الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات الصوت والضوء في ليالي رمضان

حكايات الصوت والضوء في ليالي رمضان
24 يوليو 2013 21:56
يُقال في اللغة العربية: سَحَرهُ بمعنى خدعه، وكذا إذا علله، ومثله سَحرَ، وقوله تعالى: “إنّما أنتَ مِن المُسحرين”: قيل: المُسحِّر المخلوق ذا سحرٍ ـ كسبب أو صقر ـ أي رئة. وقيل: المُعلل. وقد أطلقها العُرْف على إيقاظ النوّام في شهر رمضان كي يتنبهوا ويتأهبوا فيأكلوا ويشربوا قبل حلول وقت الإمساك. أشار علي الجندي في “قرّة العين في رمضان والعيدين” أنّه لما كان السحور يقع في اُخريات الليالي، حيث تهدأ الجوارح وتقرّ الجنُوب، ويلذ الإغفاء، اتخذت الوسائل قديماً وحديثاً، لتنبيه الصائمين لوقت التسحير، وبخاصة أنّ صحة الصوم، تتوقف على معرفة نهايته بالتحديد الدقيق. فقد كان المسلمون في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام يعرفون جواز الأكل والشرب بأذان “بلال الحبشي”، ويعرفون المنع بأذان “عبدالله بن أم مكتوم”، وفي الحديث الشريف: “إنّ بلالاً ينادي بليل فكُلوا وأشربوا، حتى يُنادي ابن أم مكتوم”. عبدالمجيد عبدالحميد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل شهر رجب فإنّه يرفع يديه ليدعو خالقه بقوله الكريم: “اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”. ويُعدُ يوم الثلاثين من شهر شعبان يوم شك عند المسلمين، فقد يشاهد هلال رمضان جماعة ولم يشهد برؤيته من لم تقبل شهادتهم، فيبقى الشك يساور المسلمين: هل هو من رمضان وغرته، أو هذا اليوم مكمل لشهر شعبان؟ وقد رسمَ هذا الموقف المشكوك فيه الشاعر ابن الوردي قائلا: قلتُ هِلالُ الصِّيامِ لَيسَ يُرَى فَلا تَصُومُوا وارْضَوْا بقولِ ثِقَهْ فغالطُونـي حَقِّقُــوا فَـرَأَوا وكـلُّ هـذا من قُــوّةِ الحَدَقَـهْ ويروى بأن جماعة وفيهم الصحابي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قد حضر لمشاهدة هلال شهر رمضان، وكان عمره قارب المائة سنة، فقال الصحابي أنس: رأيته هو ذاك وجعل يشير إلى الهلال فلا يراه أصحابه! وكان القاضي إياس حاضراً مع الجماعة المتطلعة صوب السماء، وهو ذو فراسة وذكاء، فنظر إلى الصحابي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وإذا بشعرة بيضاء قد انثنت من حاجبه فوق عينيه، فمسحها القاضي، ثم قال للصحابي أنس: يا أبا حمزة انظر؟ فنظر الصحابي ابن مالك وأجابه: لا أراه! ويحفل شهر رمضان الفضيل على ليالٍ ومناسبات ومظاهر خاصة بلياليه المباركات، منها: الفطور، السحور، مناسبات خالدة كنزول القرآن المُعجز، غزوة بدر الكبرى، ليلة القدر المباركة، فضلاً عن مظاهر فانوس رمضان والتسحير في هزيع الليل الأخير من كل يوم رمضانيّ. القوما في العراق يُعدُّ القوما من الفنون السبعة الشعرية، وهو فنّ شعبيّ له وزنان مختلفان، الوزن الأول: مركب من أربعة أقفال: ثلاثة متوازية في الوزن والقافية، والرابع أطول منها وزناً، وهو مُهْمَل بغير قافية. أما الوزن الثاني فيتألف من ثلاثة أقفال مختلفة الوزن، متفقة القافية، يكون القفل الأول منها أقصر من الثاني، والثاني أقصر من الثالث. والقوما، ومثله “الكان كان” لايعرفه سوى أهل العراق، ورُبما تكلف غيرهم نظمها. وكلّ بيت من القوما قائم بنفسه، وقد نظم فيه الزهري والخمري والعنابي. وغلب عليه هذا الاسم: من قول بعض المُغنين لبعض: “نياماً قُوما قُوما للسحور”، أو “قُوما لنُسحّر قُوما”. وقد اخترع فنّ القوما رجل بغدادي اسمه “أبونقطة”. وكان فنّ القوما موسمياً رمضانياً أريد به إحياء لياليه حتى السحور وإنّ النساء كُنّ يشاركنّ في قوله إضافة للكان وكان، وكانت عملية التسحير بالشعر والغناء والدعاء نوبة أو دوراً يجري على فرقة المُسَحِرين واحداً واحداً لكنّ ختامها يكون بالقوما. وكان ابن نقطة من مُسَحِري شهر رمضان في بغداد خلال العصر العباسي، إذ كان يوقظ الخليفة الناصر لدين الله في دار السلام، وكان ينادي في تسحيره بأشعار القوما قائلاً: قوما تسحر قوما فلما مات ابن نقطة ذهب ابنه، وكان له صوت جميل ووقف تحت قصر الخليفة الناصر لدين الله ثم أنشد بصوت مرتفع: يا سيد السادات لك في الكرم آيات أنا ابن أبو نقطة تعيش أبويـا مــات فأعجب الخليفة الناصر لدين الله بسلامة ذوقه، ولطف إشارته، وحسن بيانه مع إيجازه، فأحضره وخلع عليه ورتب له ضعف ما كان لوالده. ولم يقتصر التسحير على الرجال إذ عملت في هذه الحِرفة الرمضانية بعض النساء، وقد أنشأ الشيخ زين الدين بن الوردي في إحدى المُسَحِرات في ليالي رمضان قائلاً: عَجِبْــتُ فــي رَمضـــانٍ مِـنْ مُسَحَّــرَةٍ بَديعـــةِ الحُسْــــنِ إلاّ أنّهــــا ابتَدَعَـــــتْ قامــَتْ تُسَحّرُنـــا لَيْـــلاً فَقُلْـــتُ لَهــا: كيفَ السَّحورُ وهذي الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ كما ذكر المؤرخون أنّ شعر القوما، كان معروفاً قبل ابن نقطة البغدادي، فقد رووا أنّ بعض المُسحرِّين أنشد أمام قصر الخليفة العباسي هارون الرشيد ببغداد من نظام القوما ما يأتي: يامَن جنابُه شديد ولطف رأيـهِ سديـد ما زالَ بِـرُّكَ يزيــد علـى أقـلِ العبيــد ولا عدمنا نَـوَالَك في يومِ فطرِ وعيد التسحير في مصر احتفلت مصر بالتسحير أيضاً، حتى شارك في ذلك بعض ولاتها، فقد نُقِل أنّ عنبسة بن إسحاق والي مصر سنة (238هـ - 852م)، كان يذهب من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص ماشياً، وكان يُنادي على الناس في طريقه بالسحور. وكان التسحير بالجامع، يقول المؤذن: تسحرّوا، كُلوا وأشربوا وما أشبه ذلك، على ماهو معلوم من أقوالهم ويقرأون الآية الكريمة من سورة البقرة/ 183: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. ثم يسقون ويقرأون قوله تعالى من سورة الإنسان/ 5: “إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا” إلى قوله تعالى في سورة الإنسان/ 15: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا”. وفي أثناء ذلك ينشدون القصائد، يذكرون بها النيّام على أربع مرات من التذكير وبصيغ مختلفة. وتنوعت طرق وأساليب المسحرين في إيقاظ الصائمين النائمين، إذ كان التسحير في غير الجوامع يتم بوساطة الطبلة المعروفة لدينا الآن، يطوف بها أصحاب الأرباع وغيرهم على البيوت، ويضربون عليها، فيما كان أهل الإسكندرية واليمن وبعض أهل المغرب يسحرون بدق الأبواب على أصحاب البيوت، وينادون عليهم: قوموا كلوا، ويسحر أهل الشام بدق الطار أو الدف كما يعرف اليوم، وضرب الشبابة والعزف على العيدان والطنابير والصفافير وغناء بعض الأشعار والأهازيج الداعية إلى التسحير. وكان المغاربة يضربون بالنفير ـ البوق ـ على المنارة، ويكررونه سبع مرات، ثم يضربون بعده بالأبواق سبعاً أو خمساً، فإذا انتهوا حُرِّم على الصائمين تناول طعام السحور. فكرة الفانوس؟ يرجح الباحثون أنّ فكرة فانوس السحور كأحد مظاهرها التقليدية والمنتشرة في مدن الإسلام قد ظهرت أولا في مكة المكرمة وفي المدينة المنورة، ومنها انتشر الفانوس سريعا إلى كل الأقطار الإسلامية. وأشار الرحالة العربي ابن جبير إلى فانوس رمضان في مكة المكرمة، عند زيارته لها في شهر رمضان للعام 578 هجرية، إذ كتب: بأن التسحير خلال شهر رمضان كان يتم من خلال المئذنة التي في الركن الشرقي للمسجد الحرام وذلك بسبب قربها من دار شريف مكة، فيقوم المؤذن الزمزمي بأعلاها وقت السحور داعياً ومذكراً على السحور ومعه أخَوانِ صغيران يجاوبانه”. وأضاف ابن جبير عن الفانوس: “ونظرا لترامي الدور بعيداً عن الحرم المكي حيث يصعب وصول صوت المؤذن كانت تنصب في أعلى المئذنة خشبة طويلة في رأسها عمود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يوقدان مدة التسحير، فإذا قرب تبين خطا الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ بالأذان وثوب المؤذنون من كل ناحية بالأذان” وعندما يرى أهل مكة من سطوح ديارهم المرتفعة أنّ القنديلين قد أُطْفِئَا علموا أنّ الوقت قد انقطع”. سنوك وسحور مكة أما الرحالة الغربيون فوصفوا طقوس شهر رمضان حيث وصف الرحالة سنوك هورنيكا السحور في مكة بقوله: “بعد منتصف الليل بحوالي نصف ساعة وطوال أيام السنة يعتلي المؤذنون منارات الحرم السبع ويقومون.. ولمدة ساعتين بالتذكير”. والتسحير الذي تكون أجزاء منه بالشعر وأخرى بالنثر المسجوع ثم ينهون ذلك بالآذان الأول للصلاة.. وبعد نصف ساعة من هذا الآذان يلقون بنبرات رنانة بالإنذار الأخير.. حتى لا تفاجئ خيوط الفجر الأولى للصائمين.. وهنا تتردد في أسماعهم صيغ كثيرة منها قولهم: أيها النُوّام قوموا للفلاح... بعدها يسير المُسحرون في الشوارع وهم يقرعون طبولهم أمام كل منزل كبير حاثين ساكنيه بالصيغة التقليدية على الاستيقاظ من النوم: ويأتون في يوم العيد إلى أصحاب هذه المنازل كل على ظهر جحش ويتسلمون هدايا نقدية من بعضهم وعينية كبعض الحبوب من بعضهم الآخر. ويعطيهم الكثيرون هدية الإفطار ـ زكاة الفطر أو الفطرة ـ وهي كمية محدودة من وجبة مجهزة من دقيق القمح. وأضاف: إثر ذلك يمهد الترحيم لمدة عشر دقائق للأذان ويؤدي هذا الترحيم طوال أيام السنة وهو مثل التذكير، والتنبيه ـ الأذان الأول ـ علامة دقيقة والترحيم التضرع إلى رحمة الله: “الصلاة يا عباد الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد وله الملك يُحيي ويميت وهو حي لا يموت أبدا إليه المصير وهو على كل شيء قدير أفلحَ من يقول: لا إله إلا الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله”. شعراء الفانوس لعلّ من أبرز مظاهر شهر القرآن وجود الفانوس، الذي حظي فانوس السحور بنصيب وافر من اهتمام الأدباء والشعراء الذين وجدوا فيه رمزاً أثيراً محبباً إلى النفس، يذكر محمّد رجب السامرّائي في كتابه: “رمضان في الحضارة العربية الإسلامية” حكايات وأشعار فانوس رمضان، أنّه قد جلس بعض الأدباء بصحن جامع عمرو بن العاص في أوائل القرن السابع الهجري ـ الثالث عشر الميلادي ـ في إحدى ليالي رمضان وقد أوقد فانوس السحور، وقد حكى علي بن ظاهر الأزدي حكاية عن فانوس السحور فقال: اجتمعنا ليلة في رمضان بالجامع فجلسنا بعد انقضاء الصلاة للحديث وقد أوقد فانوس السحور. فاقترح بعض الجالسين على الأديب أبي الحجاج يوسف بن علي أن يصنع في الفانوس طلبا لتعجيزه ولكنه أنشد قائلاً: وَنَجْمٍ مِنَ الفَانُوسِ يُشْرِقُ ضَوْؤُهُ ولكنّهُ دُوْنَ الكَواكِبِ لا يَسْرِي وَلَمْ أرَ نَجْماً قطُّ قَبْلَ طُلُوعِهِ إذا غَابَ يَنْهِي الصَائِمِينَ عَنْ الفِطْرِ فعارضه علي بن ظافر مؤكداً أن هذا تعجبٌ لا يصح لأنه والحاضرين قد رأوا نجوماً لا تدخل تحت الحصر إذا غابت تنهي الصائمين عن الفطر وهي نجوم الصباح، وهنا شحذ أبو الحجاج فكره وأنشد: هـذا لِـوَاءُ سَحُـورٍ يُستضــاءُ بهِ وعَسْكرُ الشُّهبِ في الظّلماءِ جَرّارُ والصَّائِمُونَ جَمِيْعاً يَهتدُونَ بهِ كأنَّـــهُ عَلَـــمٌ فـي رَأسِـــــهِ نَـــارُ ويقول: فلما أصبحنا سمع من كان غائباً من أصحابنا في ليلتنا ما جرى، فصنع الرشيد أبو عبد الله محمد وأنشد: أحْبِبْ بفانُوسٍ غَدا صَاعِدا وضَوؤُهُ دَانٍ مِنَ العَيْـنِ كذلك أنشد القاضي أبو الحسن بن نبيه في فانوس السحور: حبّذا في الصِّيامِ مِئْذَنَةُ الجا مِعِ واللّيـلُ مُسْبِلٌ أذيَالَهْ خِلْتُهـا والفَانُـوسُ إذ رَفَعَتْـهُ صَائِدا واقِفاً لِصَيْدِ غَزَالهْ الأطفال وفانوس رمضان يعدّ فانوس رمضان ابتكاراً عرفه المسلمون نتيجة تباعد الأحياء عن المسجد الجامع، فإذا بعد الصوت من المنائر للتسحير، فإنّ الضوء الذي يشع من فانوس السحور ويعلق بأعالي المآذن هو الطريقة المثلى لإيقاظ الصائمين ودعوتهم للسحور ومن ثم إمساكهم عن الطعام، إذ كان الفانوس يضاء منذ دخول صلاة المغرب وقت الإفطار ويبقى حتى قبيل أذان الفجر عند الإمساك، فإذا ما أنزل الفانوس من المآذن فإنّ الصائمين يعرفون أن الصيام ليوم رمضاني جديد قد بدأ. وأجواء الشهر الكريم وعلى الرغم من اقتحام التقنية الحديثة لكل مناحي الحياة عندنا، فقد ظل ـ الفانوس ـ بملامحه وتكوينه والاحتفاء الشعبي به محافظاً على خصوصيته وتأثيره الجمالي في عموم الصائمين صغاراً وكباراً. تشهد الأسواق التقليدية في عدد من العواصم والمدن العربية حركة دؤوبة تتمثل في التفنن في تجهيز وصناعة نماذج متنوعة من هذا الفانوس، وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً عرفنا بأن حكاية فانوس رمضان قد بدأت متزامنة مع دخول الخليفة المعز لدين الله إلى مصر، ففي اليوم السادس من شهر رمضان من عام 362هـ، استقبله الناس ليلاً على مشارف صحراء مدينة الجيزة وهم يحملون بأيديهم الفوانيس المزدانة لينيروا له الطريق حتى وصل إلى مقر الخلافة الذي أعدّه قائد جيوشه جوهر الصقلي، وما لبث الأطفال والصبية الذين حملوا الفوانيس مفتونين بنورها، حتى سارعوا يغنون الأغاني الدينية في الشوارع والطرقات لِنَيْلِ الهدايا. وما تزال أغلب مدن العرب والمسلمين تحتفي بعادات وتقاليد ليالي الصوم الكريم عبر الأيام الماضيات، حتى كدنا نتخيل مع احتفاء الأطفال بفوانيسهم وهم يطوّفون في الأزقة والأحياء لترديد الأغاني الرمضانية المتوارثة ويسيرون جماعات باتجاه أشعة الفوانيس المُوقدة والتي يضمحل وهجها وسناها مع نور المصابيح الكهربائية الحديثة المنتشرة في كل أرجاء العالم. ومن العادات التي ارتبطت بالفانوس آنذاك، تمثلت في عدم خروج المرأة ليلاً في شهر رمضان أو غيره من الشهور إلاّ ويتقدمها صبي يحمل في يده فانوساً مضاءً ليعلم المارة أن إحدى السيدات تسير كي يفسحوا لها الطريق. ووصف المقريزي في خططه سوق الشماعين الذي كان يمتد من جامع الأقمر إلى سوق الدجاجين في القاهرة، وكانت تعلق فيه الفوانيس المضاءة ليلا من مختلف الألوان البهيجة، وكانت مشاهدته في الليل من الأشياء المحببة للصائمين. ووصف المقريزي فانوس رمضان بقوله: “كان البعض منه يزن عشرة أرطال ـ 5،4 كغم ـ تقريبا، وكان البعض الآخر من الضخامة بحيث ينقل على محجل إذا وصل وزنه إلى قنطار. وكانت منطقة تحت الربع منذ القدم وحتى اليوم المركز الرئيسي لصناعة فوانيس رمضان بالقاهرة. المسحراتي العصري.. من عكا إلى اسطنبول وفي الإذاعة والتلفزيون في العصر الحديث اكتسى طقس المسحراتي، مظهرا عصريا في العديد من المدن العربية، كاعتماد الزدوات التكنولوجية مثل المسجلات ومكبرات الصوت لدعوة الناس إلى الاستيقاظ وتناول سحورهم، كما راجت نغمات على الهاوتف النقالة لمقاطع من أهازيج المسحراتية. ومن الظواهر اللافتة المسحر الشاب ميشيل أيوب (37 عاما) المسيحي الذي أخذ علي عاتقه مهمة دعوة المسلمين إلي السحور في مدينة عكا الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي. ويقول ميشيل إنه بهذه المهمة ينفذ وصية أمه بإيقاظ المسلمين من أهالي مدينة عكا وأحيائها القديمة في فلسطين المحتلة لتناول طعام السحور. ويعتب أنّ ما يقوم به يشكل جزءاً من محبته لأهل عكا، برغم اختلاف ديانتهم، وهو لا يجد أي مانع في ممارسته المهنة التي يصفها بـ”المهمة الكبيرة”. وقد بدأ ميشيل ابن قرية العكر، التي تمتاز بتنوّع سكانها المسلمين والمسيحيين، بالعمل في مهنة “المسحراتي” منذ ثمانية أعوام في مدينة عكا القديمة في الأراضي المحتلة في العام 1948، من دون أن يتلقى أي مقابل مادي من أي شخص أو جهة معينة. وهو يقوم بهذا الدور بشكل تطوّعي لأبناء قريته، وحين يدخل أي حي أو قرية، ويحاول أهلها أن يدفعوا له المال فيرفض ولا يدخلها ثانيةَ. ويرتدي ميشيل ملابسه التراثية الخاصة التي تعطي انطباعاً جمالياً جذاباً، ويخرج من منزله مع بداية الساعة الواحدة ويبقى حتى الرابعة والنصف فجراً، حيث يتنقل بين أزقة عكا القديمة وحاراتها بنداءات مختلفة الألوان والمقامات، ويرفقها بدقات الطبلة. ومن بين النداءات والشعارات الشعبية الفلسطينية والسورية والعراقية، التي ينادي بها ميشيل “اصحى يا نايم وحّد الدايم، رمضان كريم بكرا نويت إن حييت شهر الصيام وبالفضل القيام، اصحى يا نايم اصحى يا غفلان، قوم واصحى وسبّح الرحمن”. أما في سورية، التي تشهد منذ سنتين حربا قاسية نالت من مدنها وقراها، فقد عاد المسحراتي هذه السنة بشكل خفر إلى بعض شوارع العاصمة دمشق. وكانت كثير من مظاهر رمضان قد غابت عن سورية مع المسحراتي مثل الزينات والأنوار وأنواع الحلويات والمأكولات الشعبية الخاصة بالشهر الفضيل. أما هذه السنة فرن المسحراتي يجوب مع طبلته شوارع وسط العاصمة والأحياء الراقية داعيا الناس إلى القيام. وفي تركيا، فقد أقامت بلدية “بيليك دوزو” التابعة لمدينة إسطنبول مسابقة فنية لاختيار المسحراتي، وذلك قبيل أيام من حلول شهر رمضان المبارك. وشارك في هذه المسابقة نحو 23 مسحراتيًّا، وحاول كلٌّ منهم أن يظهر فنونه في قرع الطبول واختيار الألغاز المسجوعة من أجل تحفيز النيام على الاستيقاظ في وقت السحور، وقد انتهت المسابقة باختيار أحد الطبّالين بسبب براعته الشديدة في قرع الطبل وفصاحته في إلقاء الدعوات والأمثال والألغاز التي تشجع الناس على الاستيقاظ، ثم تم تعيينه مسحراتيًّا للحي. رمنح رئيس البلدية “يوسف أوزون” المسحراتي الفائز هدية مالية، كما قدم للمشاركين الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ بالنجاح هدايا تشجيعية. من جهته يقدم الفنان المصري علي الحجار البرنامج التليفزيوني “مسحراتي ولاد البلد” الذي كتب أشعاره صفوت زينهم والتي يصور من خلاله الحالة المصرية الأصيلة لطقوس وروح رمضان. البرنامج من ألحان صلاح الشرنوبي وتتناول حلقاته كل المهن والحرف الشعبية التي يقوم بها ولاد البلد مثل: صناعة الفوانيس والكنفاني والطرشجي والقهوجي وبياع الفول.. وغيرهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©