دخلت قلبه، وما زال مستمراً في استلهام تلك الذكريات. ويشير المسعود إلى الأعمال الفنية في مدينة النجف من الخطوط والزخارف الملونة على جدران المعالم المعمارية، كالمساجد والمقابر والمدارس والمكتبات، وعلى هذه الجدران تجاور الكلمات المخطوطة، الورود والأغصان الانسيابية التي عملت على خلفية هندسية للإيحاء بالحديقة والمقصود بها الجنة. في بغداد يقول المسعود: عندما قصدت بغداد في عام 1961 تعرفت إلى خطاطين كبار، أهمهم هاشم البغدادي، الخطاط الوحيد الذي أصدر كراساً لتعليم الخط، ونبّه إلى أهمية الخط العربي، وبقيت 8 سنوات في بغداد حتى عام 1969 كنت أعمل كخطاط مهني في مكتبي. ويضيف أنه عندما كان يرى خطوط هاشم البغدادي الراقية، كانت توحي له بقدراته الواسعة في معرفة التركة الثرية لأجيال عديدة من الخطاطين، وتمرسه في إتقان صناعة الحبر، وتحضير أقلام القصب، واهتمامه بنوعية الورق، كما التقت عوامل عدة لهاشم، منها تواضعه الكبير، ومهارته، وذاكرته المتقدة. وتحين الفرصة للمسعود للسفر إلى باريس عام 1969 للدراسة في المدرسة العليا للفنون الجميلة «البوزار»، فيعيش خمس سنوات في هذه المدرسة، ولدفع مصاريف الدراسة لا يجد سوى أعمال بسيطة للخط العربي، وبعد خمس سنوات من الدراسة الأكاديمية للفن، وجد أن الخط العربي دخل لوحاته، ولكنه ليس هو الخط الرسمي بأساليبه وقواعده، إنما نوع جديد من الخط تغذى بتأثيرات أخرى كالخط الصيني والفن التجريدي الغربي، وللتخلص من ذلك التأثير الغربي مرت خمس سنوات من التقليد، إذ بدأ يشعر بوعي وبلا وعي أن رسوم الأشخاص واستعمال الألوان الزيتية على القماش لا تدخل البهجة في قلبه، فتركها واتجه إلى التجريد والبحث عن ألوان مائية على الورق، وهي مواد الفن الشرقي عموماً، ولكن دراسته للفن الغربي وتقنياته في باريس هي التي جعلته يدرك جيداً ضرورة البحث عن جذور فنية آتية من المحيط الذي عاشه سابقاً، وإن عودته لاستلهام الحرف العربي في الفن التشكيلي جاءت بعفوية وببساطة كالعطشان عندما يتوجه نحو الماء، لإضافة نكهة جديدة إلى هذا الفن لم يكن يعرفها سابقاً، وهكذا أدرك أن العالمية تكون انطلاقاً من المحلية قبل كل شيء. موجات فنية ويقول إنه عندما كان طالباً في الفنون الجميلة إذ بالمصادفة يقابل الفنان الفرنسي المستعرب كي جاكه ويدعوه عام 1972، وكذلك الموسيقي فوزي العائدي، لعمل حفلة شعرية، حيث يلقي الشعر بالعربية والفرنسية، بينما العائدي يعزف على العود ويغني، وهو يخط على جهاز يعكس الخط على شاشة كبيرة. ويقول إنه في بداية عمله الفني لم يكن يعرف الكثير عن الفن الإسلامي، فعندما كان يعيش في العراق لم يكن يرى كتباً أو صوراً عن هذا الفن، ولا تتعدى معرفته له الرؤى للمعالم المعمارية هناك، والتي لم تكن كافية، وفي عام 1961 نشر الخطاط هاشم البغدادي كراسته عن الخط العربي، ولما كانت مجتمعاتنا راكدة كان لا يجد في الفن الإسلامي ما يجذبه، بينما أن موجات الحركات الفنية في الغرب كانت تبهره أكثر بقدرتها على التجديد باستمرار، ولكنه في باريس بدأ يكتشف الفن الإسلامي والتركة التراثية الهائلة للعديد من الفنانين على مدى قرون عديدة. سافر المسعود في الثمانينات إلى مصر، وعن تلك السفرة يقول إنه مر بكل معالم القاهرة، حيث توجد الخطوط، وصور كل ما راه منها، وفرض عليه الخط أحياناً الصعود إلى سطوح بعض المقابر لتصوير خطوط القباب المملوكية عن قرب، متعرضاً لمخاطر السقوط عن الدرجات المتهرئة. ويضيف: كنت أريد تحسس أجواء الخط في القاهرة، فوجدت آنذاك أن أسهل الطرق هو أن أسجل كطالب في مدرسة تحسين الخطوط، وكان الدوام في مدرسة ثانوية، وعند انتهاء الدوام، وخروج الطلاب، يتوافد محبو الخط، ويلتقون حول أساتذتهم، وفي الصفوف بعض الأساتذة يخطون عبارات بخط الثلث على السبورة يقلدها الطلبة، ثم يصلحها الأستاذ بالحبر الأحمر، وقد تحدثت مع الخطاط محمد عبد القادر، وأعطاني نسخاً من خطوطه، كما توجهت بأسئلة إلى الخطاط محمود الشحات فأصر على دعوتي وزوجتي إلى داره، وعمل خطوطاً أمامنا، وخلال حديثنا في المدرسة أطلعته على صور بعض لوحاتي الخطية فصاح منادياً التلاميذ، وأطرى على خطوطي قائلاً «اعملوا لنا شيئاً يشبه هذا». الخطوط المملوكية يقول إنه عند الدخول إلى دار الكتب المصرية كان سعيداً برؤية الخطوط المملوكية الكبيرة في مدخل البناية، ثم تصفح نسخة من رسالة ابن مقلة - القرن العاشر الميلادي - علماً بأن النسخة الأصلية مفقودة، وهذه الرسالة هي نسخة بخط محمد الشافعي عام 1663، وكان قد قرأ في بعض الكتب من ينسب إلى ابن مقلة بأنه أول من وضع قياسات للحروف بالنقاط، وهذا الخطأ يعود إلى هذه النسخة إذ أن الناسخ وضع في هامش النصوص بعض الحروف وقياساتها بالنقاط، فهي قياسات تعود إلى زمن الناسخ أي سبعة قرون بعد ابن مقلة، والذي كان قد وضع قياسات للحروف عبر الدائرة والألف الذي هو قطر الدائرة، وبذلك كانت هذه الزيارة مفيدة له لتوضيح سبب الخطأ الذي وقع فيه الكثير من المؤرخين لأنهم رأوا صورة واحدة نشرت لصفحة من هذه الرسالة في هذه النسخة. «حيوية الخط العربي» وضع المسعود خلاصة كل بحوثه في مصر وتركيا في كتابه «حيوية الخط العربي»، نشرته دار فلاماريون في باريس، ويتناول الجوانب التقنية والاجتماعية والفنية للخط العربي، وبه صور كثيرة تنشر لأول مرة، وقد ظهر هذا الكتاب باللغتين العربية والفرنسية عام 1981، ومنذ ذلك التاريخ يُعاد طبعه باستمرار، ويضيف له عند كل إعادة طبع صور جديدة، ولكنه لم ينشر في أي بلد عربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©