هم أهل سواحل هذه البلاد الرطبة برائحة البحر المختمرة في هواء أرواحهم، ورثة الجزر الموغلة في قدم تاريخ الإمارات، كانوا بحارة يتقنون لغة الأمواج ويتحدثونها أمام الغرباء بطلاقة مدهشة، فقد عرفوا سحر تلك المياه المرسومة على زرقة الأفق كالفيروز، كانوا يفرحون برئة تتنفس في الأعماق أحلام المحار، لترفع الأصابع الرشيقة ''دانة اللؤلؤ'' بلهفة حورية بحر هامت عشقاً بصياد جنح به حنين المراكب·
كانوا بحارة يشرعون صدورهم السمراء لتلهو بعنف وهدأة الريح، لا يملون غزل الشباك للإيقاع بفضة الأسماك لتزيين موائد أحبابهم·· هم أهل الإمارات الذين لم يُنسهم الذهب الأسود وتطاول ناطحات السحاب الموصولة بشبكة عالقة بالفضاء، أن البحر كل حياتهم، ذلك الماء الساحر الذي لا يزال يحلو له أن يتمدد مثل غطاء بارد في أمسيات الصيف، أو يتسلل إلى ذاكرتهم ولو عبر رسالة سرية مدسوسة في رذاذ أمواج الشتاء، أو شربة ماء تذكرهم بملوحته وعنفه وسحره وغوايته أيضاً·
في جزيرة ''صير بونعير'' لا يزال شباب الإمارات يقيمون كرنفال الإبحار الذي يوقد في صدورهم هواء تنفسه الآباء والأجداد، في امتداد بحري عميق اتصل بلا انقطاع بمسار الرحلة في خريطة المرجان التي حفظوها عن ظهر قلب·· كانوا رجالاً ينظرون للأمواج نظرة خاطفة فيعرفون مكامن الدرّ والأصداف الثملة ببريق اللؤلؤ، تماماً مثل صقور بريتهم التي تذهب لمحطاتها التالية دون دليل وهي تحلق على ارتفاع شاهق يتسامى كخمسين جبلاً·· هم سكان هذا المزيج المثير من الماء والرمل، يلحق بهم شغف أبنائهم الذين يذهبون اليوم في زيارات مفاجئة لجزرهم وسواحلهم كي لا ينهار جبل الذكرى على خيمة البيت، يعبرون الخضم بمركب عصري يختلف عن لون سفن أجدادهم في بهاء الهيئة، يسمونه رخاء اليخت في نزهة تختصر الوقت ليومين، أو ليلتين تذكرهم برحلة غوصٍ كانت تستغرق ثلاثة أشهر في بلّور الخليج وأزرق السماء العتيقة، وعندما يصلون كان المكان يقترح بهجته وسحره، يذهبون لمهرجان ''القُفّاَلْ'' ولا يستذكرونه أو يحاكونه فحسب، بل يعودون بدرس يتصل دوماً بواقعٍ أسطوريّ كلما حان الحديث مع أجدادهم وآبائهم وأرواحهم عن جيرة البحر·
مهرجان البيئة، كرنفال سنوي تنظمه هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بالشارقة في جزيرة ''صير بونعير'' كل عام برعاية كريمة من صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي أصدر مرسوماً عام 2000 قضى بتحويل الجزيرة إلى محمية طبيعية·
عدد اليوم
