الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التكاثر» تقود محمد أسد من اليهودية إلى الإسلام

«التكاثر» تقود محمد أسد من اليهودية إلى الإسلام
24 يوليو 2013 21:43
أحمد مراد (القاهرة) عبر رحلة روحية ثرية ظل المستشرق والمفكر اليهودي «ليوبولد وايس» يبحث عن ملة نبي الله إبراهيم عليه السلام، حتى وجدها في الإسلام الذي اعتنقه، وظل وفيا له طوال عمره المديد. ولد ليوبولد وايس عام 1900 م ببلدة «لفوف» في بولندا لأسرة يهودية عريقة، وكان من بين أجداده أحبار عُرفوا بتعمقهم في الديانة اليهودية، وقد تلقى تعليماً رصيناً في اليهودية طبقاً لتقاليد عائلته المتدينة، وتعلم اللغتين العِبرية والآرامية في طفولته، ثم انتقل إلى العاصمة السويسرية «فيينا»، حيث درس الأدب والفلسفة، وفي العشرين من عمره انتقل إلى برلين، حيث عمل صحفياً بإحدى الصحف الألمانية. فرق كبير وفي عام 1922 م سافر ليوبولد وايس لزيارة عم له في فلسطين، وهناك بدأ يراسل صحيفة «فرانكفورتر زيتونج»، وفي فلسطين بدأ يكتشف ملة إبراهيم وميراثَه، فقد لاحظ الفرق الكبير بين اليهود المهاجرين إلى فلسطين من أوروبا وسكان القدس الأصليين من العرب، حيث أدرك - كما كتب - أن شخصية إبراهيم عليه السلام تتجسد في وجوه العرب وسحناتهم وشمائلهم، فهم أبناء إبراهيم حقاً، أما بنو جلدته من اليهود الأوروبيين المستعمرين فهم غرباء أدعياء. وفي عام 1926 وهو في برلين، بدأ صدر ليوبولد وايس ينشرح للإسلام، حينما كان يقرأ ترجمة سورة التكاثر، وقد كتب عن انطباعه بعد قراءة السورة فقال: «هذه ليست حكمة رجل عاش في الجزيرة العربية في القرون الخوالي .. إن صوت القرآن أكبر من أن يكون صوت محمد». وهنا أعلن إسلامه وغير اسمه إلى «محمد أسد»، وكان إسلامه قراراً واعياً مبنياً على فهم لمعنى الحياة ومغزاها، وقد كتب عن ذلك قائلاً: «لم أصبح مسلماً لأني عشتُ زمناً طويلاً بين المسلمين، بل كان الأمر عكس ذلك، ذلك أنني قررت أن أعيش بينهم لأنني اعتنقتُ الإسلام»، وعقب إسلامه عزم أسد على الذهاب إلى الحج برفقة زوجته الأولى «إيلسا» التي أسلمت معه، والتي توفيت بعد بضعة أيام من أدائهما فريضة الحج، ولهذا قرر أن يبقى بين إخوانه في الدين، ويبذل الجهد في نصرة العقيدة الإسلامية، وعاش في الجزيرة العربية ست سنين، عمق فيها معرفته باللغة العربية، وتعرف خلالها على أحد الشخصيات المهمة، وتزوج زوجته العربية التي أنجبت له ابنه طلال الأسد عالم الأنثروبولوجيا المشهور والأستاذ بجامعة نيويورك. محطات وكان من أبرز محطات حياة محمد أسد، رحلته الشاقة الخطرة من الحجاز إلى ليبيا للقاء الشهيد عمر المختار بناء على طلب أحمد الشريف شيخ السنوسية المغترب بالحجاز، لكي يطلع عن كثب على أحوال حركته الجهادية التي كانت تعيش أيام أفولها، وتقديم خطط واقتراحات حول بعثها وتدعيمها، وأحس أسد بنبل الغاية فلم يتردد، وقد كتب فيما بعد: «إن قوات عمر المختار كانت تقاتل من أجل الحرية والحياة الإسلامية كما فعل الصحابة أول مرة، وإن إسداء المعونة إليها في صراعها العنيف المر - مهما تكن النتيجة مشكوكا فيها - ضروري لي، كالصلاة سواءً بسواء». وبعد أن بذل أسد ثمناً غالياً في نصرة الإسلام في جزيرة العرب وشمال إفريقيا، اتجه إلى نصرة المسلمين في القارة الهندية، فأوغل في الشرق الإسلامي، فزار إيران وأفغانستان والهند قبل التقسيم، حيث التقى الشاعر والفيلسوف محمد إقبال الذي أقنعه بالاستقرار هناك ليساعد في وضع الأساس العقلي للدولة الإسلامية الآتية، باكستان، وبعد وفاة محمد إقبال وتأسيس دولة باكستان حصل محمد أسد على جنسيتها، وعمل بإدارة الإحياء الإسلامي، فصاغ أفكار الدستور الإسلامي المنشود للدولة، وهي الأفكار التي أصبحت فيما بعد قاعدة نظريةً لكتابه القيم «منهاج الحكم في الإسلام»، ثم عمل أسد في وزارة الخارجية الباكستانية مسؤولاً عن علاقة باكستان بالعالم العربي، ثم سفيراً لها في الأمم المتحدة. ترجمة القرآن وأثناء عمله في نيويورك مطلع الخمسينيات فكر الإسرائيليون في استمالة محمد أسد، واستغلال خلفيته اليهودية، ولكنهم أدركوا أن الرجل كرس ولاءه للإسلام، وأن ليس ثمة ما يمكن استغلاله، وفي العام 1952م استقال من عمله سفيرا لباكستان في الأمم المتحدة، ليتفرغ لتحرير كتابه «الطريق إلى مكة»، وفي عام 1955 م رحل إلى إسبانيا ليعيش بقية حياته مكباً على مشروع عمره الأهم، وهو ترجمة القرآن الكريم وتفسيره باللغة الإنجليزية، وهو ما تحقق في كتابه «رسالة القرآن» الذي هو ترجمة رصينة للقرآن الكريم. وبعد عمر مديد زاد على التسعين عاما توفي محمد أسد عام 1992 م، ودفن في غرناطة، تلك البلدة الذي أحب أن يترسم فيها آثار الحضارة الإسلامية، حتى وهو يعيش خريف عمره في موطنه الأصلي أوروبا، وفي العام 2008 أطلقت بلدية فيينا اسمه على أحد أهم شوارعها، واعتبرته أبنها الذي أصبح مواطناً عالمياً، وسعى لبناء الجسور بين الشرق والغرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©