الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... اختبار لصلاحيات أوباما الرئاسية

الأزمة السورية... اختبار لصلاحيات أوباما الرئاسية
24 يوليو 2013 22:41
توم بيتر أستاذ كرسي في معهد كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد صمت رهيب ذلك الذي تتميز به سياسة أوباما المشوّشة إزاء الحرب الأهلية في سوريا. فبعد نحو شهر من إعلانه على لسان الناطق الرسمي للبيت الأبيض من أنه غيّر سياسته وقرر إرسال معونات عسكرية لقوات المعارضة المسلحة التي تواجه نظام الأسد، أكدت مصادر المعارضة بأنها لم تتلقَّ حتى الآن (طلقة واحدة). وبدأت التساؤلات تتراكم يوماً بعد يوم عن سرّ هذا الموقف وخلفياته المُضمَرة. وبدأ حلفاء أميركا يتساءلون عما يجري بالفعل، ولم تكن هناك إجابات شافية. فهل تقوم الولايات المتحدة بإرسال المساعدات للمعارضة المسلحة أم لا؟. وإذا أصاب الثوّار- الذين انقسموا إلى عدة أجنحة متنافسة- ضعف كبير مثلما هي حالهم الآن، فهل سيلجأ أوباما إلى إقحام القوات الأميركية في الصراع، أم أنه سيقبل صاغراً بانتصار الأسد؟ وهل تواجه الولايات المتحدة الآن حرباً أخرى في الشرق الأوسط، أم أنها تشهد حالة أخرى من حالات التقهقر والتراجع الاستراتيجي إلى الوراء؟ في السياسة.. كثيراً ما يمثل الغموض أو الصمت رصيداً قوياً. وإن لمن الواضح أن أوباما يريد أن يلعب ورقته السوريّة استناداً إلى خلطة تتألف من البراعة والحذر. ولكن، وبعد أشهر من التردد الدبلوماسي والتلوّن السياسي غير المفهوم، أزفت الساعة بالنسبة للرئيس للقيام بإنجاز ما في سوريا. وربما يؤيده في ذلك الكونجرس. وبات من حق الشعب الأميركي ومعه حلفاؤنا أن يعرف ما الذي يجري. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتاد العالم أن يرى الرؤساء الأميركيين من كلا الحزبين، والمتدرّعين بقوى عسكرية لا نظير لها ولا يعرف أحد مداها، وهم يقودون الولايات المتحدة إلى حرب تلو الأخرى. ولكن لم يحدث منذ شهر ديسمبر 1941 أن طلب الرئيس موافقة الكونجرس على إعلان الحرب مثلما ينصّ على ذلك الدستور. فلقد أصبح إعلان الحرب يمثل مشهداً من ذكريات عهود ما قبل ظهور القوى النووية والحرب الباردة وبروز ظاهرة الإرهاب. ومنذ ذلك الوقت، لم يحدث إلا مرة واحدة في عام 1973 أن أصدر الكونجرس تشريعاً للحدّ من صلاحيات الرئيس في استخدام القوات العسكرية في الحروب. وهو (قانون القوات المحاربة) الذي تم عرضه على الكونجرس في محاولة لإنهاء الحرب المريرة في فيتنام التي بدا في ذلك الوقت وكأنها بلا نهاية. ولعل من المفارقات الغريبة أن لا يتم إقرار هذا القانون إلا بعد انتهاء الحرب. وما لبث أن أثبت قانون الحرب عجزه عن منع أي رئيس مقبل من اتخاذ القرار الشخصي بخوض حروب جديدة. ولعل مما يستثير الحزن أن دور الكونجرس في صياغة وتنفيذ السياسة الأميركية الخارجية بات أضعف بكثير من ذي قبل، فيما تعزّزت قدرة الرئيس على اتخاذ القرار بخوض الحروب بشكل أكبر. وبات الرئيس يجلس على كرسي القيادة متشبّهاً بأباطرة أوروبا الأقدمين ليوجّه أوامره لجيشه بالعمل متحملاً بذلك المسؤولية الكاملة لتنفيذ الأجندة الخارجية للأمة الأميركية. إلا أن الأمور لم تكن تسير دائماً على هذا المنوال، بل كان الكونجرس في الكثير من الأحيان حريصاً على لعب الدور المنوط به فيما يتعلق بقرار خوض الحروب بكل التزام. ففي عام 1966 نظمت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مؤتمراً صحفياً استثنائياً حول الحرب في فيتنام. وأصبح كبار المسؤولين والمواطنين والصحفيين يتشاركون جميعاً بكافة المعلومات المتعلقة بتلك الحرب المرهقة. وكان المؤتمر قد نظم تحت رئاسة السيناتور وليام فولبرايت الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وساعد الأمة الأميركية على معرفة الأخبار السارة والمحزنة حول ما يحدث في فيتنام والاستراتيجيات الصحيحة والخاطئة التي اتبعت هناك. وهناك مثال آخر عن حرص الكونجرس على الاضطلاع بدوره الحساس في صنع القرار العسكري. ففي شهر يناير من عام 1991، طلب بوش (الأب) من الكونجرس الموافقة على إرسال جنود المارينز إلى الكويت. وتمت الموافقة، ولكن بعد جدل عنيف وبأغلبية خمسة أصوات فقط من أعضاء مجلس الشيوخ. وكان معارضو القرار قد عبروا عن رفضه بشكل قاطع، إلا أن الرئيس تمكن من انتزاع أحد أشكال الشرعية من الكونجرس لتنفيذ قراره بإرسال 500 ألف جندي إلى منطقة الشرق الأوسط. ومن دون حصول بوش على هذه الموافقة، فلقد كان يتحتم عليه أن يتحمل مسؤولية قراره هذا بصفته الشخصية. ولم تعد مثل هذه المخاوف قائمة اليوم. وليس هناك من يفكّر أبداً بتدبير المكائد السياسية لأوباما أو يسعى لاتهامه بالتقصير. وهو يتمتع الآن بقوّة استثنائية لاتخاذ القرار الشخصي في خوض الحروب. ولقد نشأت هذه القوة ونَمَت بطريقة تراكمية في صلب آليات العمل الرئاسي عبر إدارات متعاقبة حكمت البيت الأبيض. ومن أجل هذا السبب وغيره، لن نشعر بالصدمة إذا رأينا أوباما يطلّ علينا مساء اليوم عبر شاشة التلفزيون ليعلن عن قراره بقصف دمشق وفرض منطقة حظر جوي قريباً من حدود الأردن وتركيا وإرسال عدد محدود من جنود المارينز من أجل تغيير مجرى المعارك الواقعة على الأرض ومساعدة المعارضة المسلحة على إلحاق الهزيمة ببشار الأسد. ولا شك أن بعض أعضاء الكونجرس سيتذمرون أو يتأففون لهذا القرار، كما أن من المؤكد أن يعارض بعضهم الآخر سياسات أوباما في هذا الشأن، ولكن ما من أحد منهم يمكنه أن يدعي أنه لا يمتلك سلطة اتخاذ القرار بإرسال الجنود الأميركيين لخوض حرب جديدة. وقد تتداعى إلى أذهاننا بعد هذا العرض عدة أسئلة محورية: أليس من الأفضل لو أن الرئيس ظهر على شاشة التلفزيون ليعلن عن إطلاق حوار وطني شامل حول دور الولايات المتحدة في المأساة التي تعيشها دول الشرق الأوسط، والتي انتقلت عدواها من سوريا حتى بلغت مصر وإيران؟، أليس من الرائع لو أننا رأينا نسخة ثانية عن وليام فولبرايت حتى يقود «الكابيتول هول» للعب دوره الفاعل في صياغة السياسة الخارجية؟ لا يمكننا أن نزعم بعد الآن أن الشعب الأميركي يحظى بقيادة حكيمة ما لم تتضافر الجهود المشتركة للسلطتين التنفيذية والتشريعية في التصدي للقضايا المتعلقة بالأمن الوطني. ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©