السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نورا النومان: «حبسة الكاتب» وهم

نورا النومان: «حبسة الكاتب» وهم
13 أغسطس 2014 20:05
* كتابة «أجوان» كانت محفوفة بالمجازفات الشخصية والإبداعية طول الوقت * بعد انتهاء «أجوان» ستأتي «فرسان» لتعبر عن التنوع الحضاري في الإمارات * أعمل على إطلاق دار نشر خاصة تهتم بالأنماط الأدبية النادرة وكتب اليافعين ------- لا تأتي الكتابة عن عدم، وليس هناك وقت محدد للبدء بالكتابة. لكن ما أن تنضج الفكرة حتى تحين اللحظة المناسبة. وربما هذا ما حدث مع نورة النومان مؤلفة سلسلة الخيال العلمي الروائية العربية: «أجوان». فقد كانت قارئة نهمة. راحت تختزن معلوماتها وقراءاتها ولغتها لثلاثين عاماً من أجل تلك اللحظة التي قررت فيها أن تبدأ الكتابة، في عام 2010 على وجه التحديد. ------- لم تكن الفكرة يسيرة، ولا معالجتها، ولا أسلوب كتابتها، وبالأخص. . اللغة المكتوبة بها. لقد كانت تكتب «رواية» من «الخيال العلمي». . «مسلسلة» و«لليافعين». . بلغة لم تقرأ بها من قبل، وفي مجتمع قد لا يقدر هذا «الخيال». . كما ينبغي. لكن «أجوان» صدرت فيما يشبه العرس الأدبي. ولاقت من الاستحسان والجوائز ما جعل نورة تطمئن لخط سيرها. . «الخيال العلمي». وتطرح الجزء الثاني «ماندان». . وتواصل تعميق بصمتها في هذا الحقل المترامي الأطراف، يوماً بعد يوم، وبتصميم وثقة ومثابرة تستحق الإعجاب. وهي هنا ــ حين تحدثنا عن تجربتها بإخلاص شديد للعمل الروائي، وبكلمات قريبة من القلب ــ ليست لديها أية أوهام حول خصوصية التجربة لكنها تتحدث بحب شديد ومُلِح يستنفر كل جوارحها لمتابعة رحلة الألف ميل: * رغم الطوفان الروائي شرقاً وغرباً - وفي عالمنا العربي بالذات - مع قلة الجيد فيه، ما زالت هناك أسباب لا تشجع على كتابة الرواية على حد تعبير الروائي الإسباني "خافيير مارياس" ومنها: أن كل من تعلم القراءة والكتابة يمكنه أن يكتب رواية، وأن كاتبها يفتقر الى الجدارة والغموض، وأن الرواية لن تجعلك ثرياً، وليست ضماناً للشهرة ولا تحقق الخلود (إذ لم يعد هناك خلود). . إضافة إلى أنها لا تغازل الأنا لدى الكاتب عكس المخرج الذي يستطيع رؤية ردود الفعل المباشرة لعمله على الجمهور. . . إلى أي مدى يمكن اعتبار ذلك صحيحاً؟ ** بل أعتقد أن الكتابة الجيدة تحقق الخلود فعلا. أولئك المولعون بقراءة الروايات أو الكتب عامة لا يستطيعون أن ينسوا أسماء الكتب والمؤلفين الذين أثّروا في حياتهم، ويوصون كل أصدقائهم بقراءتها. بل عبر القرون، هناك أسماء نعرفها جيداً لكتّاب لم نقرأ كتبهم وربما لن نجرب قراءتها ومع ذلك نحفظ أسماءهم وأسماء مؤلفاتهم. أليس هذا خلوداً؟ وفي العصر الحديث الذي يحوي وسائل الإعلام المتعددة لا أعتقد أن من السهل أن ينسى التاريخ بعض الأسماء لمؤلفين كان لكتاباتهم أثر واضح على الأجيال. أما مغازلة الأنا، فأعتقد مرة أخرى أن وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العالمية عامة أوجدت قنوات تواصل بين الكاتب والقارئ تمكن الكاتب من الاستماع إلى التعليقات الإيجابية والسلبية أيضاً. مثال على ذلك موقع "غودريدرز" الذي اشترته "أمازون" مؤخراً للترويج لكتبها بشكل خاص عن طريق تعليقات القراء، وإقناعهم بشراء كتب أكثر. العيش في الخيال * ما دمنا مع " مارياس" فهو يرى أيضاً أنه رغم الأسباب السبعة لعدم كتابة رواية. . هناك سبب واحد لكتابتها. وهذا السبب هو أن كتابتها تتيح للكاتب قضاء وقت طويل في عالم الخيال. . ما هو سببك أنت؟ ** بالفعل. وهذا سبب قوي قد يتحول بسرعة إلى إدمان للبقاء في عالم الخيال، حيث الألوان أكثر بهاء والأحداث أكثر منطقية والشخصيات تتصرف بطريقة مبررة إلى حد ما. في صغري استهوتني روايات الخيال العلمي والفانتازيا الأجنبية، ولم أتساءل يوماً لماذا لا أجد مثلها باللغة العربية. كانت الروايات ملاذي الوحيد وأعز صديق لي، لدرجة أن الأيام التي تفصل بين انهائي لرواية وانتقالي لرواية أخرى كانت ثقيلة أشعر فيها بنقص كبير في حياتي. هناك روايات لا تنتهي بجزء واحد بل تمتد لثلاثة أجزاء أو خمسة في بعض الأحيان، وكنت انتظر ما لا يقل عن عامين قبل أن يصدر الجزء التالي، ولا أستطيع أن أصف لك فرحتي عندما أسمع أن الجزء التالي صار في المكتبات. توجد سلسلة مميزة من الأجزاء اسمها "ويل اوف تايم" (عجلة الزمن) للكاتب الأميركي "روبرت جوردان" بدأها في نهاية الثمانينيات، وقرأنا الجزء الرابع عشر والأخير في يناير 2013. هل تستطيع أن تتخيل قضاء أكثر من 20 سنة من حياتك تقرأ عن حياة شخصيات هذه السلسلة وتنتظر اليوم الذي ينتصرون فيه؟ السبب وراء كتابتي لسلسلة أجوان أنني أريد هذه التجربة للشباب العرب. مجازفة. . وعطش * قبل أن تحقق "أجوان" هذا النجاح الكبير. . هل شعرت في لحظة ما أنها مجازفة. . أقلقك مثلاً تقبل المجتمع لهذا النوع من الروايات (الخيال العلمي). . الشباب بالذات؟ ** المجازفة جاءت بعدة أوجه وهو ما تسبب في تأخر تحويل فكرة لخصتها في 15 صفحة إلى كتاب من 420 صفحة. أولًا: امرأة في الخامسة والأربعين من العمر تبدأ الكتابة بشكل مفاجئ. من هي؟ ومن سينشر كتبها؟ وثانياً: امرأة تخصصت في اللغة الإنجليزية وقرأتها حصرياً لأكثر من 30 عاماً، كيف لها أن تؤلف رواية باللغة العربية؟ ثالثاً: كيف تستطيع أن تؤلف قصة أصلية ومختلفة ولا تقلد ما قرأته في السابق؟ رابعاً: الخيال العلمي نمط غير مألوف وحتى عندما بحثت عن كتب أخرى في هذا النمط وجدت أن معظمها لم يعد متوافراً في أي مكان، مما يعني أنه لم يلق إقبالاً كافياً يدفع دار النشر لإعادة طباعته. والمجازفة الأخيرة تتمثل في الخروج من جاذبية كوكب الأرض بل من المجموعة الشمسية بأكملها وإنشاء عالم جديد قد يكون غريباً بعض الشيء على القارئ العربي. أما اختياري للشباب فهذا الأمر الذي كنت واثقة منه تماماً، فلدي أربع بنات يقرأن باللغة الإنجليزية، ولكن لم أجد لهن روايات مشوقة باللغة العربية، وفي الوقت ذاته أنا متأكدة من أن اليافع العربي متعطش للروايات حتى صار يقرأ روايات الكبار لعدم توافر كتب مناسبة لعمره. هذه الفئة العمرية مظلومة فهي لا تنتمي للأطفال ولا تنتمي للكبار، وحتى وقت قصير لم يكن لها اسم خاص بها، فهم أطفال من عمر اليوم الواحد إلى الثامنة عشرة من العمر. ولكن هذه الفئة بالذات تحتاج الاهتمام الأكبر فهي مرحلة غامضة لها احتياجاتها الخاصة التي لا نعترف بها في العالم العربي. أحسست أن من الظلم أن تتوافر روايات لا تعد ولا تحصى باللغة الإنجليزية لليافعين، ولكن لا نجد ما يماثلها في الإثارة باللغة العربية، فكان من الضروري أن أكتب لهذه الفئة بالذات. الخيال العلمي في نظري هو بوابة الاهتمام بالعلوم. لا أبالغ حين أقول إن علماء الغرب في جميع المجالات العلمية كانوا مغرمين بقراءة الخيال العلمي في صغرهم. ونحن في العالم العربي نعاني من عزوف أبنائنا عن دراسة العلوم، واتجاههم عامة نحو العلوم الإنسانية والتجارة. وإذا نظرنا إلى عدد براءات الاختراع في العالم العربي بأكمله سنرى العجز الكبير في هذا الجانب. جاء في تقرير اليونيسكو في 2010 أن العالم العربي يملك حصة 0. 1% من براءات الاختراع في العالم. وأن هذا يعود للنظام التعليمي الذي لا يركز على العلوم، إضافة إلى غياب الموازنات لمجال البحوث والاختراعات. إن قراءة طفل أو يافع لقصة خيال علمي تجعله يحلم بمستقبل متقدم علمياً ويبدأ يفكر في تطوير الخدمات الصحية والتقنيات المختلفة فيتخصص في العلوم ويواصل اهتمامه إلى مجال البحوث والدراسات والاختراعات. إشكالية النشر * أظن أن الطريق إلى ناشر يقدر هذا النوع من الروايات لم يكن سهلا؟. . أذكر أنك كنت تعانين ولفترة غير قصيرة من عدم قبول دار نشر لمخطوطك الأول؟ ** في الحقيقة رحلة البحث عن ناشر كانت جديدة عليّ. سمعت الكثير من قصص الرعب عن دور النشر العربية، عن اهتمامها الحصري بالمردود المالي، ورفضها للأفكار الجديدة، وهناك من عانى من نصب واحتيال بعضها، إلخ. طلبت من صديقة أن ترسل لي قائمة دور النشر التي نعرفها في العالم العربي وتتوافر كتبها في معرض كتاب الشارقة، فأرسلتها مشكورة وكانت القائمة تحتوي على البريد الإلكتروني لهذه الدور. كما وجدت على الغلاف الخلفي للعديد من الكتب المباعة في الإمارات البريد الإلكتروني للدور التي نشرتها. توجد على الإنترنت مئات المواقع باللغة الإنجليزية التي تشرح بالتفصيل كيف يقدم الكاتب مسودته لدور النشر. ولم أجد موقعاً واحداً باللغة العربية يفصل هذه العملية. لذلك كتبت لدور النشر أسأل عن الطريقة الخاصة بهم، إذ لم أكن مستعدة لإرسال المسودة بالكامل لأشخاص مجهولين. لا أذكر عدد الإيميلات التي بعثتها ولكنها تعدت العشرة. تجاهلوني جميعهم، باستثناء دار أجابت بعد طول انتظار بأنها لا تستقبل مسودات جديدة لأنها اكتفت، بـ"كاتلوج" هذا العام. دار نشر عربية في ألمانيا طلبت المسودة، وأرسلتها لهم. بعد شهرين أجابوا بأن الرواية خيال علمي وستكون الوحيدة بين مطبوعاتهم واعتذروا عنها. دار نشر إماراتية أجابت بأنها لا تعتقد أن الرواية مناسبة لمن هم أصغر من الثامنة عشرة من العمر. في الحقيقة لم أكن أرغب في نشر الرواية في الإمارات، والسبب البديهي أن سوق الإمارات صغيرة والتوزيع من أكبر نقاط ضعف دور النشر الإماراتية. بعد ستة أشهر التقيت صدفة برئيسة مجلس إدارة دار نهضة مصر في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وطلبت مني أن أرسل لها المسودة وبعدها بشهر اتصلت لتزف خبر قبول الرواية. لماذا قبلت نهضة مصر بخيال علمي؟ لأنها ترجمت ونشرت سلسلة "سيد الخواتم" و "هاري بوتر" وغيرها من الروايات غير الاعتيادية. منابع الخيال * لو سألت الروائي من أين تستقي عناصر روايتك لأجاب ربما من الحياة. . مما يدور حولنا ونعيش فيه. . من أين تأتي أفكار رواية الخيال العلمي؟ كيف يتم تصنيف أحداثها. . أبطالها. . عوالمهم. . لغتهم. . حتى تخرج على شكل عمل متكامل؟ ** رغم أنها المرة الأولى لكتابتي لرواية (فلم أجرؤ يوماً حتى على كتابة قصة قصيرة) ولم أكن أعرف كيف هي عملية التأليف في الرواية العربية، إلا أنني أعرف مقومات الرواية الإنجليزية، وخاصة الخيال العلمي والفانتازيا. ربما أكبر سوء فهم تجاه الخيال العلمي ليس في العالم العربي فحسب بل حول العالم هو أن الجمهور يعتقد أن هذا النمط يدور حول التقنيات المستقبلية والمخلوقات الفضائية فقط. الحقيقة أن هذا النمط (وخاصة ما يطلقون عليه الخيال العلمي السهل) تدور أحداثه حول العلاقات بين الشخصيات، وما السفن الفضائية والأجهزة المتطورة سوى ديكور في الخلفية يعطي بعداً إضافياً للأحداث. كل ما يمكن أن يحدث بين شخصين أو فئتين هو في نهاية المطاف من التجارب البشرية التي مررنا بها أو قرأنا عنها. وبالفعل استقيت بعض الأحداث والحوارات من حياتي الشخصية. قصة أجوان بسيطة في فكرتها، ففي خط واحد فتاة تفقد قومها وتتشرد كلاجئة تحمل جنيناً. كيف ستتغلب على كل التحديات التي تواجهها؟ أما الخط الثاني فيدور حول الشخصية الشريرة: رجل يملك قوة خارقة تمكنه من السيطرة على أذهان الناس ويرغمهم على ارتكاب الجرائم مثل الاختطاف والقتل والعمليات الانتحارية من أجل فكرة "الوطن"، وهو في الحقيقة لا يهمه أمرهم ويستغلهم لتحقيق أطماعه الشخصية. يلتقي الخطان في نقطة معينة ويتفرج القارئ على ما يحدث في هذا الصدام. تعودت في الكثير من الروايات التي أقرأها على أسلوب "بناء العوالم". فالكاتب يبني عالماً متكاملا، ثم يضع فيه الشخصيات والأحداث. وهو ما أردت أن أحققه في رواية أجوان، وربما لم يحاول كاتب عربي أن يقوم به من قبل. عالمي يحتوي على بشر ومخلوقات من حضارات أخرى، وقد استوطنت كل هذه الحضارات عدة كواكب، وعندما التقت ببعضها البعض أنشأت اتحاداً فضائياً يعتبر كل من فيه "مواطناً". من طبيعة البشر أنهم يتجمعون في جماعات متشابهة العرق أو المبادئ. ولذلك كلما "صنعت" كوكباً أو شخصية، فكرت من أي حضارة "بشرية" جاؤوا (أو حتى من أي مخلوقات فضائية)، ووضعت لنفسي نظاماً بأن استخدم لغة هذه الحضارة لصنع اسم مقتبس من اللغة مع بعض التغييرات. فمثلا، كوكب "تيرا 8"، معظم سكانه من الروس، ولذلك فالمدينة الرئيسية اسمها "كراسوتكا"، والشخصيات الأهم على الكوكب اسماؤها قريبة من اللغة الروسية. حتى أكبر جسر في المدينة اخترت له اسم مدينة روسية قديمة "نوفوغرود" وذكرت في الرواية أنه سمي تيمناً بالسفينة التي أنزلت المستوطنين الأوائل للكوكب. هذه تفاصيل سطحية وبسيطة، ولا تحتاج من القارئ أن يتذكرها فهي ليس لها تأثير على الحبكة ولكنها تضفي واقعية أكبر ويصبح العالم ثلاثي الأبعاد. * من خلال عملك في "أجوان" هل صادفك ما يسمى بـ"حبسة الكاتب"؟ وكيف تتعاملين معها عادة؟ ** قرأت لعدة روائيين أميركيين وبريطانيين، إضافة إلى لقائي بثلاثة كتّاب بريطانيين في مجال أدب اليافعين، وكلهم أجابوا على هذا السؤال بإجابة أوافقهم عليها ربما لأنني في بداية الطريق ومازلت مرتبطة بقصة واحدة رغم تعدد أجزائها. الإجابة هي أن حبسة الكاتب لا وجود لها إلا في أذهاننا. وهي مؤشر على الكسل أو عدم الرغبة في الالتزام بروتين الكتابة، فالكاتب الذي ينظم وقته ويلتزم بمواعيد الكتابة والبحث عن المصادر الضرورية للكتابة لا يمكن أن يواجه مشكلة حبسة الكاتب. شخصياً أمر بمرحلة يمكن أن يسميها البعض "حبسة الكاتب" ولكنني لن أسمح لنفسي بتقبل هذا العذر الواهي. السبب الحقيقي هو عدم التزامي بالنظام الذي وضعته لنفسي. أسباب للقلق * يظن البعض أن كتابة رواية خيال علمي عمل بسيط لا يحتاج جهداً خارقاً لكن الأمر ليس كذلك. . ولا شك أن هناك منعطفات في كتابة "أجوان" و "ماندان" جعلتك تقلقين، وربما كادت تقصف عمر العمل بأكمله. . أكانت هناك وقفات أشبه بنذير سوء ومصدر تردد؟ ** في الجزء الأول، لم أواجه مشاكل كبيرة (باستثناء تعثري في عملية العثور على الكلمات المناسبة باللغة العربية). ربما التحدي الأكبر كان في نهاية الجزء الأول، ففكرة كل الأجزاء كانت في ذهني من البداية تقريباً، وكنت أنوي أن أنهي الجزء الأول بنهاية معلّقة. التقيت بكاتبة ألمانية قالت لي إن الجزء الأول من السلسلة يجب أن ينتهي بطريقة توحي بأن القصة قد انتهت، حتى وإن كان هناك جزء ثان. لم أصغ لها وكتبت النهاية كما أردت. وبعدها بأسابيع، ساورتني الشكوك، وقررت أن أغير النهاية بحيث يكافأ القارئ على الأقل ولا يصاب بالإحباط لتلك النهاية المعلقة. فأخذت آخر 6000 كلمة وحفظتها في ملف آخر وأعدت كتابة النهاية كما هي عليها اليوم. عوامل القلق كانت في مسألتين: لغتي العربية الموجهة لليافعين، واستقبال جمهور الكبار لها. هذا ما كان يؤرقني. أما المسألة الثانية فكانت في عملية "الرقابة" التي كنت أضعها على كتاباتي في كل مشهد خوفاً من اعتراض أولياء الأمور على بعض أحداث القصة ومناسبتها للفئة العمرية. حتى شعرت بالاختناق وبُحتُ بمخاوفي لصديقاتي فنصحتني إحداهن بأن أكتب ما أريد، وأن أترك عملية الرقابة لمرحلة التنقيح. أما "ماندان" فكانت كتابتها صعبة جداً. فمن ناحية من الضروري أن تكون أحداثها أكثر إثارة من الجزء الأول، هذا أمر مفروغ منه، ولم أكن متأكدة ما إذا كانت لدي القدرة على أن أتفوق على نفسي. ومن ناحية أخرى، وضعت نفسي في موقف صعب لأن الحبكة كانت تكبر وتكبر والشخصيات تزيد وكنت أكتب أكثر من مسار في الوقت ذاته. حتى قررت أن أخصص ملفاً لكل شخصية ومشاهدها، أو ملفاً لمسار واحد، إلى أن تجمع لدي 23 ملفاً. ثم حددت التسلسل الزمني للأحداث حسب ما كنت قد خططت له في السابق. وبعدها طبعت المشاهد كلا على حدة وفرشتها على الأرض وحركتها حسب التسلسل الذي حددته. ثم أنشأت ملفاً جديداً أو نقلت المشاهد فيه مشهداً مشهداً إلى أن أنهيت الرواية، فصارت 101 ألف كلمة. بعدها قضيت وقت لتنقيحها فحذفت 10 آلاف كلمة. وأخيراً كتبت المشهد النهائي. اعتقد التحدي الأكبر كان في أن أحافظ على السببية في الأحداث وأن لا أكتب فكرتين تناقضان بعضهما البعض، فاحترام عقل القارئ مهم بالنسبة لي وخاصة اليافع الذي تهمه التفاصيل. في الجزء الثالث، ستقضي "أجوان" باقي حياتها على كوكب واحد. على خلاف ما حدث في السابق، لن أستطيع أن أمر مرور الكرام على الكواكب التي تنقلت أجوان بينها. الآن أنا مطالبة بعالم متكامل، ولذلك يجب علىّ أن أحدد الشعوب التي استوطنت الكوكب وأنظمتها السياسية وعاداتها وتقاليدها ونظامها الاقتصادي. ناهيك عن الحياة البرية التي تجعل هذا الكوكب مختلفاً عن الأرض التي نعرفها أو باقي الكواكب التي ذكرتها في السابق. والأهم من هذا كله، يجب أن أجد التبرير المقنع لما ستفعله أجوان على هذا الكوكب الجديد. هذا ما يميز الخيال العلمي والفانتازيا عن باقي الأنماط الأدبية ويجعله من أصعب الأنماط. * إلى أي حد ستذهبين بهذه السلسلة. . هل ستتوقفين، مثلاً، بعد الجزء الثالث وتبدأين عملا روائياً مختلفاً أم ستستمرين في كتابة هذه السلاسل؟ هل لديك فكرة عمل مختلف. بعد الانتهاء منها؟ ** منذ البداية تقريباً تخيلت حياة أجوان في 4 مراحل. ولذلك فالخطة أن يكون للسلسلة أربعة أجزاء. ربما وأنا أكتب الجزء الرابع (وقد قمت بالفعل بكتابة بعض المشاهد فيه) تتكون لدي أفكار لجزء خامس، لا أدري. ومنذ أكثر من عام لدي فكرة لرواية فانتازيا لليافعين اسمها "الفرسان" تدور أحداثها في دولة الإمارات وأبطالها يافعون من أسرة إماراتية وأصدقاؤهم من عدة جنسيات. رواية تعبّر عن طبيعة التنوع الجميل في مجتمع دولة الإمارات وتعكس أيضاً التاريخ العريق للحضارات التي استوطنت هذه الأرض على مدى الخمسة آلاف عام الأخيرة. سجن «أجوان» * دار بخاطرك طبعاً أن القراء قد يتوقعون منك دائماً شيئاً محدداً مثل جي كي رولينغ وهاري بوتر. . وبأنك لو كتبت شيئاً مختلفاً قد لا يلقى رواجاً أو يكون بالجودة نفسها، ألا تخافين أن تحبسك "أجوان" داخل إطارها؟ ** لأنني قارئة، أعرف جيداً ما يشعر به القارئ عندما يغير المؤلف النمط الذي يكتب فيه. عامة لا أتقبل هذا التغيير وأرفض تجربة النمط الجديد. ومع ذلك، لا أتخيل أن تكون لدي القدرة أن أكتب روايات خارج نمط الخيال العلمي والفانتازيا. وأنا أيضاً متأكدة من أن القراء قد يتضايقون عندما تنتهي قصة أجوان. ولذلك جربت فكرة رواية "الفرسان" على مجموعة من القراء فلم أجد سوى الاستحسان للفكرة. ولكن الجميع يستعجلني في الجزء الثالث، وهذه طبيعة القراء، فأنا مثلهم. ومع ذلك، أجد متعة كبيرة عندما أفكر في أن نمط الخيال العلمي يمكن أن يصبح بهذه الشعبية الكبيرة. * هل قلقة في مرحلة ما من أن يظن القراء أن سلسلتك الروائية ستكون تقليداً للأعمال العالمية مثل هاري بوتر ولعبة العروش. . وألعاب الجوع؟ ** القصص دائماً تتشابه، ويقولون لا وجود لأفكار جديدة في عصرنا هذا. ولأن أجوان تقع أحداثها بعيداً عن الأرض وبعيداً عن "العرب" و "الأديان" فربما يراها البعض مشابهة لباقي الروايات الأجنبية. شخصياً اخترت أن أبتعد عن كل ما له علاقة بنا حتى أعطي لنفسي مساحة حرية أكبر. ضحكت عندما قرأت في الإنترنت مقالا قصيراً باللغة الإنجليزية يتحدث عن أجوان ويسأل: "هل صارت عندنا جي كي رولنغ العرب؟" بالطبع وددت لو أعتذر لجي كي رولنغ على هذا التشبيه، ولكن ليست لدي طريقة للتواصل معها. رواية أجوان فيها جوانب موجودة في منطقتنا: الكوارث والحروب واللاجئون والجماعات الإرهابية، وهي بالتالي ليست تقليداً للأعمال العالمية ولكن أعترف بأنها تتخذ الأسلوب الكتابي نفسه. * هل أنت راضية عن التقدم الذي تحرزه أجوان و "ماندان" إلى الآن؟. . ومتى يخرج عملك القادم إلى القراء؟ ** إن فوز أجوان بجائزة اتصالات في 2013 كان تقدماً لم أحلم به مطلقاً. حتى قالت عضوة في لجنة التحكيم: "إن هذا الكتاب عالمي". تلك الجملة مسحت كل الشكوك التي كانت تؤرقني. والتقرير من دار النشر يقول إن النسخ التي بيعت من أجوان بلغت 3500 نسخة. لو كنت أهتم بالأرقام لاعتبرت هذا مؤشراً جيداً جداً في منطقتنا. ولكن التقدم الذي أطمح له وأريد أن أراه هو في ارتفاع عدد روايات الخيال العلمي التي تصدر في العالم العربي، وبالتالي ارتفاع عدد القراء. عملي القادم يتلخص في تخصيص وقت لإطلاق دار النشر الخاصة بي والتي ستتخصص في نشر الأنماط الأدبية النادرة التي تستقطب اهتمام فئة اليافعين، بإذن الله تعالى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©