الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العفوية والغرابة وبينهما الدهشة

العفوية والغرابة وبينهما الدهشة
27 يوليو 2011 19:28
بدءا من الثالث من يونيو الماضي وحتى مطلع هذا الشهر، أقامت إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة الدورة الثانية لفعالية “صيف الفنون” التي اشتملت على 227 نشاطا وحدثا فنيا ثقافيا مختلفا في إمارة الشارقة بمدنها الرئيسية جميعا تضمنت معارض ودورات فنية وعروض أفلام وورش عمل ذات طابع متخصص ومتقدم ودورات تصوير ومحاضرات توزعت على مراكز الفنون الفنون التي تتبع الإدارة مباشرة فضلا عن العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية التي استضافت البعض من هذه الأنشطة. في ما يخص المعارض التي شهدها “صيف الفنون” لهذا العام فقد توزعت على التصوير والتشكيل، غير أن معرضي “أزرق X أزرق” و”مبدعون ـ فوتوغرافيون” أكثر إثارة للفضول من بين المعارض الأخرى بسبب ما يمكن أن يجريه المتابع من مقارنة تجمع كليهما في أفق واحد من التلقي، فهما عدا عن كونهما ينتميان لحقل التصوير الضوئي ذاته فإنهما يفترقان في أمرين: فالأول من تنفيذ منتسبي دورات التصوير الضوئي في “أطراف” مدينة الشارقة بالمعنى الثقافي للكلمة، أي أنه من صنيع الهواة غير المحترفين على العكس من الأخير، والثاني يتمثل في المقدرة على إثارة الإدهاش كل بطريقته.. ما يلي قراءة في المعرضين: هل يمكن لعمل فني من صنيع فنان هاوٍ أنْ يكون أكثر مقدرة على إثارة الإدهاش أكثر من عمل لفنان محترف، متفرغ لإبداعه الفني، أو فنان متمرس متمكِّن من أدواته الفنية؟ بمعنى هل يكون العمل الفني الأول كما هو حال الديوان الشعري الأول أو الكتاب القصصي الأول لجهة أنه قادر على إدهاشنا رغم معرفتنا بالعيوب والنواقص الفنية والإبداعية التي تعتري هذا العمل؟ تقول التجربة الجمالية، بوصفها ممارسة يتشكل من خلالها لدى المرء خبرة يمكن صياغتها في جملة أفكار ومشاعر وحدوس، أن هذا الأمر من الصعب حدوثه نظريا على الأقل، لكنّ من الممكن حدوثه أو تحققه نسبيا على هذا النحو أو ذاك، كما أن الأمر يبقى مرهونا إلى حد بعيد بقراءتنا وتأويلنا لهذا العمل الأول. وربما تكون الطزاجة النقية أحيانا أو المختلطة بفجاجة من نوع ما هي التي تثير إدهاشنا، وربما هو اللا متوقع من أن يتوفّر صنيع بهذا المستوى من التلقائية وفي الوقت نفسه بهذا القَدْر من الصنعة إنما التي لم تشُبْها بعد شائبة من أي رؤية إبداعية متكوّنة وراسخة أو أي جهد نظري يقف الخلفية اللا مرئية لهذا العمل أو حضور لأي “لزوم ما لا يلزم” من خارج الإبداع ذاته الذي يذيب تلك الطزاجة عندما يغادر المبدع عمله الأول بالمطلق. ويقينا، ما كان لهذه الأسطر أنْ تُكتب كما هي عليه لولا العديد من الأعمال الفوتوغرافية التي ضمّها معرض “أزرق X أزرق” الذي يقام حاليا في صالة غرفة تجارة وصناعة كلباء في إطار “صيف الفنون” الذي اشتمل على سبعة وثلاثين عملا فوتوغرافيا أنجزها منتسبو دورات التصوير الفوتوغرافي التي أقامها مركز الفنون بكلباء خلال النصف الثاني من العام الماضي والنصف الأول من هذا العام. فإذا كان الهدف من إقامة هذا المعرض هو تشجيع وتحفيز هؤلاء المنتسبين على الاستمرار في إبداعهم فإن النتائج التي قدمها المنتسبون تجاوزت ذلك إلى إثارة إعجاب الجمهور بالفعل بمقدرة الأعمال على انتزاع إعجاب الجمهور، رغم أنه جمهور اعتاد من الصورة الفوتوغرافية أنْ تقوم بدور نفعي وظيفي مباشر وليس بدور فني جاذب للعين من النوع الذي يجعل المرء يطيل النظر. المحيط والبيئة وبصفة عامة، فإن المعرض قد أخذ فكرته الأساسية من المحيط والبيئة التي يعهدها المنتسب غالبا، فلا يجنح من البداية نحو أن ينتمي عمله الفني إلى أي من المدارس أو الاتجاهات السائدة في التصوير الفوتوغرافي الحديث، ربما لأن الأمر الذي يرتبط مباشرة بالهدف الأساسي من الدورة هو أنْ يكتسب “مشروع الفنان المقبل” التقنيات الأساسية في التعامل مع الكاميرا والمشهد وحساسية الضوء وشدته واختيار زاوية النظر الأكثر فنية للمشهد عموما أو أيٍ من تفاصيله. أيضا فإن العنوان الذي حمله المعرض: “أزرق X أزرق”، يمثل جامعا مشتركا بين أغلب الأعمال المعروضة، فهي إما للمشهد البحري أو للمشهد الجبلي أو لكليهما معا، فيحضر في العمال أزرق البحر المائل قليلا إلى الفيروزي أو حتى الداكن، كما في الأجواء الشتوية، أو أزرق الصافي او المائل إلى البياض قليلا، أو الأزرقين معا ليكون الأزرق بتدرجاته المختلفة ليس جمعا لونيا بين الأعمال ككل بل أيضا هو الذي يمثل نقطة التوازن اللوني في العمل الواحد كبنية لونية. تركز أعمال المعرض في مجملها على تفاصيل الحياة اليومية غالبا أكثر من تركيزها على المشاهد الطبيعية الجامعة والبعيدة، في سياق من التنوع الذي يُبرز هذه التفاصيل ما بين الذهاب نحو مفردات الحياة التراثية الإماراتية التقليدية والأخرى الحياة العصرية، وذلك في حين أن اللون الأزرق هو الغالب على ما عداه من الألوان في هذه الأعمال التي جرى التقاط أغلبها خلال النهار أو أنها قد عولجت تقنيا بحيث بدا الأزرق طاغيا في العمل، ومن هنا جاءت تسمية المعرض “أزرق x أزرق” وذلك فضلا عن أن الأزرق بتدرجاته الطبيعية المختلفة يملأ المكان سواء في البحر أو السماء أو انعكاسهما على يوم الناس في المنطقة الشرقية حتى لكأنه جانب من الجوانب التي تطبع مزاج الناس هنا بالكثير من الهدوء وربما الاسترخاء أيضا. في هذا السياق، يشتمل المعرض على الكثير من الأعمال التي تصور مفردات معمارية تبدو لافتة لعين الناظر إلى أعمال المعرض أكثر من سواها، ففي إحداها وتحمل توقيع سعيد عطية هناك طابع رومانسي شتائي في عمله الذي يُبرز جانبا من نمط معماري تقليدي حيث تشتمل الصورة على جانب من أكثر من مبنى يفصل بينها الزقاق المرصوف بالحجارة وقد تعتقت حجارته في الوقت الذي تعكس فيه السماء على الأرض شدة التماعها الأزرق وقد اغتسلت للتو بماء المطر فبدا اللون الترابي لجدران الأبنية التي من الطين والجص أكثر قربا إلى اللون الذهبي في التماعته وشدة الإضاءة التي تتوهج منه. الأمر الذي يقترب بالعمل كثيرا من نَفْس الناظر إليه ويجعله أكثر انسجاما مع جمالياته الطبيعية بل الفطرية إذا جاز التوصيف خصوصا أن العمل يخلو من أية معالجة تقنية. في عمل آخر أيضا يلتقط سليم عطية السيد صورة لسبّاح أثناء سباق تبدو فيها الكتل البشرية هلامية بعض الشيء، غير أن مهارة التصوير في هذه الالتقاطة تتجلى في نزعة المصور إلى التقاط حركة الماء التي تتحرك بسبب أجساد المتسابقين على نحو يجعلها مضطربة غير أن المصور ينجح في تثبيت هذه الحركة المضطربة في لقطة ثابتة وبميل واضح إلى عزل الماء بوصفه مفردة جمالية عن ما عداه من المفردات المحيطة به، وهذه الدقة او المهارة في الوصول إلى هذا الثبات في اللقطة هو الذي يمنح الصورة جماليتها الخاصة. وتبدو سعة المشهد البحري حيث عين الكاميرا تأخذ المشهد من داخل الماء فيجتمع البحر والسهل بالجبال الجرداء في الأعلى وقد اشتبكت قممها بأزرق السماء أكثر إغواء للمصورين هذا بالإضافة إلى أن خطوط الماء الممتدة طوليا إذ تتقاطع مع خطوط العمارة الممتدة عموديا ينكسر إيقاعها بترددات مختلفة لخطوط الأفق التي تصنعها الجبال فتجعل من المشهد لوحة “موسيقية” متعددة الإيقاع على الرغم من أنها ثابتة. أيضا اختار العديد من المصورين أن يكون الناس في يومهم العادي أبطالا للصورة، ففي لوحة محمد ربيعة، مثلا لا حصرا، نلحظ ذلك الأثر الذي تتركه الكاميرا وفكرتها على تعبيرات وجوه الناس وردود أفعالهم التلقائية، وخاصة العيون والأيدي، ففي حين تعبّر العيون عن ما في دواخل البشر من مشاعر إنسانية تتأرجح بين الألم والحزن فإن الأيدي تجعل من وضع الجسد تعبيرية جمالية بدأت ردّ فعل تنزع بالجسد إلى الهروب من أمام الكاميرا لتصبح وضعا جماليا فيه من التلقائية ما يثير إدهاش الناظر إلى هذا العمل. وخلاصة القول أن معرض “أزرق x أزرق” يمثل فرصة أمام مصورين مبشرين وواعدين لتطوير مواهبهم أكثر والاشتغال لا على التقنيات الحديثة المتاحة في عالم التصوير بل الاحتكاك بأساليب التصوير واتجاهاته الفنية والفكرية التي تنعكس مباشرة على طريقة أدائهم في التصوير مثلما تنعكس على مواقفهم من مجتمعاتهم ومحيطهم والبيئة التي يحيون فيه. معايير التصوير إنما على العكس من ذلك، تقريبا، فإن معرض “مبدعون ـ الفوتوغرافي” الذي أقامته إدارة الفنون بالتعاون مع جمعية الإمارات للتصوير الضوئي لأعضائها من الهواة والمحترفين، إذ تجاوز العديد من المصورين مفهوم “الهاوي” الذي يجرّب أكثر مما ينبغي بهدف التقاط صورة تتجاوز أمر الالتزام بمجموعة من المعايير الفنية إلى إنتاج صورة فوتوغرافية ذات شروط فنية معينة، إلى العمل في سياق من التجريب على النتائج التي يخلص إليها هذا الفنان من اللقطة الواحدة وتحديدا في ما يتصل بشدة الإضاءة ومعالجتها تقنيا بواسطة برامج حاسوبية متخصصة تتيح التأثير على المتلقي للعمل بالمعنى العاطفي للكلمة، وفي الوقت نفسه تجعل تلك المعالجة من العمل الفني أقرب انتماء إلى أحد التيارات الشائعة في فن التصوير الضوئي راهنا. إن الفنان في أغلب نتاجات المعرض هنا قد تخلّص من العفوية إلى حدّ كبير فيشعر المرء بإزاء العمل أنه مصنوع تماما وبقَدْر واضح من التقصد بأن يظهر على نحو ما يريد الفنان للمتلقي أن يراه؛ أي أن الفنان هنا يستنفد من متلقي عمله التفويض كاملا الذي منحه إياه بإنتاج عمل فني يحمل توقيعه هو كفنان إلى جوار احتفاظ المتلقي بحقه في قبول العمل بوصفه فنا أم لا إنما دون أن يقدم تنازلا أكثر جسارة تجاه أن صاحب هذا الصنيع ليس بفنان أصلا بل صانع صور محترف فحسب. في عمل طارق أحمد الحمراني كما في أعمال أخرى لعبد الله حمود الحربي وسعيد محمد الريامي وسواهما، فقد عولجت هذه الأعمال تقنيا لتشيع من حولها تأثيرا بالإحساس بالغرابة والجمال، او بمعنى آخر إحساسا ما بجمالية ما هو غريب على الخبرة الفردية لدى المتلقي الذي يشعر بان هذا العمل ينتمي إلى مخيلة اخرى تقنية بالمعنى المجرد والحسي معا كما لو أنها مقتطعة من أفلام الخيال العلمي أو تلك التي جرى تنفيذها بتقنيات حاسوبية عالية. في حين ذهبت بعض الأعمال إلى تصوير أجواء تراثية، وخاصة لدى المصوّرات الفوتوغرافيات من المشاركات في المعرض، غنما تمت صناعتها على نحو يذكّر بالطريقة ذاتها التي يتم من خلالها تصوير الأزياء، ميثاء بنت خالد مثلا لا حصرا، بحيث بدت هذه العمال وقد انطوت على جمالية لا تخلو من الاستعراض ولم تكن نتاج حركة عفوية أو التقاطة مثيرة للاهتمام كما هي الجمالية العالية التي يتوفر عليها عمل حورية محمد الزرعوني التي لا تخلو من أداء لشخصيات متواجدة في الصورة يشبه ما يقوم به الممثلون في كادر سينمائي أو على خشبة المسرح بحيث تأرجحت هذه الصورة ما بين العفوية المطلقة في طبيعة الموقف الذي تتضمنه والصنعة أو التركيب في المشهد ككل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©