الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاجر بنت حسين: أنا مريضة بوطني

هاجر بنت حسين: أنا مريضة بوطني
27 يوليو 2011 19:23
لا شيء أجمل من أن يتحدث الشاعر عن نفسه بتلقائية، وأن يتحدث الإعلامي ـ الذي دائما يحاور الآخرين ـ بعفوية وصدق، وكأنه يسرد سيرته الذاتية، لكن الأمر مع الشاعرة الإعلامية التونسية هاجر بنت حسين مختلف، فهي تكاد تسرد ذاتها وهي تسرد حكايتها مع النشأة والشعر والتجوال في العواصم، تلقائية وصريحة ومنسابة، وفي كل ثنايا البوح يرتسم الوطن وجعاً، إلى درجة أنها تقدم اعترافا صارخاً حين تقول: (أنا مريضة بالوطن)، وتقول شعرا: أسكب ألحانك في وتري/ من عبق الماضي المسكون/ من كل فاكهة أبّا/ من عطرٍ.. زهر الليمون/ حطّم “دبابيس” الشعر المذهبة/ كشموع العيد المحزون/ ما عدت أطيق ضفائره/ أدماني القيد المسنون وطني نعسان بعيوني/ احذر أن توقظ هدأته/ إن صاح.. أيقظت شجوني/ أتركه يحمل في مهل/ عثرات القدر المجنون.. على ربوة تطل على مضيق البوسفور في إسطنبول بتركيا، حيث المدى لا شك يستفز عقر الطفولة، تحدثت هاجر عن نفسها، بمفردات مغلفة بجع الحنين وجمال الذاكرة. تقول: “أنتمي الى عائلة تجمع بين العلم والدين، تعود أصولها الي الأندلس، والدي فقيه وعالم دين ورجل شعر وأدب، نشأت في بيئة لا تشجع إلا على العلم ممارسةً وهواية، كان والدي ديمقراطيا مستبدا، أو لنقل محافظا، لكن برغبة الآخر في هذا التعاقد، لا يريد ان يرى بناته الخمس إلا في جلباب القضاء او الطب او الأدب، وغير هذا هي لا تستحق أن تكون “إبنة أبيها”، ولم يكن مناخ المناظرات الأدبية والعلمية غريبا عني بل كان الغريب عندي أن أرى بيوتا لا تجتمع فيها العائلة على مآدب العقل والقلب والروح، يعيشون شظف الفكر وتخمة العبث”. وعن رحلتها العملية في عالم الإعلام المرئي تقول: “لم أفكر وأنا أجتاز مرحلة البكالوريا او كما يسميها الشرق الثانوية العامة، أو حتى السنوات التي سبقتها عن الوظيفة التي أرغب فيها كنت ومازلت سكرى بالفلسفة التي بها أرى الاشياء، فالوظيفة عندي لا تلغي معنى السيادة، والعبودية هي ترسخها بالقانون، ولذلك تخرجتّ من الجامعة ثم توجهّت الى بيروت لاكمال الدراسات العليا في النقد الادبي ولم أبحث عن وظيفة، أما التلفزيون فكان قدرا جميلا ساقه لي إعلان في الراديو، لإنشاء قناة جديدة خاصة بالشباب، فأرسلت رسالة اعتبرتها من الرسائل المهملة، لأني كنت أسمع أن الاذاعة والتلفزيون لا يدخلهما الا من كان له “كتف سمين” بالعامية التونسية، وأنا بعد في سنتي الاولى الجامعية، ولكنّي دخلتها، ولاول مرّة قطفت ثمار الانكباب على الدرس والعلم، وكنت الأولى بين المترشحين في كل المواد التي أختبرونا فيها”. الآخر.. التركي تعمل هاجر بنت حسين في القناة التلفزيونية التركية العربية، وهذا يعني أنها إعلامية مهاجرة، كالعديد من الإعلاميين والإعلاميات العرب، إلا أن الإعلامية هاجر لها رأي مختلف قليلا، فتركيا، وريث تراث الإمبراطورية العثمانية، وما آلت إليه من تغيير أو تطور، تتميز بتجربة تستحق الدراسة، ولهذا، فإن التحاقها في التلفوين التركي كما تقول، أثرى تجربتها الإعلامية إلى حد ما، وتضيف معلقة على هذا الأمر: “لأن الرغبة إذا سبقت الفعل في الغالب لا يتولد الا الابداع، ناهيك عن اكتشاف الآخر (التركي) الذي كان في حقبة تاريخية معينة بعض من الأنا، وكان شريكا في حضارتنا الاسلامية العربية، أردت أن أرى أردوغان في أرضه، وأبحث في نجاحه ونجاح التجربة التركية في السياسة والاقتصاد، وكيف انتزعت احترام العالم لها، وأستطيع الآن، بعد مضي سنتين، فهم طبيعة العلاقة بين السلوك الاجتماعي التركي، والسلوك السياسي والحتمية الجيوغرافية، الآن أفهم تركيا الى حد ما..”. هل يوجد إعلام محايد؟ هذا السؤال بات على السنة كثيرين ممن يتابعون الأخبار، ولا سيّما، ما يتعلق بما تطلق عليه بعض الفضائيات بـ (الثورات العربية)، والإعلامية هاجر لا تعتقد بوجود إعلام محايد حتى في جمهورية أفلاطون، وترى مصطلح الإعلام المحايد كباقي المفردات الحداثية (مفردات فضفاضة)، وتقول: “أرى أنّ المسألة فيها لا تُحسم بين نصرة الحق وزهق الباطل قولا وفعلا، بل تقاس بمقياس تحقيق المعادلة بين الكسب والبقاء، وهذه معادلة لا تنشأ في هذا السياق التاريخي والسياسي الذي يمرّ به العالم العربي والاسلامي الا بصراع مرير، بين موروثات الضمير الجمعي والأخلاقي والديني، والتسليم بأبجديات ومكاسب ثقافة العالم الحديث، ولهذا لا يوجد إعلام محايد حتى في جمهورية إفلاطون”. وتقول عن مسألة من يخدم الآخر في شخصيتها، الإعلامية أم الشاعرة: “من الاشياء التي لا أرى لها تفسيرا في شخصيتي الإعلامية والإبداعية، أنّها حاضرة ببنائها الطبيعي في كل المواقف، وقد سألتني مرة إن كان الشعر يخدم الاعلامية أم العكس، أنا أعتقد أن تنوع المعرفة والموهبة والشخصية بينهما تعاقد صريح و فطري، إما الحضور سويا أو الغياب سويا”. ملاذ الشعر ولا شك أن الإعلامي هو أكثر الناس انشغالا وتورطا بالشأن العام، وهو يشبه الطبيب الجراح الذي يحقق معادلة الإنسان في شخصيته عن طريق ممارسته للرسم أو الموسيقى، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هل الشعر منجاة؟ تجيب هاجر قائلة: “لم اتصور قط أنّ قلمي سيكتب لي شعرا، لكن بعض المرارات التي ألمّت بحياتي الخاصة وبعض الهزّات التي عصفت بي استنفرت الشاعرة فيّ، نعم لذتُ بالشعر، أحتمي به وأنعم بلذة الوصال مع الحرف والمعنى، الشعر منجاة حتماً وورطة لمن خرج ولم يدخل فيه”. لكن معظم نتاجات هاجر بنت حسين الشعرية تأخذ شكل القصيدة الكلاسيكية، أو التفعيلة، وقليلات هن النساء اللواتي لا زلن يكتبن هذا النوع من القصيدة، ويبدو أن نشأة الشاعرة في بيت علم ودين وأدب، أي قد يكون تقليديا بعض الشيء، هو الذي يجعل التفعيلة راسخة في إيقاعها الإبداعي، لكن المسألة ليست تماما بهذا الطرح، فهي تقول: “أكتب التفعيلة لأني أردت أن أتحدى نفسي وأعرف الشعر كما عرفه العرب أول مرة، وأذوق مذاقه الاول وكتابته الاولى، لكني أطرب للشعر الحرّ، فهو أيضا مذاق آخر وتجربة أخرى لابدّ لي من خوضها”. وحين تحدثت إليها عن الوطن، وهل يمكن أن يتغير مفهومه في الغربة سارعت بالقول: “لا تسألني عن الوطن، فقد أكتب دماً، نعم تغيّر مفهوم الوطن ومذاقه ورائحته، كنت أراه بعين الزاهد في الجمال المألوف، وكنت أتسائل؛ هل هناك رائحة أخرى غير رائحة الصنوبر والاكليل والتوت البرّي؟ وهل هناك مذاق آخر غير طعم البرتقال والتمر عند السحور؟ هاجرت منذ سنة 1998 وإلى الآن لا اتمنّى إلا أن أرى كما كنت أرى موكب قطيع الأغنام يعود مع أشعّة الشمس المنكسرة إلى المغيب، تحث سيره أجراسه الملتفة حول رقبته، وراع يمّني نفسه بعشاء دسم ينسيه الحرّ والقرّ، ولا يعبث بشعري الا نسائم الجبل.. أنا مريضة بوطني، هو معي في كل ترحالي وأشعاري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©