الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوازن بين الجانبين الروحي والمادي أهم سمات الفكر الإسلامي

التوازن بين الجانبين الروحي والمادي أهم سمات الفكر الإسلامي
21 يوليو 2012
هُناك من يفضل الحديث عن ثقافة المسلمين عوضاً عن الحديث عن الثقافة الإسلامية، باعتبار أن البنيات الثقافية التي يحدثها البشر، تتغير وفقاً لتغير نظرة منتجيها وممارساتهم من عصر إلى آخر. كما أن التحديات التي يشهدها عالمنا المعاصر، تواجه مسلمي اليوم، أما الإسلام، فإنه عقيدة ثابتة لا تتغير، إننا لا نخالف في كون الثقافة الإسلامية هي تلك التي سادت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ساد النقاء العقائدي والصفاء الروحي، والقرب من منبع النبوة... بالرغم من ذلك يبقى لكل عقيدة من العقائد، أو فلسفة من الفلسفات، أو نسق من الأفكار، فلسفته الخاصة الثابتة في رؤية الكون التي تحدد مكانة الإنسان في هذا الوجود، وعلاقته بالموجودات، وبما أن الإسلام رسالة سماوية حاملة لعقيدة التوحيد المطلق لله عز وجل، فإنه “يرى الإنسان خليفة لله في الأرض، حاملاً لأمانة إقامة العمران، حتى تأخذ الأرض زخرفها وزينتها، وحتى تتهذب النفس الإنسانية وترتقي وتسعد، عندما تتوازن علاقتها مع الغرائز والملكات والموجودات”. إن كل ما يخالف هذه النظرة التوحيدية للخالق عز وجل وكل ما من شأنه أن يحول بين الإنسان وبين طرف المولى عز وجل، يمكن اعتباره بعيداً عن الإسلام، ولا يليق إلحاقه بالمسلمين. فكيف يمكن للثقافة الإسلامية أن تسهم في ترسيخ عقيدة التوحيد في كل جوانب الحياة؟ لقد أعطت الثقافة الإسلامية عطاء زاخراً، وكان عطاؤها لفائدة الإنسانية جمعاء، كما أنها ثقافة استطاعت الموازنة بين الجانبين الروحي والمادي، في اعتدال هو طابع من طوابع الفكر الإسلامي، وميزة من مزايا الحضارة الإسلامية، والتي تعد حضارة إنسانية بامتياز. ثوابت لقد بنيت ثقافة الإسلام على أساس محور مركزي هو عقيدة التوحيد، وهي العقيدة المنزلة التي لم تأت نتاج خصوصية معينة لشعب معين أو مرحلة زمنية معينة... لتأكيد ما سبق يمكن القول إن ثقافة الإسلام قائمة على ركيزتين: أولاً: الثوابت الإنسانية، ويحددها الإسلام بالفطرة إلى جانب ما تحمله من غرائز ودوافع ونوازع. ثانياً: متغيرات الحياة وهي ما يطرأ على هذه الفطرة من تشويهات أو ما تجنح إليه الغرائز، من اتجاهات... وتعد عقيدة التوحيد الاستجابة الأولى للفطرة، ووحدها القادرة على التحكم في الغرائز والدوافع الطبيعية، الأخرى كالطمع وعبادة المال والقوة.. إن الفلسفة الثقافية المعتمدة على النزعة المادية الفردية، القائمة على الرفض التام لأي وجود خارج نطاق العالم المادي، وكذا الرفض الكلي للسلطة الإلهية... تنظر إلى الإنسان على أنه فرد عصامي، لا يدين بشيء للآخرين، وتقف هذه الفلسفة على طرفي نقيض مع مبدأ التوحيد، ويبقى تجاوز المحتوى الثقافي الإسلامي، ليس بسبب سوء الرؤية في الرسالة المحمدية، وإنما بسبب عدم المعرفة بغنى المحتوى الثقافي الإسلامي، وقدرته على مسايرة الأحداث، كما أن حمولته الدينية ذات المنهج الوسطي المتزن والمعتدل، ولغته القرآنية هي الأقدر والأقوى تأثيراً... إن إثارة مثل هذا الموضوع يكتسي بالغ الأهمية في المراحل المعاصرة... إذ لا محيد لنا عن التأكيد على ضرورة تأصيل البناء الثقافي وتجديده وتقويته، بعيداً عمَّا يعلوه من غبار، أو ما يخالطه من شوائب تراكمت عليه بفعل الزمن. وفي هذا الإطار يندرج دور الكفاءات العلمية في تقديم الفهم العميق لمدلولات النص القرآني، ومقاصد الشريعة السمحة بما يتوافق والعصر، إذ لا يكفي التأكيد على البعد الشمولي للمرجعية الدينية، ولا حتى الوقوف عند منهجه الوسطي المتزن والمعتدل. ذلك أن تصور حقيقة الوجود والحياة ليس كافياً وحده ليحدث التغيير الحضاري، بل لا بد له من طريقة إيمانية تحول هذا التصور من نظرية تزاحمها تصورات أخرى إلى فكرة تبلغ درجة الإيمان، ليثمر عطاءً ثقافياً أو تغييراً حضارياً. لا بد لنا لا محالة من العودة إلى أصول الخطاب الإسلامي، وهما القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فلا بديل عن بذل الجهود للسير دوماً في نورهما بغية إيصال الخطاب للذات ثم للآخر. وبذلك تبقى الثقافة الإسلامية المستمدة لنورها من تعاليم الإسلام، كفيلة بفتح آفاق للانتقال بالفكر الإسلامي من منهجية الهدم إلى منهجية البناء. هكذا يصيغ الإسلام ثقافة الإنسان، ثقافة قادرة على ترسيخ عقيدة التوحيد في كل مجالات حياته وشخصيته، داخل فضاء مشترك بقصد التأسيس للمشروع الحضاري الإسلامي الوسطي والمعتدل، الذي سيكون تجاوباً بين كل الأطراف على قاعدة الرؤية المشتركة والمقاصد الشرعية المحددة.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©