الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن الأفعال وانعكاساتها

عن الأفعال وانعكاساتها
24 يوليو 2013 21:57
لأول مرة في تاريخ المسرح الأردني يتدخل الجمهور لتغيير عنوان مسرحية بعد عرضها عقب حوار مع مؤلفها ومخرجها كاشف سميح والممثلين ليكون مطابقا للواقع ويستجيب المخرج لطلباتهم على الفور. هذا ما حصل عندما عرضت مسرحية “الإمبريالية” لفرقة أحفاد المسرح الأردنية على مسرح مجمع النقابات المهنية وسط العاصمة الأردنية عمّان باعتباره غير مشوق أو جاذب ومفهوم لا تحبذه الجماهير ليصبح بناء على رغبة الجمهور “نقطة على حرف”. توفيق عابد العمل المسرحي الذي يمتد على 40 دقيقة، هو كوميديا ساخرة كرد فعل عكسي لما يحدث في منطقتنا العربية ومعادل جماهيري “شد وتوتر” بهدف دفع المشاهد لتغيير الوضع أو على الأصح المشاركة في التغيير وعدم الاكتفاء بالتفرج على ما يجري. وتحكي المسرحية قصة كاتب يتحدث في مقال صحفي بصراحة وجرأة وموضوعية عن مفهوم ومخطط الامبريالية، أي أنه “يضع النقاط على الحروف” ويعتبر أن إسرائيل المتغطية أو الملتحفة بعدة أغطية والمحتمية سياسيا وعسكريا بالولايات المتحدة والدول الغربية مصدر الشرور ومسؤولة عن تخلفنا الاقتصادي والسياسي وحتى العلمي وهي وفق تطورات المشهد المسرحي تتحمّل فقدان أحلامنا وشعورنا بالأمن والاستقرار والرفاهية الاجتماعية. ووفق المسرحية يتعرض الكاتب لسلسلة من الاستجوابات والتحقيقات والمضايقات من الجهات الأمنية في دولة عربية ما من ناحية، والإغراءات كالشقة والسيارة الفارهة والنساء الجميلات من ناحية أخرى لكنه يرفض التنازل ويبقى محافظا على موقفه متحملا صنوفا من التعذيب النفسي والبدني لإيمانه بالقضية التي يدافع عنها وضرورة تنوير الجمهور بخطورتها لدفعه للتحرك قبل استفحالها. حرية الصحافة هذا المشهد بالذات يجسده الفنان علاء عسيلة باقتدار من خلال دفاعه عن حرية الصحافة وحقها في تقديم الحقيقة للناس بعيدا عن الضغوطات والتدخلات من أية جهة ككاتب ملتزم بقضايا وطنه وأمته مهما كان الثمن الذي يدفعه مقابل ذلك، كما أنه يوجه رسالة غير مباشرة للأقلام المأجورة التي تجير موقفها لمن يدفع أكثر وهذا بطبيعة الحال ملموس ومحسوس في صحافتنا العربية. كما يجسد مقولة أن الكلمة الصادقة تسبق البندقية والتحرير، فالمفكرون والكتاب حسب المخرج كاشف سميح بداية شرارة الإصلاح والتغيير وهم بوصلة الشعوب عندما يتحسس الناس خطاهم أو طريقهم لاكتشاف الحقيقة والسير على هدي منها مهما كانت التضحيات والصعاب. ومن المواقف الكوميدية أن المحقق ومستشاره، وهو بالمناسبة سجين سابق، يرددان أثناء فترة استجواب الكاتب بشكل متواصل اسم الفنانة الاستعراضية الأمريكية “شاكيرا” لدرجة أن الكاتب علق “المحقق شاكيرا.. المستشار شاكيرا.. يبدو أنني في حكومة شاكيرا”. حكاية العصافير حكاية المستشار تعيد لأذهاننا قصة ما يطلق عليهم الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية اسم “العصافير” وهم جواسيس داخل السجون أو خارجها يستخدمون لانتزاع اعترافات من المناضلين الذين صمدوا أمام جلاديهم ولم يعترفوا بالتهم المنسوبة لهم، حيث يقومون بعرض بطولاتهم الكاذبة ضد الاحتلال بطريقة مثيرة توقع أحيانا بالمناضلين الذين لم يحذروا من هذا الأسلوب. وفي الحقيقة فإن هناك مناضلين كثر سقطوا بهذه الطريقة ونالوا سنوات سجن مرتفعة. ووفق تطور المشاهد الكوميدية يطلب المحقق من الكاتب أن يترك السياسة ويكتب في الرياضة كما يريد ويرغب، لتعلو على خشبة المسرح وبصوت الفنان محمود أبو العرايس وهو يقلد معلق “الجزيرة الرياضية” عصام الشوالي والفنان اللبناني راغب علامة في برنامج “أراب أيدول”. أما الفنان معتز العسال الذي تقمص دور المحقق فقد اجتهد وأجاد دوره وتجاوز التمثيل إلى الدور الحقيقي، ولقي من الجمهور كثيرا من التصفيق “كأنه رجل أمن متمرس وحقيقي”، في حين أجاد الفنان أسامه الغبابشة دور الأخرس وسيطر على المسرح لعشر دقائق من الكوميديا المتواصلة التي أمتعت الجمهور وأنسته مؤقتا صورة الدماء والدموع التي تبثها فضائياتنا العربية على مدار الساعة. والملفت للانتباه في العرض المسرحي أن المحقق يفتقد للثقافة والتعليم، والشاهد كفيف، وآخر من شباب اليوم الذين أصبح لهم صوت مسموع في الميادين العربية ويريدون ضبط مفكرين ومبدعين على إيقاعهم الذي يبثونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. تبادل المواقع كما يطرح العرض المسرحي قضية غاية في الأهمية تتمحور حول تبادل الأدوار والمواقع: ماذا يكون عليه حال الكاتب عندما يتغير الحال ويصبح محققا؟ وهل يطبق نفس الطرق والأساليب القمعية لانتزاع الاعترافات وزجر الأقلام وحرية التعبير؟ في أشارة واضحة لما يجري في عواصمنا العربية. هذا المشهد بالذات يتقاطع مع ما أوحت به مسرحية فرقة رؤى “حلم ليلة ربيع عربي” بطولة زهير النوباني ونادرة عمران التي قدمت على مسرح هاني صنوبر بعمّان مؤخرا، من أن ما ستؤول إليه الأمور في عواصمنا العربية سياسيا على وجه الخصوص هو مجرد تغيير أشخاص وليس تغيير سياسات تتبنى العدالة والحرية والديمقراطية التي يطالب بها منتفضو الميادين. أما السينوغرافيا فجاءت بسيطة جدا لضعف إمكانيات فرقة أحفاد المسرح المالية، فهي عبارة عن كرسي يمكن تحوله لكرسيين، ومكان للتعذيب، وسجن، ومشنقة أيضا لأن الجمهور وفق ما يراه المخرج كاشف سميح يحب الكتلة المتحركة وليس الديكور الثابت. وحول الصعوبات التي واجهت عرض المسرحية أوضح سميح لـ”الاتحاد الثقافي” انه تم الاتفاق مع لجنة مقاومة التطبيع مع إسرائيل في مجمع النقابات المهنية لتوفير المسرح وتقديم دعم مالي رمزي، لكن أعضاء في اللجنة أخذوا في الانسحاب المفاجئ رغم تعديل النص حسب طلبهم ووضع اسم اللجنة كداعم ولم يدفعوا التزاماتهم، واضطررنا رغم ظروفنا المالية الصعبة لدفع أجرة المسرح 150 دينارا أي ما يعادل 700 درهم إماراتي. وقال: إن الفرقة أجرت بروفاتها بحارة شرق عمّان أمام مجمع تجاري في منتصف الليل حيث تغلق المحال التجارية بعد تعذر الحصول على مكان لإجراء البروفات. ومن الجدير ذكره أن فرقة أحفاد المسرح تأسست عام 1999 وقدمت 22 عملا مسرحيا أبرزها “عنات الجنة” و”سيناريو ابليس” و”ديمقراطية النووية” و”هلوسات” و”هرمنا” و”زفاف الموتى”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©