السبت 30 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المثقفون المصريون: كابوس وانزاح..

المثقفون المصريون: كابوس وانزاح..
24 يوليو 2013 21:55
لم يكن المثقفون المصريون خلال معركتهم المصيرية مع نظام الإخوان الساقط، ووزيرهم المجهول، يتصورون أنهم بعد أسابيع قليلة من إعلانهم الاعتصام بمقر وزارة الثقافة في الزمالك، سيسيرون مع الملايين في 30 يونيه، معلنين رفضهم استمرار الرئيس (السابق) محمد مرسي ومطالبين برحيله هو وجماعة الإخوان من سدة الحكم، ليتحقق لهم وللمصريين جميعا الخلاص من كابوس الإخوان الذي جثم على صدورهم طيلة عام أسود، عانى فيه المصريون على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية والطبقية مرارة العيش وكوابيس الصراع من أجل البقاء تحت حكم الإخوان. إيهاب الملاح كان المثقفون في طليعة من جاهروا بالعصيان وإعلان المواجهة والاعتصام أمام النظام الغاشم، الذي أفصح عن وجهه القبيح ومشروعاته المدمرة لحكم مصر، والقضاء على هويتها المصرية الأصيلة وطابعها الثقافي الحضاري الممتد عبر الزمن والتاريخ، جاءوا بمشروعهم الثقافي تحت دعاوى التطهير والقضاء على الفساد فيما عرف واشتهر بخطة “أخونة مؤسسات الدولة”، ليقضوا على الثقافة المصرية ويدمروا مؤسساتها العريقة رغم كل ما أصابها من تكلس وجمود، وليطيحوا بقياداتها الليبرالية المستنيرة، ومنهم من بلغ شأوا متميزا في إدارة هذه المؤسسات والنأي بها عن أعاصير الاضطرابات السياسية ونجحوا في العبور بها إلى بر الأمان وتسييرها كأحسن ما يكون. المواجهة بدأت عندما قامت حكومة هشام قنديل السابقة، بإجراء تعديل وزاري، طال من بين ما طال وزارة الثقافة، وعينوا لها شخصا مجهولا غريب الأطوار مضطرب السلوك، اسمه علاء عبد العزيز، كانت كل مؤهلاته لشغل المنصب الرفيع أنه كتب مقالا في جريدتهم المسماة “الحرية والعدالة” الناطقة بلسان الإخوان المسلمين، أعلن فيه عن تأييده للرئيس مرسي وشن هجوما عاصفا على النخبة الثقافية المصرية متهما إياها بالتحزب والشللية والفساد، ليكافأ على هذا المقال بتعيينه وزيرا للثقافة. جاء الوزير المجهول، ليعلن أن “أول القصيدة كفر”، ويقرر الإطاحة برئيس هيئة الكتاب المصرية، أهم وأعرق دور النشر الرسمية في العالم العربي قاطبة، الدكتور أحمد مجاهد، وهو الذي كان أنجح رئيس لمؤسسة ثقافية واستطاع العبور بهيئة الكتاب وحركة النشر الرسمية بهدوء وأمان في ظل ظروف معقدة وأجواء عصيبة ونقص في التمويل، بل استطاع تحقيق أرباح كبيرة وحقق طفرة هائلة في كم ونوع الإصدارات المصرية خلال العامين التاليين لثورة يناير المجيدة. ولم يكتف الوزير الموتور بالإطاحة بمجاهد، بل سارع إلى الإطاحة أيضا بعدد من قيادات وزارة الثقافة، منهم رئيسة دار الأوبرا المصرية، الفنانة العالمية إيناس عبد الدايم، وكان لابد للمثقفين في هذه اللحظة من وقفة حقيقية وحاسمة وإلا فالعواقب وخيمة والمصير غير مبشر بأي خير. التطهير والتدمير الكاتب والروائي الكبير بهاء طاهر، رغم شيخوخته وسنه الكبيرة، كان من رموز الاحتجاج والاعتصام على قرارات الوزير الجديد، معتبرا مجيء الوزير الممالئ للإخوان “اتضح فيما بعد أنه وكيل مؤسس لحزب التوحيد العربي أحد الأحزاب الدينية المنغلقة والمتعصبة والموالية لنظام الحكم الديني”، إنه أداة الإخوان المسلمين لضرب الثقافة المصرية في مقتل، موضحا أن من جاء وهو يريد أن يُصلح أو يُعالج الثقافة المصرية لابد أن يكون “مثقفا” أولا، منتميا لجماعة المثقفين، ومدركا لخطورة وأهمية الموقع الذي يشغله، وله منجز ثقافي ومعترف به، وليس آتيا من غياهب المجهول بلا تاريخ أو إنجاز، يحمل رؤية واضحة وتصورا منطقيا للإصلاح والإدارة، لكن أما وقد جاء هذا الوزير، والكلام لبهاء طاهر لإفساد الوزارة وتدميرها تحت دعوى التطهير من الفساد، فهذا كذب وادعاء وقولة حق أريد بها باطل، فإن كان صادقا كما ادعى فيجب أن يكون ذلك في الإطار القانوني الحاكم ووفق ضوابط شفافة ومعلنة، لا عن طريق القرارات الفوقية أو الإطاحات التعسفية التي تبدى فيها تبنيه لمنهج وأسلوب النظام الحاكم آنذاك، بالاعتداء على القانون والقفز على الطرق القانونية السليمة لتنفيذ مخططاتهم المفضوحة والمكشوفة للسيطرة على منافذ الثقافة وأخونتها وإخضاعها بالكلية لسيطرتهم ونفوذهم لتحقيق أهدافهم المشبوهة وأجنداتهم الظلامية. طاهر أكد أن هذا الوزير جاء لكي يساعد في تغيير وتبديل وجه الثقافة المصرية وتغيير وجه مصر، وأعلن عن ذلك بوضوح عندما قال في مسجد رابعة العدوية إنه جاء لينشر الثقافة الإسلامية كما لو كان الشعب المصري كافرا، فلا أحد يزايد على إسلام المصريين وتدينهم واحترامهم لثقافتهم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فهذا الشعب متدين، وشعب مغرق التدين وأول شعب آمن بالرسالات السماوية عندما نزلت بل ودافع عنها وقدم ملايين الشهداء في سبيل ذلك، فلا يمكن لأحد أن يزايد على إسلامنا أو مسيحيتنا ولا على تديننا ولا على ثقافتنا. جعبة الشر أما الروائي يوسف القعيد، الذي طالما حذر من مخططات الإخوان وأنصارهم للقضاء على الثقافة المصرية وتشويهها ومحاولة إسكات المثقفين وإضعاف تأثيرهم في الشارع، فإنه أوضح أن هذا الوزير جاء وهو لا يحمل في جعبته إلا الشر، الذي اتضح من خلال تصريحاته المهددة وإنذاراته المتوالية لجماعة المثقفين، ثم في سلسلة قراراته التي اتخذها خلال أقل من أسبوعين على توليه منصبه، بالإطاحة بقيادات وزارة الثقافة خاصة من المعروفين بتوجهاتهم المدنية. وأشار القعيد إلى أن هذا الرجل جاء وهو يحمل أجندة واضحة ومحددة وهو مصر على المضي قدما في تنفيذها حرفيا، قائلا “كنت أشعر بالخجل وأنا أتكلم عن هذا الوزير والوطن يمر بأكبر المحن في تاريخه، ولكن سياساته الموتورة والمتشددة جعلتنا نخرج دفاعا عن كياننا وهويتنا بل عن وجودنا كله”، متابعا أن “الوزير خرج بعد حلف اليمين مباشرة وقال للإعلام: أنا حصلت على الضوء الأخضر من الرئيس كي أطهّر هيئات الوزارة، والرئيس سألني لماذا قيادات وزارة الثقافة لا تحب قيادات جماعة الإخوان المسلمين؟”! الروائي القعيد كشف عن أن هذا الوزير جاء ليقدم للإخوان المسلمين ما لم يحلموا به، ولهذا جاء اعتصام المثقفين الذي ضم كتابا وفنانين وتشكيليين وسينمائيين، كان على رأسهم الكاتب الكبير بهاء طاهر والكاتب الكبير صنع الله إبراهيم والمخرج مجدي أحمد علي وخالد يوسف وآخرون، جاء الاعتصام كأحد الوسائل المعبرة لرفضهم استمرار هذا الوزير الذي أدخل الجميع في سباق مع الزمن، بعدما جاء بخالد فهمي، أستاذ الأدب بجامعة المنوفية، رئيسا لدار الكتب والوثائق القومية، وهو رجل إخواني 100 في المئة، وكادر مهم من قياداتهم المعروفة، موضحا أن تنصيبه رئيسا لدار الكتب، جاء بهدف تدمير الوثائق التي تدين جماعة الإخوان وتمكنهم من وضع تاريخ جديد يتوافق مع رؤاهم و”ينظفوا تاريخهم من الدم”. وأكد القعيد في وقت مبكر، أنه لا بديل عن خوض، معركة المصير والبقاء، في مواجهة هذا الوزير الذي يمثل الذراع الباطشة للإخوان المسلمين في الإطاحة بالكيان الثقافي كله، وشدد في ذلك الوقت على ضرورة الإصرار على الاعتصام حتى إقالة هذا الوزير وتغييره، لافتا إلى أنه تواكب مع الاعتصام في ذلك التوقيت الدعوة إلى الخروج في 30 يونيه، وهو ما مثل دعما كبيرا للمثقفين وموقفهم، بجعل القضية جزء من كل، ومعركة ضمن حرب، وأن المثقفين على اختلاف أطيافهم وتياراتهم مصممون على المضي إلى نهاية الشوط، دفاعا عن الكرامة المصرية والشخصية المصرية. ووصف القعيد حركة اعتصام المثقفين في الأيام المجيدة التي سبقت ثورة 30 يونيه بأنها “حركة تاريخية سيذكرها التاريخ بإكبار وإجلال، وسيسجل التاريخ أن المثقفين المصريين انتفضوا عن بكرة أبيهم للدفاع عن هويتهم وحضارتهم وتاريخهم العريق”، مؤكدا أن هذه الحركة لم تكن لتظهر بهذه القوة والمنعة والإصرار والصمود منذ عهد عبد الناصر، لولا استشعار الخطر الحقيقي المحدق بالمصريين جميعا. غلاف الشاطر أما عن أهم ما تمخضت عنه حركة المثقفين المصريين بعد اعتصامهم قرابة الشهر، بمقر وزارة الثقافة المصرية بالزمالك، وحتى سقوط الإخوان وعزل رئيسهم مرسي في 3 يوليو الجاري، فهو فضح وتعرية الخواء الفكري والإفلاس الثقافي للإخوان المسلمين، ومدى معاداتهم لأي شكل من أشكال الثقافة أو الإبداع أو الفن، ولعل من أهم ما أكد ذلك وبينه، واقعة غلاف “أخبار الأدب” الشهير، أو بالأحرى فضيحة “غلاف الشاطر”، كما أطلق عليها الشارع المصري، عندما قام رئيس تحرير الجريدة “المتأخون” مجدي العفيفي بإصدار عدد يتصدر غلافه صورة خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة، وكتب تحتها مانشيت عريض بارز بعنوان “تناغماً مع الدور الثقافي لرجال الأعمال.. خيرت الشاطر: هل يحقق استعادة روح مصر الثقافية ببرنامج الجماعة؟”!! هكذا جاء العنوان، فعلا وحقا وصدقا، في واقعة لم تكن الأولى للعفيفي، فقد سبق وأن أصدر عددا سماه “التاريخي” تتصدر غلافه أيضا صورة حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أثار وقتها زوابع وتوابع أكدت الهواجس والشكوك التي ماجت بها الصدور حول شروع الإخوان في تنفيذ مخططهم وحلمهم القديم بالسيطرة على أهم المنافذ الإعلامية والثقافية والفكرية في إطار هيستيريا “أخونة المؤسسات” والترويج للدعاوى الإخوانية عن “المشروع الإسلامي الشامل”. أثار غلافا البنا والشاطر، في حينهما موجة عارمة من السخرية الممزوجة بالمرارة والأسى معاً، ما دفع أحد الساخرين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التعليق “عدد تاريخي من مجلة أخبار الأدب بغلاف يحمل صورة خيرت الشاطر لو كشطتها تلاقي تحتها صورة الرئيس مرسي”! وتحسّر معلّق آخر على “أخبار الأدب” أيام زمان: “من أغلفة باولو كويلو وماركيز إلى غلاف عليه صورة خيرت الشاطر”. مثقفون رأوا في مثل هذا التصرف أمرا متسقا تمام الاتساق مع التركيبة الذهنية والعقلية للإخوان المسلمين، فهي تركيبة بطبيعتها منغلقة وأحادية ومفارقة للواقع وأسيرة رؤى وتصورات أسطورية لا تمت للواقع بصلة وتحيا في ظل منهج الاتباع والسمع والطاعة وتجتر ثقافة النقل وترديد الموروث دون أدنى إعمال للعقل أو التفكير. فكيف لهم أن يعملوا أذهانهم ويفكروا بحرية في ظل مبدأ السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر وصرامة التعليمات والتوجيهات القاضية بعدم الخروج عن “منهج الإخوان وتعاليمهم” من حسن البنا وسيد قطب والقرضاوي مرورا بالهضيبي ومشهور والتلمساني وانتهاء بعاكف وبديع والبر. كذلك لم يبد غالبية المثقفين أي اندهاش أو استغراب من أن تتصدر صورة الشاطر غلاف “أخبار الأدب”، التي كانت قبل أن يغير عليها الإخوان منبرا حرا من أهم منابر الفكر والإبداع في مصر والعالم العربي كله، لأنه مفهوم أن الإخوان لا يعرفون إلا هذه الذهنية الفقيرة محدودة الخيال منزوعة الثقافة بالكلية، لكن مصدر الدهشة الحقيقية هو تلك المباشرة والفجاجة، التي أفضت إلى اختيار الشاطر، من دون أي مراعاة لانتفاء علاقته بالفكر والثقافة. السؤال الحقيقي الذي تبدو إجابته واضحة لكل ذي عينين وبعد معاينة ومشاهدة حرة وصريحة لأدائهم وتصريحاتهم وخطبهم طيلة عام مشئوم، هل هؤلاء يمتلكون أي مشروع ثقافي من الأساس؟ أو يمتلكون ما يمكن أن يدلل على وجود أي تصور واضح أو رؤية محددة لأي شيء في أي مجال؟! محاولات ساقطة وفاشلة للترويج الزائف لامتلاك مشروع ثقافي وهمي معدوم “وهل كانوا يمتلكون من الأساس أي مشروع؟ والدليل طائر النهضة!!”. ادعاءات أثبتت الأيام أنها كاذبة ووهمية ومحض عدم بكل المقاييس، إذ كيف لجماعة نشأت في ظلال الانغلاق وقيود التبعية وأسر السمع والطاعة أن يكون لها من التفكير الحر نصيب، ومن الآداب والفنون حظ؟ ناهيك عن عداوتها المتأصلة للفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية. ثقافة البذاءة الكاتب المصري المغترب مصطفى عطية، رئيس تحرير دورية تصدر في باريس، أكد أن صرخات المثقفين المصريين ومواجهتهم الحاسمة ضد الضحالة والتوجه المتعمد لتأسيس “ثقافة البذاءة” والثقافة البذيئة كان له دور كبير في إذكاء روح المقاومة ضد الإخوان وكشف وفضح ألاعيبهم وكذبهم وأنهم استطاعوا الصمود ضد زحفهم المستمر على ساحة الفكر لجعله أحادي الرؤية منغلق الأيديولوجية التي لم تسهم في الثقافة المصرية إلا بأسوأ الأبعاد التي تنشر الفرقة والرجعية وتناهض العلم والتقدم والتفكير والإبداع المتحرر من كل فكر مسبق. واشار إلى أن جوهر ومضمون اعتصام المثقفين ونداءاتهم المتوالية واحتجاجاتهم لم يكن منصبا في الأساس على أن ما هو مطلوب ليس فقط إقالة شخص الوزير أو صفته أو أيا ما كان مسماه، وإن كان لازما، ولكنها في الأساس كانت لاجتثاث هذه المحاولات والوقوف أمامها بكل قوة والتصدي لكل من يحاول التعدي على كينونة الثقافة والشخصية المصرية وطابعها الأصيل المنفتح على كل التيارات ومختلف الثقافات وكافة الاتجاهات والمنابر بثقة وشموخ تحت مظلة التنوع والتعدد الحر المفضي إلى الإبداع الخلاق والتفكير المتجدد. بلا مواهب وفي مساجلة شهيرة بين المخرج المعروف خالد يوسف، أحد أقطاب جبهة المعارضة المصرية وأحمد عارف المتحدث الرسمي باسم الإخوان المسلمين، جرت وقائعها في أحد برامج “التوك شو” المصرية (برنامج “آخر النهار” الذي يقدمه الإعلامي المصري الشهير محمود سعد) على الهواء مباشرة، إبان اعتصام المثقفين المصريين وقبل 30 يونيه، أكد خالد يوسف بنبرته الحماسية ودفاعه المنطقي الحاسم ردا على تهديدات الوزير الإخواني بمقاضاة المثقفين المعتصمين بمكتبه وسجنهم، أنهم قد قاموا بالفعل بإقالة هذا الوزير الظلامي، وأن المثقفين كانوا موجودين بهذا المكتب لضمان عدم تدمير الثقافة المصرية حتى يوم 30 يونيه فقط، مؤكدا أن لديه يقينا بأن الشعب سوف ينزل ليسقط نظام الإخوان، وهو ما حدث بالفعل. وكشف خالد يوسف خلال المقابلة عن أن الناس كانوا دائما ما يتساءلون ويسألون النخبة المثقفة بقلق: “إمتى هتخلصونا من الإخوان؟”، موضحا أن هذا الأمر هو ما أشعر المثقفين بعظم الدور المنوط بهم وبجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ما جعلهم يصرون ويصممون على استمرار اعتصامهم بمكتب وزير الثقافة، قائلا “نحن المسؤولون عن الثقافة بحكم أننا مثقفون”. وفضح خالد هشاشة الادعاءات الإخوانية بأنهم يحملون مشروعا يطلقون عليه “إسلاميا” مدللا بأن الإخوان، طيلة تاريخهم لم يخرج منهم أديب أو كاتب أو فنان أو شاعر أو مصور أو مفكر ذو قيمة، لأنهم بالأساس لا يمتلكون من المواهب أو العوامل التي تفضي إلى وجود أي مبدع، مشيرا إلى أنه وخلال الثمانين عاما الماضية لم يضيفوا للحياة الثقافية اسم مبدع واحد، واحد فقط، في أي مجال من المجالات، مجرد اسم في قامة نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو عبد الرحمن الشرقاوي أو فتحي غانم أو صلاح عبد الصبور أو أمل دنقل أو عبد الرحمن الأبنودي أو سيد حجاب، والقائمة عامرة، ولذلك، والكلام لخالد يوسف، فالمثقفون ليس بينهم إخواني واحد، وتحدى لو أن بين الإخوان مثقف واحد يشار إليه ويعترف به وله إنجاز ملموس وواضح، فيعلن عن نفسه ويعلن أنه يؤيد هذا الوزير الظلامي، في هذه الحالة فإنهم على استعداد لفض الاعتصام. المخرج المعروف أوضح أن قضية الثقافة ليست “قضية هامشية”، ولكنها قضية وطن، فما يهم المثقف هو حياة أفضل للمواطن. كما أن الإخوان ليس لديهم أي كوادر حقيقية لتنفيذ مخططهم وحلمهم بأخونة وزارة الثقافة، وليس لديهم أي مشروع ثقافي بديل، فهم لا يريدون إلا تخريب الثقافة، والمثقفون لن يتخاذلوا عن الدفاع عن الوزارة، وهو ما تجلى بامتياز خلال الأيام التي سبقت سقوط الإخوان. خالد يوسف قال أيضا إن الثورة المصرية بهرت العالم في الثمانية عشر يوما لأنهم قدموا نموذجا مصريا راقيا شديد التحضر، وهو النموذج النابع من عمق الثقافة المصرية وجوهرها وهي التي دافعنا عنها للحفاظ عليها وحمايتها، منوها إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على السينما بل هو دفاع في الصميم عن أصول المصريين. أما ممثل الإخوان ومتحدثهم الرسمي، أحمد عارف، فقد قال في محاولة يائسة وغير مقنعة للرد على خالد يوسف أن الثقافة يجب ألا تكون حكرا على من سماهم اليساريين والماركسيين، مطالبا بألا يزايد أحد على الآخر، أو فصيل على تيار ثان، وهو ما عقب عليه خالد يوسف مطالبا إياه بأن يأتي باسم أي مبدع من الإخوان أقصاه النظام السابق، موضحا أن كل مؤلفات وكتابات أحد قادتهم التاريخيين وهو سيد قطب كانت قبل التحاقه بالجماعة، عندما كان ليبراليا متحررا من قيود الانغلاق والتعصب والالتزام الأيديولوجي الديني الذي اعتنقه بعد انضمامه للجماعة في أوائل الخمسينيات، وقبل أن يهجر الأدب والنقد متجها إلى التنظير الأصولي الذي أفرز كتابات تخرجت عليها كل الجماعات والفصائل الدينية المتشددة التي تبنت منهج التغيير بالسلاح وتكفير المجتمع ومعاداة الآخرين من المختلفين معهم في الفكر أو العقيدة أو السياسة وهو ما أدخل مصر والمنطقة العربية في دوامات من العنف والاقتتال ما زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم. واختتم خالد رده القوي المتماسك الواضح أن وزير الثقافة كان كل ما جاء به هو تنفيذ أجندة خيرت الشاطر لتدمير الثقافة والقضاء على المثقفين، مشيرا إلى أن يوم 30 يونيه هو “يوم خلاص” المصريين من مشروع احتلال مصر.. وقد كان. «أخبار الأدب» المصرية تعلن خلاصها الحركة الشعبية التي شهدتها مصر في 30 يونيو الماضي، وأدت إلى عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم، كان لها أثرها المباشر على أهم منبر ثقافي مصري عانى في ظل حكم “الإخوان المسلمين” من التسلط والهيمنة والإخضاع لمحددات النموذج الثقافي الإخواني. والمنبر المقصود هو جريدة “أخبار الأدب” التي شهدت منذ 25 يناير 2011 تحولات كبيرة في إداراتها ونهجها التحريري، انتهت إلى تعيين مجدي عفيفي الموالي لنظام الإخوان المسلمين رئيسا للتحرير. وبعد سقوط الإخوان، أجبر محررو الجريدة عفيفي على تقديم إجازة مفتوحة، وأصدروا عددا من جريدتهم حمل غلافا لافتا بعنوان “الخلاص”. فبعد أن كانت الجريدة قد انحرفت عن مسارها الفكري لمدة عام، وتخلت عن مناصرتها للحريات، لتصبح بوقاً “ثقافياً” للجماعة الحاكمة، كان لا بد من إعلان الخلاص، وهو ما عبرت عنه افتتاحية العدد بعنوان “روح مصر المخطوفة” مشبّهةً حال الجريدة بالمحروسة. وحوى العدد مجموعة من الموضوعات منها: رسالة ابتهال يونس للمفكر الراحل نصر حامد أبو زيد (بركاتك يا نصر) في الذكرى السبعين على ولادته، ومقال “نشيد الغرباء” لشريف يونس الذي أوضح فيه أنّ جماعة الإخوان لم تفهم طبيعة الفكرة الديمقراطية ولا جوهر الصراع. وكتب مهاب نصر “خاتم المصلحة وسجادة الصلاة”، مبينا أنّ إحدى مساوئ الإسلاميين تمثلت في الافتقار المعيب إلى الإبداع، والأمر ذاته أوضحه حاتم حافظ في “جماعة بلا خيال”. أما الروائي زغلول الشيطي امتدح اعتصام المثقفين في مكتب وزير الثقافة في مقالته “السلطة الملقاة في الشارع”. وكتب سلاف جيجيك، عن حركة وول ستريت “سنة الأحلام الخطيرة”. وفي العدد استطلاع لرأي ربّات البيت عن الثورة والإخوان بعنوان (البلد كانت كبيرة عليهم). أما المؤرخ خالد فهمي، فرصد “الخطايا السبع للجماعة”. كذلك تضمن العدد مقالات حملت العناوين التالية: “إسبانيا لا تنسى تجربة فرانكو” لأحمد عبد اللطيف، و”الطريق لـ30 يونيو” لحسن عبد الموجود، و”كيف تحتمي بالسلمية وتبرر العنف” للروائي اللبناني هلال شومان، و”الإخوان موبايلات بئه” لمحمد شعير الذي أوضح أنه “لم يعد أحد فوق مستوى النقد، لا الجنرال ولا الشيخ الملتحي، لذا ودّع المصريون مرسي بالضحك”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©