الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوينة الراشدي: جيلنا نشأ على النخوة والشهامة وتحمل المسؤولية

زوينة الراشدي: جيلنا نشأ على النخوة والشهامة وتحمل المسؤولية
23 فبراير 2009 00:33
كانت طفلة يتيمة تعمل لتساعد أمها الضريرة بتوفير لقمة عيش تسد بها رمقها، وحرمت من أن تعيش في بيت دافئ وأن تلعب بلعبة اعتاد الأطفال الذين هم في مثل عمرها على اللعب بها، بل كبرت قبل أوانها وتزوجت وعمرها عشر سنوات برجل عمره ستة أضعاف عمرها، فتحملت مسؤوليات كبيرة صنعت منها إنسانة قوية قاومت الفقر والذل والظلم والحرمان· وعلى الرغم من ذلك كله إلا أنها تعشق زمانها الأول وتتمنى أن يعود· الماضي المؤلم الجميل ترسمت حكايته كلمات الأم والجدة أم محمد ''زوينة يوسف الراشدي'' التي بدأت تعانق الخمسين من عمرها، وتقول : ''كانت حياتنا صعبة جداً فقر وجوع لكنها بسيطة لا تكبر ولا تعال فيها ولا تكلف كالذي نعيشه في هذه الأيام فقد ولدت في أسرة عاشت كغيرها في بيت من سعف النخيل، لكنه كان قريباً من البحر، فكنا نعتمد في طعامنا على الأسماك التي كان يصطادها أحد جيراننا حيث كان الجار يعرف حق جاره عليه بمشاركته في اللقمة، ومواساته بحزنه ومشاركته بفرحه· كنا كالأسرة الواحدة نطمئن على بعضنا، ونغار على حرمات بعضنا، ولا سرقة ولا نهب ولا قتل ولا اغتصاب، ليس كهذا الزمان الذي صرنا نخاف فيه على بناتنا من الاختلاط حتى مع بنت الجيران· كما كنا نعيش دون كهرباء، بل نعتمد على الفنار أي الفانوس المصنوع من المعدن، وننام بعد العشاء ونستيقظ منذ الفجر، ويصطحب والدي إخوتي إلى المسجد ليصلوا صلاة الفجر، فكان الدين يغرس فينا منذ طفولتنا ليس ككثير من الشباب الآن لا يعرفون طريق المساجد ويرفعون صوت المذياع بالأغاني حتى خلال شهر رمضان· كما كنا نحفر بئراً في بيتنا ونحتفظ فيه بالماء لكننا نستعمله فقط لغسل الملابس لأنه مالح أو نغسل ملابسنا في البحر أما ماء الشرب فكنا نحضره من بئر كبيرة في المدينة ونضعه في أوان من الألمنيوم أو فخار ليبقى باردا عذبا وكنا نتنقل على الحمير والبغال والجمال وكانت هناك سيارات لكنها قليلة جداً ''· وتضيف زوينة : ''كان والدي عاملاً بسيطاً يعمل في العتالة، كان يحمل الليمون المجفف وينقله من مكان إلى آخر، وكان طيباً جداً، وشعرنا بذل كبير بعد وفاته فقد توفى وعمري 10 سنوات وفقدت أمي البصر بعده، وتوزعت أنا وإخوتي الاثنين نعمل بأجرة طعام يومنا في مزارع حولنا، فكان هناك من يعمل بالزراعة كزراعة الفجل والطماطم والبصل والثوم أما الجرجير والخس وغيرها لم نكن نعرفها، وكذلك كان آخرون يعملون في التجارة كالتجارة بالأسماك حيث يصطادونها على متن قارب صنعوه من أعواد الخيزران وسعف النخيل ويسمونه '':الشاشة''، فيصطادون فجراً السمك والروبيان ويبيعونها لغير الجيران بربع درهم ومجاناً للجيران كما قلت سابقاً وكنا نربي الأغنام وعند أول حلبة ينزل حليب أصفر اللون نغليه على النار التي نشعلها من الحطب ونضيف له القليل من الكركم والزعتر فيترشح الماء في القاع ويتخثر على السطح على شكل قرص جامد نوعاً ما، ومن ثم نسحبه ونأكله مع الخبز العربي الذي نخبزه بأنفسنا· وكنا نتناول صباحاً الخبز مع شاي حليب وتمرة أو خبيص ''السميد أو الطحين نحمره ونخلطه بالسمنة والسكر''، وكنا نجفف الأرز بعد غسله ونطحنه عند الطحان ونصنع منه المهلبية وغيره، لقد كان طعامنا صحي جداً ليس فيه مواد حافظة أو مسرطنة· تصف لنا أم محمد العلاقات الأسرية والاجتماعية في زمانها: ''لقد كانت أسرنا دافئة مترابطة وعلى الرغم من بساطة التربية من والدين أميين إلا أننا نشأنا على الدين والنخوة والشهامة والرجولة والاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية وكنا نحترم ونخاف من والدينا ومن أكبر منا ولا نتجاوز على أبناء الجيران بالضرب أو السب وغيره وأذكر أن والدي عندما كان يرسلني لأحضر شيئاً ما من بيت جيراننا في الليل وعلى الرغم من عدم خوفي إلا أن أحد الجيران إذا رآني في الطريق سار معي حتى يوصلني للمكان الذي أريد ويعود بي كذلك للبيت ويعتبرني كأخته أو ابنته وهذا ما عاد موجوداً في هذا الزمان الذي فقدنا فيه الأمان من أقرب الناس! تبين أم محمد أنها تعلمت وإخوتها وذلك قبل وفاة والدها في الكتاب عند المطوعة التي كانت تعلم 25 ولداً وبنتاً في بيتها القرآن الكريم ولكنها كانت تهرب منها لشدة قسوتها حيث إنها كانت تضرب من لا يحفظ بالخيزرانة وتعلقه من رجليه مقلوباً على الشجرة كالذبيحة فكان الأولاد يخافون منها كثيراً وفي وقت الفرصة تجعل الأولاد والبنات يشتغلون لها بتنظيف منزلها وغسيل ثيابها بدلاً من أن يتناولوا طعامهم، وهذه مشاهد لا تملك أم محمد نسيانها لمرارتها وقسوتها، ولا زال حلم التعلم يراودها فقد انتسبت أم محمد لمدرسة لتعليم الكبار على الرغم من كبر سنها وكثرة مسؤولياتها، لكنها تحاول وتحاول أن تتعلم القراءة والكتابة وتقول :''أريد أن أتعلم القراءة والكتابة لأقرأ القرآن''· توضح أم محمد أنها كويت في صغرها على بطنها وفي جانب رأسها لعلاجها من المغص والإسهال وهذا إشارة إلى العلاج بالكي في زمانها وكذلك تشير إلى أن هذه العملية كان يقوم بها متخصصون في زمانهم وأنها كانت نافعة جداً بالإضافة للتداوي بالأعشاب لعدم توفر الرعاية الصحية المتمثلة بالمستشفيات والأطبة وغيرها كالتي يعج بها زماننا· وتتألم أم محمد من هؤلاء الشباب الذين يضيعون وقتهم سدى في أشياء لا تنفعهم بل وتهدم مستقبلهم كالجري وراء الموضة والمظاهر التافهة وتنسب سبب ذلك كله للأسرة التي تسبب تربيتها الفاسدة أو الخاطئة، أو غياب رقابتها عن ضياع أبنائها وصناعة جيل فارغ مدع، وغير قادر على قيادة نفسه· فكيف سيقود أمة تنتظر منه الكثير؟·
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©