الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الماء.. تعويذة المكان

الماء.. تعويذة المكان
13 أغسطس 2014 20:00
خير الأسماء ماء هو في الطهر دواء وشفاء، وإسقاء وإرواء. . جاز لك أن تقول في الماء، وهو السواء في الحث والنث، وهو السؤال، المتطهر من غبن وشجن، وهو المحال المستحيل في الحيل والعلل، ومدلول ما ينبت أنه الكل في الأجزاء، أنه المحيط في الأرجاء، إنه العشق الذي صدر الجمال في وجه الكون، ولوَّن المشهد بورق وحدق، ورمق وأفق وشفق، وشبق يحيي العظام وهي رميم. الماء هذا الاحتواء الأزلي، هذا الانضواء الأبدي، هذه الأيديولوجية الكونية العارمة في السيولة الصارمة، في الالتفاف، الحاسمة في صياغة الزمن، المتكلمة بشفة أدق من حبة الرمل، أرق من صبوة الجياد، وأصدق نخوة امرأة تعرقت وجداً، واحترقت سهداً، وغرفت صبابة، من أخمص القدم حتى الذؤابة. الماء، اللذة المحتملة في الأشياء، الماء الجهبذ الفذ المترامي بين الضلوع والنبوع، والربوع، المتسرب كأنه الرعشة في الخلايا والنوايا، المتطور نسلاً من رغب في الطهر، وغربة وغربلة في التمني والتشظي، واكتواء الخاطر بما شاب وعاب. تلاوة على لسان الغيم الماء، حكاية الأرض، وأسطورة السماء، وتلاوة على لسان غيمة مفعمة، بالسيل الأسيل، وخضاب السلسبيل، سليل الجوانح المرتجفة شوقاً وتوقاً، الماء في جزره ومده، سواحل تقتفي أثر الموجة وتمتطي ظهر قوقعة، هجرت محارتها تسأل عن خل وفي دفيء، ويسألها التراب عن كلمة ملحمة جلجامش، أو جلفار أو أم النار، لا فرق، ففي المكان زمان مائي وإنمائي، فلا هو إقصائي ولا هو الغائي، ولا هو نأي أو فرار تحت جنح الليل من حقيقة لصيقة بالأول والآخر، بالماضي والحاضر، بكل الأواصر والخواطر، ولأنه الماء، فإنه يحضر في الذاكرة، كما هو في خاصرة الفكرة، معشوشباً بزهوه وفحواه، منسكباً على خصلات منعمات بالسواد، منمنمات بالسبسبة، ملونات بأحلام الوسائد الناهضة، مشكلات بأنفاس ونفائس، محتفيات بصور ترقص في المزاج الليلي، كأنها اللألأة، محتفلات بناموس الخيالات الذاهبة، في سحيق الروح، وعميق الفضاءات البعيدة. الماء، يحلم برائحة عطر أنثوي، يغسل به أوكسجينه وهيدروجينه، يحلم بأن يكون شلالاً يمشط شعراً مستديراً عند محيط الكون المتوهج، يحلم بأن يكون نهراً تغط في آتونه حورية البحر، تعري مشاعرها حتى التصاق الماء بالماء، تختزل الزمن في لحظة فيها تدعو السماء فيها بأن تبارك الأرض، بما تحوي من نبات الصلب والترائب، ليخضر الحقل، ويملأ الأمل أفئدة من لم تقدهم قصائد النجوى والشكوى ولواعج الفقدان ولوعة الألم. الماء، هو النعيم والورطة المبجلة، هو الصرخة المجلجلة في الأصقاع والأسماع، حين تشيخ أشجار اللوز وتتفرع أغصانها ظمأ، وتغادر الطيور هلعاً وجزعاً، وولعاً بما تخبئه السماء من نهايات قصوى في الأمل. . الماء، يخرج من بين الصلب والتراب أو من ثقب إبرة، أو من عين حفرة، أو من سطوة جبل ليكون محيطاً، في السراء والضراء، يكون الحقيقة المحتدمة، والمتوهمة، في ساعة الظمأ، يكون القاصي المتدني، يكون الداني المتقصّي، بحثاً عن شهقة تدوي عن حدقة تعيد التوازن لدورة الكواكب. أيقونة الأبد الماء تعويذة وتغريدة، وأنشودة الصباحات المنتشية بالورطة اللذيذة، الماء أيقونة الأبد، المستبد المتحد، المتهدّر في روح وجسد، الناهض على نهر وقد، المتسرب في خلايا الناس، المترتب من سيوله وهيوله، ومقامات النّسَّك المتعبدين، في محاريب الرغبة الكامنة. الماء مشهد ومعبد، ومهد، وندٌ وحد من حدود الارتخاء والارتواء، والانتهاء من إثم ولثم والاستواء في ساعة الارتواء، ولحظة من لحظات التجلي بعد أمنيات جادت بها النظرات، فانتهى الماء إلى قدرة تُجلي ما ناء به الفكر وانكوى به الجسد. . الماء رقية وحجابه، ومسك ختام لصولة وجولة، ومرحلة جاشت حتى تلاشت قوارب ومآدب ومآرب، وحتى استعصى على الكواعب أن يكن بلا ماء ولا احتواء. . الماء نقرة القطرة، على تربة وشفة، والماء دعابة النث لأجل حث ينجلي بعده الغث، والماء راحة وعذوبة، ورطوبة تستدعي تواريخ الجسد، وتنهض بتضاريس الجغرافيا، واحتمالات أخرى تجدد العهد مع الناموس. الماء، كل الماء، بعض الماء، أجزاؤه وكلياته، فلسفته وعِبرته، فضوله وفضيلته، فصوله وفصيلته، حقوله وحلقته، سيوله ووسيلته، قبوله وقبيلته، غضاضته وغضبته، فضاضته وانتفاضته، رعايته ورعونته، حضوره وحضارته، قوته في نعومته، صلابته في مرونته، عذوبته في جبروته، والمدهش الأكبر أنه السطوة والسلطة والاستطراد في الاستيلاء. الماء شيء من نزق، وأشياء فيها حلاوة وطراوة تملأ العين وتثري الحدق، وأشياء تسري في الخلايا، دبيباً لبيباً، عجيباً مهيباً رهيباً لا يساويه نسق. . الماء يعشق الألق، يتمدد هوى حين الأشياء تحترق، وتصطفق وتلتصق، وتتلاقى وتتساقى، في التحامات الأفق بالأفق. . الماء جولة في الحمقى وأخرى في الحنق وثالثة ثالثة الاثا في الشبق، لأجل ميلاد وأمجاد عشاق، نهبوا من الأشواق، حتى سالت دموع الكون سيالة منثالة منهالة، كوعد سماوي، رقيق أنيق، شفيف خفيف أليف، يحالف الأضداد في ضد يذود ويسود، ويجيد تشكيل التفاصيل برغبة ورهبة، ويغسل الهضاب والشعاب، بأنمل وأمل، ويحصد ويقصد ويسرد الحكاية الأزلية، منذ أن شد الطوفان حباله ليغرق النوايا، ويبيد الخرافة. . الماء المعنى، والمكان والزمان، وقطرة الاطمئنان يثوب من يؤوب، وطهره في حبره وسبره وجذره، وموجته الصارخة في متاهات الأبد. . الماء، الجذلان في سكرة الساهرين على قارعة السواحل، الدائرين دورة الدم في الشريان الصابرين المتصبرين، المتبصرين، ما بين الماء والأدواء، الكائنين في كون تكوَّن في زمان مزمنا، في دهشته وأسئلته المتفاقمة، كموجة اثر موجة. . الماء جهة القلب وأخرى، تحلب الدرب، وثالثة تتسرب في الحنايا والسجايا. . الماء، تلقين للحب، ويقين أنه الأشد خصوبة حين تتصهد الروح، ويتشظى الجسد. . الماء، روح الله، ودمعة السماء، حين تقرص الغيوم فرحاً، في الالتئام. الفصيح الحصيف الماء الكائن الحصيف الفصيح، رسالته بليغة بالغة الدقة، وخطابه السردي، جملته مكتملة، والمفردات تصب جحيمها اللذيذ، كالتعاويذ ساعة بلوغ النرفانا مبلغ التداعي الطليق، وصفاء الروح، من ضجيج وعجيج. . الماء يهمس همس الحفيف، ويصغي إصغاء الطير، لنسيم يهفهف على الريش والزغب. . الماء، شيء من التداخل وشيء من التواصل، وشيء من احتمالات الفواصل، ما بين جملة وجملة، وما بين قُبلة وقُبلة وما بين قِبلة وقِبلة، وما بين رحلة ورحلة، وما بين خطوة تكمل خطوات آخر المرحلة، وما بين فكرة بدائية، تواصل جهداً لحل لغز المسألة، وما بين فروض ونافلات ومساءلة، وما بين غموض التكوين وفصاحة التلوين، وما بين جزالة الحُلُم وفضيلة الكَلِم، وما بين الانسياب والانجذاب، والصبوة الصارمة والاستلاب، وما بين صد ورد ولا أحد يقرأ صفاف الماء إلا يصفو، ويهفو، لخروج من معمعة، وصومعة تخربت جدرانها، من أثر الاكتئاب. . الماء في الحسن يتسرب هلالاً، وظلالاً، وضلالاً، وسؤالاً، ومحالاً واحتمالاً ويُهرب تاريخه في الأتون في مجون وجنون، وقنون، ويخطف في اللقطة الأخيرة صورة المشهد الإنساني كأنه خارق طارق، مارق، تائق لاحتلال محيط النفس، والغوص في أعماق الروح واصطياد سمكة القلب وإغراق الجسد، بنشوة النهايات القصوى، ورعشة التوحيد باسم الروح والأبد، الماء الحقيقة، لم تتعداها فلسفة ولا عقيدة، لأنه الماء ولأنه العالم من البدء للبدء، ومن الأقصى للأقصى. . الماء محيط الأشواق المكتملة ونهر العذوبة المتغشية. الماء، من رضاب امرأة، عارمة بالوهج، جاء الماء، من سحنة صفحة غد ندي، صفا الماء ومن عذوبة شفتين لميائيتين، صار فراته عِذابا. . الماء من شهقة امرأة مذهلة، سرق الموج صبابته، من زرقة النقطة البالغة في الولوج، أخذ الماء زرقه من عميق الشوق، استلهم الماء غزارته من غنج اللواعج المبهمة، مزج الماء مجده المجيد. . من غمضه ولمضه، وومضه وخصنه، استبد الماء برضيعه، وخضيضه. الماء، في السر والجهر، في الكبر والصغر، في المد والجزر في المتن والصدر، في العلو والمنحدر، في العتمة والسحر في الينوع والتصحر، في الانقضاض والتذمر، في العصيان والتدبر، في الغموض والتبصر، في السخاء والتقتر في الرخاوة والتجذر في الإفصاح والتستر، هو النقطة المتوخاة آخر السطر. الماء كامرأة ذات وصال وتمتع، ونبال ونصال قواطع، الماء امرأة تخلب وتسلب، وتجلب وتحطب في الغاية الموحشة، وإن عصفت رياحها مادت ومارت، وسارت في الهوى تخطب وداً، ومن غير ودٍ، تخصب الأشواق بإملاق. . الماء سجرة وارفة بالأمنيات، نازفة عازفة على شجوٍ موجة، راقصت النجوم، وألهمت الأقمار، ديمومة الإصباح. الماء قهوة مفندة تبلل ريق السواحل، في الصباحات المبهرة، وتمنح الرمل المعفر بأقدام الحفاة، رائحة الهيل والزعفران، الماء شاي الصباح، لصائدي الأحلام، واللاهثين خلف أمنيات شاردة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©