الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهاية الأرب.. مع داعش «إيبولا العرب»

نهاية الأرب.. مع داعش «إيبولا العرب»
13 أغسطس 2014 01:10
تقول العرب: الناس بخير ما تعجبوا من العجب، وتقول أيضاً: من أعجب العجب ترك التعجب من العجب، وأشد المحن والبلاء في زماننا هذا أننا لم نعد نتعجب من العجب، ولم نعد ننكر المنكر حتى صار المنكر معروفاً والمعروف منكراً والدهشة والذهول والإنكار والشك والامتعاض والتقزز والشعور بالقرف هي مكونات جهاز المناعة الفكري والوجداني لدى الإنسان السوي، فإذا غابت أو ضمرت هذه الخلايا الوجدانية والفكرية انهار جهازنا المناعي، وتحولنا إلى مدافن للنفايات الفكرية والثقافية وصرنا إمّعات وتابعين لكل ناعق ولكل (داعش). وغياب الدهشة والذهول والإنكار أحسبه من علامات الساعة، حيث الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، ويبدو أنه لم يعد سوى شيء واحد يباغتنا ويبهتنا ويذهلنا وهو قيام الساعة، فهي البغتة الوحيدة المتبقية، بينما كل شيء صار عادياً ومألوفاً، لذلك لا تسمع من الناس الآن إلا كلمة (عادي) حتى غير العادي أصبح عادياً ومألوفاً. وقال أخي الطبيب يوماً وهو يشعر بالحزن: هل تعلم ما هو أسوأ شيء في مهنة الطب؟ قلت: لا، قال: أسوأ ما فيها أنها تجعلنا نتآلف مع الموت ويصبح أمراً عادياً روتينياً يتكرر كل لحظة، فنحن نرى المريض يحتضر ونتركه ونمضي إلى حالنا، نأكل ونشرب ونضحك ونتسامر، وعندما يجود بنفسه نمضي في الإجراءات وتصريح الدفن، أسوأ ما في مهنتنا أن الموت لم يعد واعظاً ولا نتوقف عنده طويلاً، هل هناك بلادة أكثر من هذه؟ قلت: لا عليك يا أخي، فقد تآلفنا جميعاً مع الموت والدمار والخراب ولم يعد ذلك مقصوراً على الأطباء، الكل يتابع اليوم مشاهد الموت والسحل والذبح والتمثيل بالجثث ولم يعد ذلك يحرك لدينا ساكناً، نتابع ونحن نأكل ونشرب ونضحك ونتسامر، البلادة وغياب الدهشة والذهول وباء عام. وعندما تقوم القيامة يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وهناك أناس من فزع يومئذ آمنون وأحسب أن الآمنين يوم الفزع الأكبر، والذين لا يحزنهم هذا الفزع، هم أولئك الذين مازالوا يندهشون ويذهلون وينكرون المنكر ويعرفون المعروف، لكن الذين غابت لديهم الدهشة والذهول هم الذين سوف يفزعون وهم الذين صارت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، تحسبهم أحياء وهم أموات، تحسبهم أيقاظاً وهم رقود، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، لا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً. والذين ضمرت لديهم خلايا الدهشة والذهول وإنكار المنكر لا يجدي معهم الوعظ ولا النصح فقد أعماهم الشيطان وأضلهم، وهؤلاء هم الضالون ويحسبون أنهم مهتدون، وهم المفسدون ويحسبون أنهم مصلحون، وكل آية في السماء والأرض يمرون عليها وهم معرضون. وما زالت أصداء استغاثة سيدنا لوط عليه السلام تتردد حتى الآن ولا تجد لها جواباً وهو يقول لقومه: أليس منكم رجل رشيد؟ وعندما لا يكون في القرية التي تعمل الخبائث رجل رشيد لا تغني النذر ولا المواعظ ولا المقالات، عندما يصبح المنكر مألوفاً وعادياً والمعروف شاذاً وغريباً لا يمكن أن تنتظر جدوى، ويصبح المتطهرون في قرية سدوم منبوذين ويستحقون الطرد والإخراج من القرية التي يأتي أهلها في ناديهم المنكر ويرتكبون الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين. تماماً كما حدث في قرية سدوم، يحدث الآن في معظم أمة العرب، يحدث في ليبيا واليمن وسوريا والعراق، رذائل ومصائب وخراب ودمار وقتل وسحل وإرهاب يظن أهله أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهم في الحقيقة يأمرون بالمنكر ويفعلونه وينهون عن المعروف ولا يفعلونه، وهم يطردون المتطهرين، بل ويقتلونهم كما فعل قوم لوط حين طالبوا بإخراج آل لوط من قريتهم لأنهم أناس يتطهرون، ونحن لا حول لنا ولا قوة ولا نجد ركناً شديداً لنأوي إليه، فقد تمارى هؤلاء بالنذر. . فلم تعد النذر تغني. تماماً كما حدث في قرية سدوم، ذهب أهل الخبائث إلى لوط عليه السلام وراودوه عن ضيفه، فلما عرض عليهم بناته قالوا إنهم ليس لهم في بناته حق وإنهم يريدون ضيفه. أرأيت كيف جعلوا المنكر معروفاً والمعروف منكراً، بنات لوط لسن من حقهم، لكن ضيفه من حقهم، هكذا يفعل الإرهابيون والمرضى النفسيون باسم الدين، هل تعلم أن داعش أو كما أسميه (إيبولا) العرب استخرج تأويلاً من القرآن الكريم لإبادة وقتل أطفال المسيحيين وغيرهم من الطوائف التي يكفرها. . كيف؟ لقد تقمص تنظيم (إيبولا العرب) دور سيدنا الخضر عليه السلام الذي قتل الغلام قبل أن يبلغ الحلم ويصبح مكلفاً حتى يدخل الغلام الجنة ولا يرهق أبويه المؤمنين طغياناً وكفراً، هكذا يفعل تنظيم (إيبولا العرب)، يقتل أطفال المسيحيين والطوائف الأخرى الكافرة لينقذهم من الكفر وليدخلوا الجنة قبل أن يشبوا كفاراً كذويهم، هذا هو المعروف الذي يفعله (إيبولا العرب) وهذا هو المنكر الذي ينهى عنه. الشذوذ الفكري والعوار الوجداني ومرض القلوب أخطر ملايين المرات من الشذوذ الجسدي والعوار في العيون ومرض الأبدان، قرية سدوم العربية التي يعيث فيها الشاذون فكرياً والمخربون وجدانياً فساداً أسوأ ملايين المرات من قرية قوم لوط (سدوم)، الشذوذ الجسدي ليس معدياً، لكن الشذوذ العقلي والقلبي والوجداني يعدي ويتحول إلى وباء ليس له مصل ولا لقاح ولا علاج، فمن يهدي من أضل الله؟ من يهدي هؤلاء الذين يضلون الناس بالعلم والدين وإذا رأوا سبيل الرشد لا يتخذونه سبيلاً؟ وإذا رأوا سبيل الغي اتخذوه سبيلاً، هؤلاء الذين يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه، ويستخدمون آيات الله أسلحة دمار شامل، ويقول كبيرهم الذي يقودهم: (إني ابتليت بهذه المسؤولية)، هذا الفيروس البغدادي يرى نفسه صاحب رسالة حمّله الله تعالى إياها، نصوص الدين التي أنزلها الله رحمة ونوراً وسماحة تحولت على أيدي (إيبولا العرب) وأمثاله من تنظيمات الشذوذ إلى سماجة وتنطع وظلام وفظاظة ودمار، هؤلاء هم الذين تحقر صلاتك إذا قارنتها بصلاتهم وتحقر عملك إذا قارنته بعملهم، لكنك لا تدري أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، هؤلاء الذين يستحقون قتلهم كقتل عاد وإرم. هذه الأمة التي صارت سدوم العصر تجوبها من أقصاها إلى أقصاها، وترى فيها الغلبة لتنظيمات الشذوذ الفكري والعوار الوجداني، ولا تجد فيها غير بيت من المسلمين، لا تجد فيها إلا قلة من المتطهرين الذين ينادي هؤلاء الذين يفعلون الخبائث بطردهم من القرية، بل إن أهل الشذوذ الفكري والوجداني يسعون إلى إبادة المتطهرين في سدوم، ويا أيها السادة: إنها حرب إبادة للمتطهرين ويظن الشاذون والمرضى النفسيون وكل ظنهم إثم بأن الإبادة قربة إلى الله وعباده، فمتى نبلغ نهاية الأرب مع داعش وأمثاله (إيبولا العرب)؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©