الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضفة الغربية.. ومعركة خدمات «المحمول»

30 يناير 2018 00:12
تتأهب بقية دول العالم لخدمات الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات بالهواتف المتحركة، في حين حصلت الضفة الغربية أخيراً فقط على خدمات الجيل الثالث! وبداية من الأسبوع الجاري، يمكن للفلسطينيين في الضفة الغربية شراء خدمات الجيل الثالث من الهواتف المتحركة من خلال إحدى الشركتين اللتين تقدمان الخدمة محلياً. وفي وقت تتوافر فيه تكنولوجيا الجيل الرابع من الهواتف المتحركة حتى في أقاصي بقاع العالم، من قمة جبل إيفرست إلى جزر بحر الصين الجنوبي، أجبرت القيود الإسرائيلية، حتى الأسبوع الجاري، الفلسطينيين على قبول تكنولوجيا الجيل الثاني التي عفا عليها الزمن. وهو ما ينعكس سلباً على اقتصادهم بطبيعة الحال. وقد عانت شركات ناشئة محلية، مثل «ركاب»، وهي عبارة عن تطبيق إلكتروني لحجز سيارات الأجرة في رام الله، بسبب شبكة الجيل الثاني في فلسطين؛ لأنها ليست سريعة بما يكفي لتشغيل خدمات نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس». ومن دون بيانات فورية، لا يمكن لمزودي خدمات الرعاية الصحية والبلدية في فلسطين تدارك احتياجات العملاء، وهو ما يترك المرضى من دون حماية، والأسر من دون مياه وغاز. وعلى رغم التحديث الذي بدأ خلال الأسبوع الجاري، لا يزال العمل في قطاع غزة متوافراً بخدمات الجيل الثاني فقط. وفي ظل الافتقار إلى تكنولوجيا ملائمة في الداخل، لجأ فلسطينيون إلى شركات الخدمة الإسرائيلية، التي يصل إرسالها إلى فلسطين بصورة متقطّعة من خلال الأبراج التي يتم إنشاؤها داخل المستوطنات غير القانونية التي تبنيها إسرائيل في الضفة الغربية. وقد سلبت شركات الخدمات الإسرائيلية زهاء 30 في المئة من قاعدة العملاء الفلسطينية. وكان لذلك الاستحواذ على السوق تأثير مدمر على قطاع الاتصالات، بقيمة تتجاوز مليار دولار، وهو ما جرّد السلطة الفلسطينية من إيرادات ضريبية وعائدات ذات أهمية محورية. وكفاح فلسطين المرتبط بخدمات الهواتف المتحركة لم يكن بسبب نقص الجهود أو الاستثمارات، فعلى مدار العقد الماضي، استثمرت مؤسسات محلية مثل صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي أترأسه، إضافة إلى مستثمرين إقليميين، بشكل كبير فيما نعتقد أنه قطاع مهم بإمكانات نمو ضخمة. (وصندوق الاستثمار الفلسطيني مساهم بحصة أقلية في شركتي «الوطنية موبايل» و«جوال»، المزودتين المحليتين لخدمات الهاتف المتحرك، اللتين أطلقتا خدمات الجيل الثالث خلال الأسبوع الجاري). وقد كانت لدينا البنية التحتية اللازمة لإطلاق خدمات الجيل الثالث في أنحاء فلسطين منذ عام 2015، ولكنّ ما كنا نفتقد إليه هو موافقة إسرائيل. ومن خلال احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، تتحكم إسرائيل في ترددات الراديو في الجو والأبراج الخلوية على الأرض، والبنية التحتية للاتصالات تحت الأرض. ولا يمكن توزيع الترددات الخلوية واستيراد الأجهزة المكلفة إلا بموافقة من الحكومة الإسرائيلية. وفي ظل جمود عملية السلام، واستفادة شركات تزويد الخدمات الإسرائيلية بشكل كبير من السوق الفلسطينية، فقد ثبت أنه من الصعب على إسرائيل أن تجد حافزاً للسماح لمزودي الخدمة في فلسطين بالاستفادة من خدمات الجيل الثالث المربحة. وفي نهاية المطاف، تطلب الأمر قدراً كبيراً من التدخل الأميركي ومن المكتب الدولي للجنة الرباعية، التي تأسست في عام 2002 للمساعدة في تعزيز التنمية الاقتصادية الفلسطينية، لضمان وصول خدمات الجيل الثالث إلى فلسطين. وإطلاق الخدمة خلال الأسبوع الجاري خطوة مرحب بها على طريق تحرير قطاع خدمات الهاتف المتحرك في فلسطين، ولكنها أيضاً تكشف في الوقت ذاته مشكلة أعمق، وهي أن إسرائيل تُقيّد تطوير القطاعات المحورية في فلسطين، ثم تستفيد من السوق الفلسطينية، التي لا تجد خياراً آخر سوى شراء خدمات ومنتجات إسرائيلية مكلفة. وفي قطاع الطاقة، على سبيل المثال، تحرِم القيود على دخول «المنطقة ج»، التي تشكل 60 في المئة من الضفة الغربية وتقع تحت احتلال الجيش الإسرائيلي بشكل كامل، الفلسطينيين من مناطق كبيرة ملائمة لتوليد الطاقة الشمسية. وفي الحقيقة، تظهر التقديرات أنه إذا تم استغلال 3 في المئة فقط من «المنطقة ج» في الإنتاج على نطاق المنفعة، فمن الممكن توليد 300 ميجاواط من الطاقة. وفي هذه الأثناء، يشتري الفلسطينيون 90 في المئة من طاقتهم الكهربائية من مؤسسة الكهرباء الإسرائيلية، التي يمكنها فرض سعر احتكاري في غياب منافسة حقيقية. وعلاوة على ذلك، عرقلت القيود على «المنطقة ج» التنمية الزراعية الفلسطينية، ويكافح المزارعون الفلسطينيون في توسيع أنشطتهم، ونقل إنتاجهم إلى السوق من دون الوصول إلى وادي الأردن، وهي قطعة خصبة من الأرض تقع في داخل «المنطقة ج». وحرمت إسرائيل النشاط الزراعي الفلسطيني في 85 في المئة من وادي الأردن، بينما تُغرق المنتجات الإسرائيلية المتاجر الفلسطينية. وعلى رغم تلك التحديات، يجد الفلسطينيون سبلاً للابتكار. ففي قطاع الطاقة، تستخدم المدارس الحكومية ألواحاً شمسية على الأسطح كبديل للكهرباء المستوردة من إسرائيل. وتقنيات الزراعة الرأسية تمنح حياة جديدة لمزارعي الفراولة في قطاع غزة، الذين تضاعف إنتاجهم السنوي إلى ثلاثة أضعاف بتعويض النقص الحاد في مساحة الأرض المثمرة. وفي قطاع التكنولوجيا، يقدم شباب رواد الأعمال من غزة إلى بيت لحم ابتكارات في تكنولوجيا المعلومات تكسر الحواجز المادية للاحتلال عبر خدمات على شبكة الإنترنت. *رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، ومستشار اقتصادي للرئيس الفلسطيني يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©